مقالات

القضية الكردية وتوازنات الدول الإقليمية

“الخريطة السياسية للشرق الأوسط والتي رسمت ملامحها منذ الحرب العالمية, قد خطت حدودها بغرض تشكيل قضايا اشكالية تدوم قرناً من الزمن بأقل تقدير”

الشرق الأوسط من أكثر المناطق المتأثرة بسباق القوى الاقليمية والدولية، وهذا ما جعله عرضة للصراعات وعدم الاستقرار لعدم اتفاق الدول المتنفذة على صيغة توافقية بشأن القضايا المتراكمة فيه, فمن جهة تم تحجيم دور بعض الدول الإقليمية كمصر والعراق وليبيا وخُلق فوضى فيها، ومن جهة إضعاف الجامعة العربية في ظل الخلافات العربية، و ثورات “الشعوب العربية” التي أسقطت وغيّرت العديد من الأنظمة العربية واستبدلتها بأنظمة منتخبة لا تزال لحدِّ الآن لا تلبي طموحات شعوبها، إضافة إلى الدور التركي الملحوظ الذي سعى من خلاله وعن طريق الاسلام المرن ودعم الجماعات الراديكالية إلى تحقيق نواياها التوسعية ومآربها الخاصة والذي كان من إحدى نتائجه الفوضى العارمة التي اجتاحت الشرق الأوسط.

كل هذه الأمور وغيرها صَبَغَتْ منطقة الشرق الأوسط  وسوريا بصبغة التغير والتحول، في محاولة لإعادة رسم المنظومة الإقليمية التي سادت لعقود سابقة، فالشرق الأوسط الآن يتعرض لعديد من الارتجاجات والتحولات بسبب مجموعة من المتقلبات التي عصفت بالساحة الدولية وانعكست بشكل أو بآخر على توازنات القوى اللاعبة في الشرق الأوسط.

إن القضية الكردية هي القضية المركزية والجوهرية في المنطقة اليوم كونها مفتاح السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وإن عدم التوصل إلى حلٍ عادلٍ وشاملٍ ودائمٍ لها سيُسهِمُ بشكلٍ كبير في استمرار حالة التوتر والعنف السائد في منطقة الشرق الأوسط.

القضية الكردية، وما تحمله من خصوصية تجعلها عرضة للتأثير بأي متغير دولي أو إقليمي لِمِا لها من أبعاد متشابكة، وما تستقطبه كقضية من اهتمام عالمي بها، وتركز القوى الدولية عليها بصفتها أعقد القضايا الدولية، وهذا الاهتمام حازته القضية الكردية منذ نشأتها نظراً لموقعها الجيو سياسي، ولكن مع الأسف الشديد ارتبط حاضر الكرد ومستقبلهم وعلى مرِّ التاريخِ بواقعِ موازين القوى التي تحكم المنطقة، وخصوصاً دول الجوار الجغرافي، ويتحتم علينا فهم أسباب ذلك بأفضل صورة حيث ثمة مآرب عِدَّة وراءَ ذلك منها ترسيخ تناقضات الكُرد مع شعوب ومكونات الدول المجاورة، والتي طالما تقاسمت معها العيش وعلى مرِّ التاريخ بل الابقاء عليهم في حالة اقتتال واحتقان؛ مُحرِزَةً بذلك نجاحها في تأمين تَبَعيَّةِ الجميع.

ختاماً: إن القضية الكردية في نتائجها ومحصلاتها النهائية كانت دوماً عرضة لموازين القوى الإقليمية والدولية التي عَمِلتْ وتعمل دائماً لمصالحهم، وقد ساهمت هذه المعادلات الإقليمية والدولية دوماً لفرض تصورها الأحادي للقضية الكردية ولتصفية أي مشروع كردي.

من هنا علينا أن ندرك أننا إذا استشعرنا توظيف المتغير الكردي في تغيير أسس وقواعد اللعبة الدولية يمكن أن نحدث شرخاً في معادلة موازين القوى السائدة؛ خاصة وأن الكرد احتلوا أماكنهم اليوم كواقع مؤثر ونافذ ضمن توازنات الدول، وسيمثلون القوى الريادية في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى