مقالات

حـــرب الـدعـــــــــايـــة ضــد ثـــورة روج آفــــا و الشمـــــال الســـــوري

عدالت عمر

إن حرب الدعاية  والتي تندرج ضمن إطار الحرب الخاصة هي إحدى أسلحة الحرب النفسية الفتاكة التي فرضت نفسها في الحرب الحديثة أكثر من أي وقت مضى ، مما حفزت الدول على التفنُّن في كيفية استخدامها لتحقيق أعظم فائدة منها، ولا يقتصر استخدام الدعاية على وقت الحرب فقط ، بل يشمل وقت السلم أيضاً وتستخدم كافة الاساليب المرنة و الخشنة و تكمن خطورتها في محاولتها لتغييب العقل و السيطرة على العاطفة و التحكم في انفعالات الشخص أو الفئة المستهدفة و إثارة الشكوك لديها حول قضيتها العادلة و الأشخاص الذين يضحون من أجلها و الأساليب المتبعة لتحقيقها.

ولم تعد الدعاية تقتصر على المقاتلين في المعركة,  تدفعُهم من القتال إلى الاستسلام، وتقنعهم بالهزيمة المؤكدة، بل ولم تعد الدعاية تتوقف حتى في التأثير على سكان الأراضي المحتلة, فتكسبهم لجانبها، وتخلق منهم الأعوان والأنصار، وتجعل منهم مؤمنين بأعمال التخريب والتدمير, لذا نرى الدعاية متنوعة؛ فالدعاية التكتيكية تستهدف هدفاً مباشراً، وهي سلاح يتعاون مع سائر الأسلحة الأخرى، كإلقاء المنشورات بالمدافع، واستخدام مكبرات الصوت، وإشاعة الأخبار السيئة عن مؤخرة عدوّه

أما الدعاية الاستراتيجيةُ فتتميز بأهدافها البعيدة، ويتلخص عملُها في التمهيد لعمل الدعاية التكتيكية، في حين تستعمل الدعاية التعزيزية ما استطاعت لكسب المحتلين بإقناعهم بأن الهزيمة هي النهاية وكما أن هناك الدعاية المضادة التي تستهدف تفنيد فكر العدو أو أسلوبه.

 فقد حاولت القوى المتحكمة بمصير الشعب السوري و خاصة الاقليمية منها كتركيا تفتيت الشعب و استنزاف قوته عن طريق إحداث الفتن الطائفية و المذهبية وخاصة بعد أن وجد في ثورة روج آفا سبباً لفشل خططه و ضربة لأمجاد امبراطورية العثمانيين فلجأت إلى شتى الوسائل بغية تجريد هذه الثورة من  شركائها حيث جندت الكثير من الفضائيات التركية و العربية و كذلك التركية الناطقة باللغة الكردية للتأثير على الرأي العام  و إجهاد الشعب السوري  بسلسلة من الأزمات بالتوازي مع الأزمة العسكرية التي افتعلتها النظام البعثي والذي هو أيضا لم يجد مصلحته في النظام القائم في روج آفا  وكذلك داعش و جبهة النصرة وأعوانهم في الداخل و بعض القوى الشوفينية في سورية كالائتلاف و الفصائل المرتزقة.

ومن أساليب حرب الدعاية التي استهدفت مجتمع روج آفا والشمال السوري:

ـــ بث روح اليأس و الشكوك و دعاية التهديد المستمر بأن المكتسبات مؤقتة وسرعان ما تضيع مع أول هجوم عسكري و تحديد عمر محدد للثورة ينتهي بانتهاء التهديد العسكري كل ذلك بغية عدم التأسيس لاستراتيجية واضحة والاعتماد على التكتيك القصير الأمد الذي لا يمكن ضمان استمرارية الثورة و لإثبات صحة ذلك شنت قوى الإرهاب كــ داعش العديد من الهجمات العسكرية و نقل قواتها أمام كاميرات وسائل الإعلام بهدف خلق الرعب والخوف و سلب الإرادة و دفع أفراد المجتمع إلى التفكير في الخلاص و الهجرة و خاصة فئة الشباب .. فأعدت المخيمات في إقليم جنوب كردستان وكذلك في المناطق الحدودية لخلق حالة ترغيبية لجذب الأنظار إلى تلك المخيمات واللجوء إليها ومن ثم استخدامها كدعاية سياسية ضد إرادة وإدارة روج آفا.

ـــ محاولة خلق الفتنة بين الكرد والكرد تارة وبين الكرد والعرب تارة أخرى وذلك عن طريق دعاية تسليم مناطق روج آفا للعرب لمخاطبة الجمهور الكردي وتأليبه ضد الادارة الذاتية والتبرؤ منها وتجريدها من الدعم الشعبي وكذلك مخاطبة الشعب العربي بأن القوات الكردية تدخل المناطق العربية وكل ذلك لخلق التوتر والانقسام بين المجتمع وتوسيع الهوة وانعدام الثقة بين أبنائه.

ـــ تضخيم الأحداث و الأزمات التي عانت منها روج آفا جراء الحرب و الحصار والاستفادة من أخطاء بعض العاملين الفاسدين في الإدارة الذاتية وتسويقها إعلامياً.. وكذلك تهيئة الأرضية للتحرك الاستخباراتي والأمني و اتهام الادارة الذاتية باعتقال السياسيين عند ملاحقتها للمجموعات المتواطئة مع الأطراف التي تهاجم روج آفا وإظهار صورة معاكسة لما يجري لتشويه صورة قوات المقاومة و التشكيك بقدراتها العسكرية و التنظيمية و نشر كل ما يحط من أهمية تضحياتها بكتابة التقارير الوهمية حول عملياتها العسكرية في المناطق المحتلة من قبل داعش والنشرات الإخبارية و بث تقارير مفبركة حول الأحداث والتطورات الحاصلة .. و ادعائهم – بعد احتلال الدولة التركية الفاشية لعفرين – بأن قوات الحماية الشعبية و المرأة باعوا عفرين و هربوا  و تركوا  أهلها يجابهون قدرهم لوحدهم وذلك  من خلال استغلال بعض الكرد لنشر تلك الدعايات التشويهية..

ـــ كذلك ادعاء القوى المهاجمة دوما بأنها تدافع عن نفسها لذا تروج دائماً للحرب العسكرية لكسب تأييد شعوبها ومؤسساتها كما تقوم به الدولة التركية المحتلة التي تتوغل في سوريا متى ما تشاء بحجة إبعاد الخطر عن حدودها مع إنها عندما كانت تشاركها الحدود جبهة النصرة وداعش لم ترَ يوماً بأن تلك المجموعات عوامل تهديد على أمنها ولم تطلق رصاصة في وجههم بل على العكس تماماً كانت تمدهم بالعدة والعتاد وتبني لهم مخيمات عسكرية كما كانت توفر لهم الدعم اللوجستي والعسكري أيضاً.

ـــ الادعاء بأن الحرب لا تستهدف كل الشعب الكردي أو شعوب المنطقة بل تستهدف الأطراف المؤيدة للإدارة الذاتية في الوقت الذي قامت نفس تلك القوى بتهجير الآلاف من المدنيين من مناطق كانت خارج سيطرة الإدارة الذاتية وأعدمت المئات منهم وقطعت رؤوس المئات.

إن حرب الدعاية التي تستهدف روج آفا و الشمال السوري تندرج ضمن إطار الحرب القذرة لما تستخدمه من أساليب غير إنسانية و بعيدة كل البعد عن الأخلاق .. مستندة إلى الكذب في تشويه سمعة المكتسبات و التضحيات ..

ومن أجل مقاومة الدعاية والسيطرة عليها، يجب اقتفاء خط سير الشائعات، والوصول إلى جذورها، وإصدار البيانات الصحيحة الصريحة، والتخطيط الشامل، وتكاثف الجهود، وكذلك التوعية المستمرة لتثبيت الإيمان وذلك بالبلاغات الرسمية عن طريق الندوات والمحاضرات والمناقشات.

 إضافة إلى الثقة بالقادة، والثقة بأن الأمور العسكرية تحاط دائما بالسرية والكتمان، وبأن العدو يحاول خلق الشائعات عندما لا تتيسر له الحقائق.

و هي إن عجزت عن تحقيق أهدافها إلى الآن في روج آفا و الشمال السوري فإن ذلك يعود إلى البناء النفسي المتماسك لشعوب روج آفا و الشمال السوري و كذلك التعبئة السياسية و الأمنية للنظام القائم والتي ساعدت في التفريق بين العدو الحقيقي وأساليبه الدعائية و مدى خطورته .. فيما كانت همجية الجهات المهاجمة بارزة في التشكيك بادعاءاته الإنسانية في التقرب من الشعوب التي شاهدت بأعينه الدمار و الويلات و المجازر التي حصلت جراء تدخل تلك الجهات في الوضع السوري ..

فيما تبقى للأجهزة الدفاعية عند الشعوب من قيم اجتماعية وأخلاقية ومبادئ إنسانية ووطنية الدور الأساسي في إفشال هذه الهجمات.

زر الذهاب إلى الأعلى