مقالات

ويبقى الحل في سوريا داخليا

محمد أرسلان

بعد دخولها السنة الثامنة من الأزمة وتحولها من مشكلة داخلية إلى صراع نفوذ بين القوى الاقليمية والدولية وغياب العامل الداخلي، يبقى الحل للأزمة في سوريا داخليًا بامتياز. كافة الاجتماعات المنعقدة غربيًا في جنيف وشرقيًا في استانا وسوتشي لم تصل بالشعب السوري إلى برّ الأمان وحلحلة الأمور، بل على العكس من ذلك تمامًا زادت الأزمة تعقيدًا وعقدة حتى باتت عصية عن الحل. وحتى المتابعين للأزمة باتوا مشوشين ولا يعرفون إلى أين تجري الأمور بهم، لكثرة الأجندات التي يريد كل طرف تنفيذها وفق أطماعه ومصالحه، بعد الفشل الذريع الذي تكبّدته القوى المحلية والمعنية بشكل مباشر بالأزمة السورية.

غابت القوى المحلية عن وضع رؤية خاصة بها لحل المشكلة والتعقيدات التي ترافق ما حلَّ بسوريا، ووصلت هذه القوى المحلية بعد أن تم حصرها في الزاوية الشمالية الشرقية “شرق الفرات” والزاوية الشمالية الغربية “إدلب”، باتت هذه القوى تبحث عن منقذ يمسك بيدها ليخرجها من حالة عدم وضوح رؤياها للمستقبل الذي رسمته هي في مخيلتها بداية الأزمة السورية.

لم تدرك القوى المحلية بشرقها وغربها حتى الآن أنَّ أساس المشكلة السورية بقدر ما كانت داخلية، إلا أنها تحولت إلى قضية اقليمية ودولية وكل طرف يريد أن يقضم ما بوسعه من “الكعكعة” السورية ويبقي ما تبقى للشعب طبعًا، هذا إن تركت له شيئًا غير التغني على ماضٍ ولى.

تدخّل ودخول هذا الكم الهائل من القوى على الجغرافيا السورية من أمريكية وروسية وفرنسية وبريطانية وتركية وإيرانية، وفصائل أفغانية وعراقية ولبنانية، هذا ناهيك عن الفصائل الإرهابية العابرة للحدود بكل مسمياتها وقومياتها، فهو أكبر دليل على فشل القوى الداخلية المحلية في حلحلة مشاكلها بنفسها وكذلك طغيان عدم الثقة فيما بينها، وكأن كل طرف يريد إنهاء الآخر ويتربع على العرش مكانه وعليه تم الاستنجاد بالقوى الخارجية كي تأتي وتحل المشكلة بين الأخوة الأفرقاء.

وعن ماذا تبحث الضباع الجائعة سوى عن قطيع مشتت ومتناحر فيما بينه على شيء هم لا يملكونه بالأصل، سوى بعض من مشاريع لم يحن وقت تطبيقها وتنفيذها بعد. إنها الفرصة السانحة التي أعدّتها الضباع بكل عناية من أجل استنجاد الداخل بالخارج على أنه المخلِّص مما تعانيه.

هي نفس اللعبة قبل قرن من الآن وبنفس الأطراف “روسيا القيصرية، فرنسا، بريطانيا وبعد ذلك أمريكا”، وبنفس الأدوات “تركيا، إيران، الكرد، الأرمن والسريان”، والعرب الذين كانوا فتيل الحرب العالمية الأولى التي بدأت من السعودية وكانت ما سُميت زورًا بـ “الثورة العربية الكبرى 1916”.

الآن أعلن ترامب عن نيته في الانسحاب من سوريا ليتركها كي ينهش ما تبقى ببعضهم بعضًا أكثر وأكثر حتى يحين دورها وتأتي وتأخذ ما تريد وتقسم كيفما تشاء، ويحول الحرب من شرقية وغربية إلى شرق أوسطية الكل ينهش في جسد الكل. وتبقى هي خارج الحلبة مع وجود بعض الحكام على أطراف حلبة المصارعة بعيدين ومصفقين ومشجعين للكل كي ينهش بعضه البعض.

ويبقى الحل على كاهل القوى الداخلية إذ هم أرادوا الخروج من هذا المستنقع الذي صنعوه بأيديهم. بعيدًا عن ألـ “أنا” وقبول الـ “آخر”، كما هو وبنواقصه وسلبياته وليحولوا الصراع إلى صراع فكري بدلًا من تمزيق أجساد بعضهم البعض.

المشاريع النظرية الجميلة لا تكفي لإقناع الآخر بجدواها، بقدر ما يلزمها شخوصًا ملمة وواعية ولا تترك لعواطفها الجياشة أن تتحكم بها، بل عقلاء يبحثون مع بعضهم البعض عن الحد الأدنى من العيش المشترك وترك الأمور الشائكة للزمن الذي سيكفل بحل ما تبقى.

حينها سيكون لكل حادث حديث.

زر الذهاب إلى الأعلى