مقالات

حزب الاتحاد الديمقراطي وداعش أيَّة مقارنة – مناقشةٌ وَ رَدٌ على مقالة عبد الباسط سيدا

لم يستفزني نص منذ سنوات بلغ فيه مستوى التضليل حداً لا يحتمل، مثلما فعلت بي مقالة الكاتب والسياسي الكردي السوري عبد الباسط سيدا المنشورة في جريدة العرب اللندنية بتاريخ 14 / 09 / 2018 تحت عنوان “داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي” تكامل وظيفي وتناقض ظاهري، فهذه المقالة التي حاولت أن تربط وتطابق على مستوى الجوهر بين كل من حزب الاتحاد الديمقراطي وتنظيم داعش الإرهابي تأسيساً على تكامل مزعوم في الدور والوظيفة لكليهما في سوريا، وربما في المنطقة، بلغت حداً من تهتك المستوى التحليلي وختل المقارنة، لم تصله إلا نصوصاً قليلة مما قرأت واطلعت، حتى بدا لي وكأنها أرادت أن تثبت أن اللون الأبيض هو ذاته الأسود وأن الحرية في مراحلها المتقدمة ليست إلا الاستبداد بعينه!!!!!

فأن يتحول حزب الاتحاد الديمقراطي، بحسب الكاتب، إلى صورة ما عن إرهاب داعش، وبتكامل وظيفي مع تلك الأخيرة في وقت شكل هذا الحزب الرافعة الأهم في تشييد تجربة مناطق الإدارة الذاتية في شمال سوريا الاستثنائية في رهاناتها وقيمها؛ أمر قد أصاب تلك المقالة بأوجه خلل مركبة ومتضافرة، وهي وفقاً لما ادعي وجه رغبوي غير واعي تقف خلفه ديناميات أيديولوجية قسرية الطابع تحكمت بقراءة السيد سيدا لموقف حزب الاتحاد الديمقراطي من الحدث السوري بحكم الموقع الأيديولوجي المعروف الذي يحتله كخصم ومتناقض على الدوام مع الأوجلانية، ووجه آخر يُلبي واقع الاستتباع المضاعف الذي عانت منه طبقة سياسية معارضة للنظام السوري ينتمي إليها الكاتب والمعارض عبد الباسط سيدا استتباع لدولة إقليمية وإطار تنظيمي هما على التوالي تركيا والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، حيث نشط وأقام وتردد على الأولى طوال سنوات الثورة، وبقي فاعلاً في الثاني لأعوام قبل أن يستقيل منه قبل أشهر قليلة فقط.

والغريب في المنهج المقارن الذي ابتنت حوله مقالة السيد عبد الباسط سيدا، إنه لم يرَ إلا تناقضاً ظاهرياً دون أي تعارض وظيفي يذكر بين بنيتين فكريتين وتنظيميتين متناقضتين جذرياً وكلياً، تنتمي كل منهما إلى مستويين معرفيين يفترض وجود أحدهما نفي للآخر، وإلى منظومتين قيميتين تنتميان إلى تصورين متعارضين حدِّ العداء، للعالم والإنسان، للمجتمع والسلطة، للقيمة، والفعالية.

فحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يتبنى نظرياً وعملياً قيم الديمقراطية والاعتراف بالآخر الاثني والديني والمذهبي داعياً إلى مجتمع ديمقراطي، عاملاً مع بقية المكونات السياسية والاثنية والدينية والمذهبية على صياغة عقد اجتماعي ديمقراطي جديد منذ بداية تجربة مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشمال شرق سوريا، يتماثل في دوره الوظيفي بحسب مقالة السيد سيدا، مع تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام) داعش الذي يعادي الديمقراطية ويعتبرها كفراً، والذي يرفض الاعتراف إلا بالمسلم السني الذي يتطابق معه في كل قراءاته ويستعبد أو يقتل بطريقة مروعة كل مُختَلف معه رأياً، أو انتماءً، دينياً كان أو مذهبياً أو سياسياً!!!.

وحزب الاتحاد الديمقراطي الذي ساهم بشكل رئيسي مع بقية القوي الفاعلة في مناطق الإدارة الذاتية في إطلاق حوارات اجتماعية شاملة وتسيير حملات ثقافية ممنهجة من أجل إعادة الاعتبار للمرأة وفي إيجاد بُنى تنظيمية تمكنها ثقافياً وسياسياً واقتصادياً، بحيث احتلت موقع الرئاسة المشتركة في كل تنظيم أو مؤسسة أو فاعلية رسمية، مشاركة في الحياة العامة من موقع الند الواثق للرجل، ولتتغير إبان ذلك المعايير القانونية تحت تأثير هذا الحضور، ويظهر أول قانون مدني للزواج في سوريا، يتخطى الاعتبارات الدينية والمذهبية، ويجرى إبطال تعدد الزوجات واعتبار الإقدام عليه مخالفة تستوجب العقوبة بموجب القانون، كل ذلك استقر في صلب المنطق التحليلي للكاتب سيدا مكملاً وظيفياً لتنظيم الدولة الإرهابي الذي باع النساء الأيزيديات كإماء وجعل المرأة لديه آلة للمتعة، مجاهدة نكاح متنقلة، ومن ثم استخدمها أداة متوحشة لقمع لذاتها وتأبيد موقعها ودورها كما كان سائداً في القرون الوسطى. !!!!!!!!

ولم يقف التهافت التحليلي عند هذا الحد في مقالة السيد عبد الباسط سيدا، بل إنه لم يرَ إلا التكامل الوظيفي إياه بين تنظيم يستغرق في القتل الدموي بهيئة لا تنتمي إلى الزمن الذي تعيشه البشرية، تنظيم لا يمكنه أن يرى الفن والحرية إلا أعداءً وكفراً ينبغي بترهما بشكل نهائي، وبالبيئة مجرد “جمادات لا تختبر عذاب القبر وليست من نزلاء الجنة والنار “!!، وبين حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يحتفي بالفن، ويدافع عن الجمال، ويرى في البيئة بيت الحياة وروحها، وحمايتها ضرورة سياسية واجتماعية وبرنامجية !!!!!

وكما أن إهمال العلاقة بين بنية أي تنظيم سياسي، المعرفية والفلسفية والأيديولوجية، وبين وظيفته وأدواره الاجتماعية / السياسية كان واسماً حد الفضيحة لنص السيد عبد الباسط سيدا ولخلاصاته، كان أيضاً انحيازه للمقاربات الخطية الهشة المنجدلة برغبوية حتى لا أقول كيدية، لِحَالتَي داعش والاتحاد الديمقراطي قد حال دون رؤيته للواقع، متعدد الخطوط معقد الصورة، متشابك القوى والرهانات، إذ يكفي بِعُرفِ سيدا أن يكون حزب الاتحاد الديمقراطي تنظيماً ينتمي إلى نواة فاعلة لقوى تسيطر على مساحات شاسعة من سوريا وكذا تنظيم داعش، وأن يتعارض كل منهما مع النظام من جهة والمعارضة المنضوية في الائتلاف من جهة أخرى حتى يحمل كل منهما الدور الوظيفي ذاته !!! بل ويكفي أيضاً أن تدرج تركيا حزب الاتحاد الديمقراطي في قائمتها عن الإرهاب – وهي المعروفة في سياساتها المعادية تاريخياً لحقوق الكرد- ليجعل ذلك من هذا الحزب في منطق سيدا إرهابياً تماماً كما تنظيم داعش الذي يتفق الكون والعالم ومنظومات السياسة والأخلاق وثقافة حقوق الإنسان على إرهابه!!!!، وليس مهماً أبداً أثناء ذلك ماذا يفعل كل منهما على الأرض وفي حياة الناس والمجتمع، وإلى أي حد هما متناقضان جذرياً على هذا الصعيد!!!

زر الذهاب إلى الأعلى