مقالات

التحول الجديد في الوعي الوطني الكردي

يجب الاعتراف أولاً أننا كجيل الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينات، معظمنا وصل إلى شيء من الإحباط بسبب سلسلة الانكسارات والتباعد في الرؤى والانشقاقات الحزبية التي عاشتها الحركة السياسية الكردية، ولِمَا آلت إليه أوضاع المجتمع الكردي، مع انحسار إمكانية تحقيق الأهداف تلك التي كنا نحلم بها.

وعلى الطرف النقيض: فإن الجيل الذي جاء بعد هذه السنوات؛ غلب عليه الحماس وانتابه بعض الفوضى الفكرية بسبب تلك الانهيارات التي عاشتها الحركات السياسية الكردية وترهلها.

حالة الإحباط هذه التي اعترتنا انفجرت اليوم في لحظة واحدة، وفاجأت الجميع؛ جيل الكبار المُحبَط وجيل الصغار المُتَحمِّس، فاجأت أنظمة المنطقة، ودول العالم.. بثورة شعبية متسلحة بقيم المجتمع الطبيعي يقودها الشباب والمرأة.

وما إن بدأت هذه الثورة وهذا الحراك الشعبي في شقِّ الطريق بين الجماهير الواسعة، حتى بدأت الدول القومية المجاورة وحتى الإقليمية والعالمية تستطلع الخبر، وتحلل الحدث لمعرفة كيفية انبعاث هكذا ثورة وفي ظروف غير متوقعة لديها، وبالتالي بادر الجميع إلى وضع استراتيجيات جديدة, استراتيجيات تليق بالمرحلة وبالثورة المفاجئة، ليست على غرار القديمة عبر استغلال الأنظمة والحكام ، إنما عبر التوجه المباشر إلى الشعب بحجة حماية الشعوب والأقليات، وبالتالي كانت استراتيجيتهم الجديدة في المنطقة تتمثل في إعادة تركيب أنظمة حكم جديدة يتوهم الشعوب بأنها أكثر ارتباطا بواقعهم.

إن الواقع السياسي الكردي صعب وسيئ، فهناك دماءٌ تُنزف وأرواح تزهق ومدن تُنهب, ومدن تُدكُّ وساكنيها وأهلها، ومواطنون يعيشون في المخيمات, وهناك إعادة رسم لخارطة المنطقة بعد انتهاء مفعول “سايكس بيكو”، ومن يخالف هذا الرأي لا يستطيع أن يخالف الواقع التاريخي المعاش.

إن التغيير أمر متوقع في كل زمان ومكان، والتغيير أمر مطلوب، ولكن ما هو السيناريو الذي يمكن أن يحدث فيه التغيير؟ وما هي الحالة والآلية التي يحدث فيها هذا التغيير؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نجيب عليه اليوم.

إن العوامل الداخلية والخارجية اجتمعت لتساهم في تدهور الواقع الكردي، ولتعمق التباين بين أبناء المجتمع الواحد، وعلى الرغم من كل ذلك، وبدماء شبابنا وفتياتنا تمكنا من فرض معادلة جديدة محلياً وإقليمياً ودولياً، فلا أحد يستطيع أن ينفي الدور المهم والحاسم للمشروع الديمقراطي، الرافض لكل أشكال التبعية ومصادرة الدور، وإنهاء جميع الأزمات التي تعمَّقت بين الجماهير الكردية.

إن الشعور بالتشتت لدى الجماهير الكردية غذَّت فيه إرادة تحدي الواقع المتردي والمتشتت، ومن هذه البدايات ظهر التحول الجديد في الوعي الوطني الكردي تمثَّل في انبثاق حالةِ إرادةٍ جماهيريةٍ مطالبةٍ بِلمِّ الشمل وتجميع الرؤى.

بالمحصلة؛ على الشعب الكردي ألّا يتوقف أو يتراجع عن الإنجاز الديمقراطي الكبير الذي حققته إرادته الحرّة، وأن التغييرات التي طرأت على خريطة المجتمع الكردي، وانفتاح قوس الاتصالات، ربما تكون بداية النهاية لتردي الواقع الكردي المتشتت.

زر الذهاب إلى الأعلى