مقالات

الديمقراطية ثقافة

في هذه الزاوية سنقوم بتحرير وإظهار وكشف الملامح العامة والتضاريس الحقيقية للثقافة الديمقراطية وتحديد ما المقصود بالديمقراطية كثقافة, في الوصول إلى اتفاق على بعض الأسئلة الأساسية عن ثقافة الديمقراطية. فطبقاً لما يقوله “روبرت . أ. دال” الذي شغل منصب أستاذ العلوم السياسية ويُوصَف بأنه عميد علماء السياسة الأميركية: إن الديمقراطية هي التي تتيح لنا فرصاً في المشاركة الفعَّالة والمساواة في التصويت، والحصول على فهم مستنير، وممارسة السيطرة على هذه المعايير العملية للديمقراطية.

ويقدم روبرت جملة من الأسباب تجعل الديمقراطية خياراً عالمياً، فالديمقراطية تساعد على تجنب الاستبداد، كما تضمن لمواطنيها عدداً من الحقوق الأساسية، ومدىً واسعاً للحرية الشخصية، وتساعدهم على حماية مصالحهم الشخصية الأساسية، كما تعمل الأنظمة والإدارات الديمقراطية على إتاحة الفرصة القصوى للأشخاص لممارسة حرية تحقيق الذات، أي أن يعيشوا في ظل قوانين من اختيارهم.

وبالعودة إلى مسألة الثقافة الديمقراطية المُتَّبعة في شمال وشرق سوريا تحت مظلة الإدارة الذاتية الديمقراطية نجد أن هناك تبلور لقناعات ولمبادئ سياسية جديدة في فكر وواقع المكونات والشعوب؛ فالإدارة الذاتية تؤكد دوماً على أصالة وتعدد الهويات وترى بأن التنوع الثقافي بوصفه مَصدَراً للتبادل والتجديد والإبداع ضروري لترسيخ الإدارات الديمقراطية، وعليه جاءت كفالة حرية التعبير وتعددية وسائل الإعلام والتعددية اللغوية والمساواة في فُرَصِ الوصُولِ إلى جميع أشكال التعبير والمعارف العلمية وغيرها.

ومن هنا نتساءل عما تحقق في شمال وشرق سوريا في الآونة الأخيرة من تعددية ثقافية؟

 يتمتع جميع مكونات وشعوب المنطقة بتنوع ثقافي قلَّما تجد له نظيراً في الدول المجاورة. فأصبح من حق كل مكون تحديد حقوقه الثقافية بالتعبير عن نفسه, وترسَّخَ فكرة التنوع الثقافي وتقبُّل الآخر دون إقصاء أو تذويب للثقافات الأخرى يوماً بعد يوم, ليشكل هذا التنوع المتعايش فسيفساء ثقافية تزيد المشهد ثراءً وغِنَىً وحيويةً.

إن إيمان الشعوب والمكونات بالحداثة العصرانية، يصاحبه إيمان مماثل بنظرة هذه الشعوب إليها من زاوية أنها عبارة عن أفق مفتوح على كل ممكنات الإبداع الذاتي، إن الاقتناع بالمبادئ الكبرى الناظمة للمشروع الفلسفي الحداثي (الديمقراطي) بالنظر إلى الإنسان والتاريخ والمعرفة يتيح لها إطاراً جديداً للتفكير في الحاضر والمستقبل بصورة مختلفة عن سقف القناعات المهيمنة على الذهنيات والعلاقات الاجتماعية والسياسية، ويفتح أمام الجميع  إمكانية الخوض في المشروع الديمقراطي، باعتباره مشروعاً تاريخياً قابلاً للتطوير والتجاوز، أي قابلاً لبناء وإعادة التوافقات السياسية والاجتماعية والتاريخية والعقلانية المطابقة لإشكالاتنا السياسية والتاريخية.

 بصراحة, الأخطار المحدقة بأي مشروع ديمقراطي اليوم، لم تعد فقط في الخطر الخارجي المتمثل في الإرهاب الناتج عن التطرف الديني أو في وجود أنظمة دكتاتورية، بل في جملة من المخاطر الداخلية التي تتمثل في الأعداء الذين أفرزتهم الأنظمة الشمولية، إنهم يمثلون أبناءها الذين نَشئوا في رحمها.

زر الذهاب إلى الأعلى