ثقافة

الهلال الذهبي ومبادرات الرد الثقافي

تختلف الثقافة حسب العلوم والمعارف التي يدركها الفرد ومجموع ما توصلت إليه أمة أو بلد ما في مختلف الحقول من أدب وفكر وعلم وصناعة، وسبب هذا الاختلاف ضرورة استخدام شيء يعبر عن سلوكيات المجتمعات ويشمل عناصره على القانون والعادات والأدب والفنون والسياسة والتاريخ والأخلاق والعمران والقيم الاجتماعية والتقاليد والأديان واللغة.

ومنذ مر التاريخ تتعاقب الحضارات الإنسانية على منطقتنا والشرق الأوسط لأهميتها الجغرافية وموقعها الجيوسياسي المتوسط لقارات العالم الثلاث وتعتبر خزاناً للحضارات باختلاف أعراقها ومذاهبها حيث كانت تشكل تمازجاً للثقافات، وتعرضت المنطقة لهذه الحروب والكوارث الصناعية ليس بداعي الصدفة فقلة الوعي الشعبي وما يحاك لها من سياسات وتغيير ديمغرافي وتدمير لأوابدها الأثرية هو بداعي طمسها وإمحائها.

ونحن في مشروعنا الديمقراطي نتطلع إلى مجتمع يسوده التعايش المشترك مبنياً على أخوة الشعوب وتطوير ثقافتها من حيث إمكانية إحياء جميع اللغات التي كادت لأن تنقرض تقريباً.

وهنا لعبت نساء حركة الثقافة للهلال الذهبي في عفرين دورها في وضع خطة فعاليات تحت اسم الأسبوع الثقافي في إطار حملة (انتفضوا يا نساء العالم من أجل عفرين) التي بدأت في ناحية شيراوا بقرية عقيبة التابعة لمقاطعة عفرين لتستمر في قُرى مقاطعة الشهباء: (أحرص، تل قراح، أحداث، حليصة، أم حوش لينتهوا في بلدة تل رفعت).

وتضمنت نشاطات فنية منها تقديم فرقة الشهيدة “سلافا” فقرة من الأغاني الفلكلورية  والتراثية والثورية الخاصة بعفرين, وبعدها قدمت فرقة الشهيد “صوران للرقص” فقرة من الرقص الفلكلوري.

وأيضاً كان هناك مسرحية قدمت من قبل مسرح الهلال الذهبي عن  حوار ما بين (القلب والعقل) التي تمحورت عن يوم خروج أهالي عفرين من المقاطعة والتوجه صوب مناطق الشهباء, وأن قلوب الأهالي لم تكن ترغب بالخروج إلا أنه وتحسباً لوقوع مجازر أخرى بحق الأهالي وتفكيراً بالعقل اضطر الأهالي لاتخاذ هذا القرار المصيري حيث انتهت المسرحية بالتأكيد على أنهم خرجوا ليعودوا مرة أخرى.

وكما قدمت فرقة “سردم للأطفال العازفين والمغنين” العديد من الأغاني الثورية الوطنية.

والهدف من هذا الأسبوع الثقافي هو ردع السياسات التي تهدف إلى إمحاء الثقافة الكردية وإحياء التراث العفريني، والرد على المحتل التركي بأننا متمسكون بثقافتنا وفننا وسنعود بها لعفرين محررة.

وأن أي دولة استعمارية عندما تريد أو تطمح أو تخطط لاحتلال منطقة أو دولة تبدأ بمحو الثقافة واللغة لأنها أساس المجتمع وعندما تمحيها يصبح المجتمع قابل للانحلال بثقافة أخرى مقابل الاستعمار بأسهل الطرق وكما جرى في عفرين عندما بدأ الاحتلال التركي بدأ باستهداف الأماكن الأثرية كـ (عين دارة، نبي هوري، وغيرهم الكثير) وأن نساء الهلال الذهبي واجبهم حماية الثقافة الكردية والشرق أوسطية بكافة الوسائل إن كانت من خلال نشاطات أو محاضرات ثقافية.

وحقيقةً تتميز الشعوب والمجتمعات بالإضافة إلى التاريخ والأرض واللغة بوجود ثقافة خاصة بها والثقافة مفهوم واسع تضم العادات والتقاليد والقيم والآداب والفكر والسلوكيات اليومية الحياتية وتشكل كل هذه النواحي الجانب الروحي للشعوب وتظهر في جانبها العملي من العيش والإبداع تعمل على الحفاظ على المجتمعات وخصوصيتها.

ولا يمكننا الحديث عن شعب ما دون التطرق إلى ثقافته ونحن إذا ولدنا وعشنا في منطقة الهلال الخصيب (الذهبي) التي تتميز بوجود ثقافات مختلفة متنوعة تعايشت وتفاعلت مع بعضها في هذه الجغرافيا التي كانت شاهدة على ولادة الكثير من الحضارات.

فالثقافة تبرز الجانب المعنوي والذاكرة الروحية للشعوب وكان لها مؤسساتها لإحيائها وتطويرها.

إن سياسات الاحتلال الفاشي للدولة التركية للمنطقة لا تهدف فقط إلى الاستيلاء على الجغرافيا والأرض بل تريد طمس هوية المنطقة عن طريق الصهر الثقافي وفرض ثقافة ولغة أخرى على شعوب المنطقة.

فالأنظمة الاستبدادية الاستعمارية في المنطقة تحاول فرض ثقافة اللون الواحد ونشر الفكر الظلامي الرجعي التكفيري وبعض الأنظمة الشمولية تحاول صهر الثقافات المختلفة في بوتقة ثقافة عالمية واحدة غريبة والهدف منها هو إفراغ المنطقة من جوهرها وروحها وطبيعتها من خلال منعها من ممارسة حقوقها.

نستطيع القول إن شعوب المنطقة والأقليات الموجودة فيها تتعرض لتهديد حقيقي بما فيهم أهالي مقاطعة عفرين, هو تهديد بالإبادة الجسدية من خلال القتل والخطف والأخطر من ذلك هو الإبادة الثقافية.

مكونات وشعوب روج آفا وشمال سوريا شهود عيان على انطلاق ثورة شعبية على كافة الأصعدة المجتمعية والسياسية والعسكرية وولادة ثقافة وبراديغما جديدة تأسست على مبدأ أخوة الشعوب والأمة الديمقراطية, التشاركية واحترام الآخر.

حيث استنشقت الشعوب رائحة الحرية وأصبح بمقدور كل فرد, وكل مكون ممارسة حقوقه الثقافة.

ومع انطلاقة الحراك السوري شهدت عفرين بالأخص ثورة ثقافية وفكرية أول مدرسة تدرس اللغة الأم, أول جامعة على مستوى روج آفا، أول مهرجان للمسرح والأفلام, وعفرين اشتهرت بثقافة المقاومة البطولية الأسطورية ضد ثقافة العبودية والخنوع وقدمت أول شهيدة (سلافا) ضمن وحدات حماية المرأة, وبعد الخروج القسري لأهلنا من عفرين نحو مناطق الشهباء ما تزال المقاومة مستمرة بكافة أشكالها.

والحراك والأنشطة التي يقوم بها المركز الثقافي أو المؤسسات الثقافية كالهلال الذهبي لهي بحق شكل جديد في المقاومة ضد التطهير والصهر وتساهم في التشبث والتمسك بالأصالة المجتمعية والتراث ونحافظ على الموروث الثقافي الفني, النشاطات الثقافية عابرة للحدود ولا تنحصر في جغرافيا معينة فهي تنتقل وتعبر عن نفسها أينما كانت.

الثقافة لها أجنحة وتطير بحرية ويجب دعم ومساندة النشاطات الثقافية التي تسعى إلى نشر ثقافة التسامح والسلام لتعريف الأجيال بها، والعودة إلى الأصالة والجذور كون المنطقة بأمس الحاجة لها وهي السبيل على النصر المؤكد.

إعداد: جوانا حسن

زر الذهاب إلى الأعلى