مقالات

أوجلان من ناكر لهويته إلى ساعٍ للسلام

سيدار رمو

أوجلان ذاك الكردي الذي أنكر كرديته في أحد الأيام فقال: “هذه الكردية ستجلب لي بلاءً كبيراً”، تحول فيما بعد إلى أكبر المفكرين الكرد والمدافعين عن الحق الكردي ولم يتوقف هنا فقط؛ إنما سعى إلى تحقيق السلام بين الكرد والأتراك بالرغم من أن الفئة الثانية اضطهدت الكرد وطمست هويتهم واغتصبت حقوقهم ونظرت إليهم نظرة استعلاء في الوقت الذي ينحدر فيه الكرد من عرق أصيل متأتي من قِدَمِ التاريخ، فهم من الأقوام والشعوب الأصيلة في منطقة الهلال الخصيب ميزوبوتاميا على عكس الأتراك الذين قدموا إلى المنطقة خلال موجة هروب من المغول واستقروا في أهم منطقة من الأناضول (تركيا الحالية).

 أوجلان من جهة أخرى كان يقول: “إنني إذا ما تنكرت لكرديتي فهذا معيب جداً، إذن ما معنى أن أكون كردياً ولا أصنع شيئاً لكرديتي”، من كردي يتنكر لهويته بات رمزاً للحرية الكردية المعتقلة، السجين والمعتقل الحر أوجلان الذي لم تنقص عزيمته وإصراره في تحقيق هدفه النبيل قال أيضاً: “أنا شخص ثوري وديمقراطي، إذا بقيت عشرات السنين لوحدي في هذا السجن لن استسلم للدولة، ولن استسلم لأي جهة أخرى، بمقدوري أن أعيش حتى نهاية عمري في هذا المكان، على الجميع أن يعرف هذه الحقيقة، أنا واضح وشفاف”، هو يكافح من هنا والسلطات التركية تضيق عليه الخناق باضطراد، فشروط سجن إيمرالي تزداد سوءاً مع مرور الوقت، كما ومنذ تموز 2011 إلى تموز هذا العام قدم مكتب الحقوق للدفاع عنه 674 طلباً إلى السلطات التركية للقاء مؤكلهم إلا أنها جميعاً قوبلت بالرفض، فتركيا تحاول شرعنة تجريدها على أوجلان استناداً إلى قانون الطوارئ الذي تقول فيه أنه إجراء احترازي للحفاظ على الإرادة التركية.

في سجن جزيرة إيمرالي المخصص لمعتقلي الرأي في تركيا وتحديداً في غرفة صغيرة مطلة على البحر يستقر أوجلان في مخدعه، بعيداً عن ظروف الحياة المثالية، هناك يمارس نشاطه اليومي تحت مراقبة مكثفة، حيث يأكل ويشرب ويقرأ ويأخذ حمامه تحت عيون الكاميرات، لا تصله الكتب إلا قليلاً أما الصحف تصل ليده حسب رغبة الاستخبارات، أحياناً تصله صحيفة مقصوصة أزيل منها خبر بالكامل، أما غرفته البائسة بإطلالتها على البحر تهيأ مناخاً مزعجاً من الرطوبة، مما زاد من حساسيته وتعرضه لضيق في التنفس، الرطوبة تزعجه؛ يضطر لفتح النافذة فيتغير جو الغرفة مما يعرضه لوعكات صحية، وعلى إثرها لا يتلقى العلاج المطلوب.

في هذه الظروف السيئة التي لم نذكر إلا القليل منها، لم يتوانى السيد أوجلان عن خدمة شعبه وقضيته، عمل على توعية شعبه ورفع مستواهم الفكري، ودعا إلى تطبيق الفكر الكومينالي، وأكد أنه لو كان حراً طليقاً لعمِل في أرض قريته وأسس كومونة ولملم عبرها مجتمع قريته المتواضعة.

من هناك، من سجنه في جزيرة إيمرالي دخل في مفاوضات السلام مع الأتراك بغية حل القضية الكردية، ووضع معاناة شعبه من ظلم واضطهاد جانباً آملاً إحقاق الحق الكردي المشروع وتحقيق السلام، وأعطى مقترحات تقي الدولة التركية من الانهيار إلا أن الأتراك لم يفوا بوعودهم وظلوا على سياستهم في تهميش الكرد وطمس هويتهم، ولم يعيروا أهمية لمقترحات السيد أوجلان المفكر الكردي والأممي، والقائد الذي يتبعه الملايين في كل بقاع العالم الذي لم يتوانى يوماً أن يكون سيد الحق، فلو أدركت الدولة التركية هذه الحقيقة وتنبهت إلى أن الفرصة لن تكرر ثانية لما رأينا تركيا الحالية.

زر الذهاب إلى الأعلى