الأخبارسياسةمانشيت

إدلب على حافتي السكين، التطورات الأخيرة والمنتظر الإدلبي

الغموض يكتنف مصير مدينة إدلب وريفها منذ ما يقارب السنتين والأمم المتحدة عبّرت عن  تخوفها مراراً من أن “معارك طاحنة” في “الحلقة الأخيرة” من الصراع العسكري “البعيد الأمد” ستكون في إدلب.

حيث قال مستشار منظمة الشؤون الإنسانية يان اينجلاد: “ما نخشاه هو أنه بعد الغوطة الشرقية قد نرى معارك طاحنة داخل وحول إدلب في شمال غرب البلاد…”.

وأضاف المسؤول الأممي أيضاً “سنشهد الأحدث في حلقة معارك النهاية الطاحنة والقاسية بعد القتال في حمص وحلب والرقة ودير الزور”.

وبيّن المسؤول أن “الوقت لم ينفد بعد لإجراء حوار بشأن إدلب وعفرين…وإدلب ستكون مبعث قلق هائل لأن إدلب معسكر تجمعٍ لمئات آلاف النازحين من حلب وحمص ودمشق…”.

إذاً مرحلة خطيرة دخلتها الأزمة السورية منذ بداية  2018.. وغموضٌ في شمال غرب سوريا خاصة بعد إن كرست اجتماعات آستانة وما نجمت عنها من توافقات وتقاطعات في المصالح والأجندات بين الثلاثي المتحكم بمصير تلك المنطقة وتحت القيادة الروسية وما تم التوصل إليه ثلاثياً فيما بعد “مناطق خفض التوتر”.

ولو سلطنا الضوء قليلاً على خريطة توزع القوى المتداخلة والمتناحرة في تلك المنطقة خاصة إثر المستجدات الأخيرة التي ألمت بالبلاد غرباً وجنوباً، سنلاحظ بأن سوريا تحولت من مجرد ساحة لحرب “أهلية” إلى ميدان حرب بالوكالة تديرها كلٍ من روسيا وتركيا.

الصراع إدلبياً اتسّم بطابع المواجهات العنيفة بين الفصائل والمجموعات ذات المشرب الواحد  والتي تجمعت وجمعت فيها خاصة بعد عمليات خفض التصعيد.

بطبيعة الحال فقد كان الاتفاق يقتضي إجلاء كافة المجموعات المسلحة المرتبطة بتركيا وقطر من سوريا المفيدة روسياً، وبالرغم من محاولات النظام السوري والمجموعات الإيرانية المتحالفة معها باستعادة المناطق التي سيطرت عليها تلك المجموعات والتي كانت عِمادُها جبهة النصرة “هيئة تحرير الشام” لكنها فشلت في ذلك، ولولا هذا الاتفاق لما تمكن النظام السوري من أن يسيطر على عدة مناطق كانت تُشكّل القاعدة الرئيسية لغالبية المجموعات السلفية تلك (حلب، والغوطة وحمص والقلمون)، فيما اعتبر بعض المراقبين أن هذه الخطوة التي قام بها النظام خطة استراتيجية هامة ستساعده من أجل استرجاع المدينة من قبضة تلك المجموعات، ونتيجة لذلك؛ أي منذ مطلع 2018 بدأ المحور السوري الروسي الإيراني بشن هجماته وقصف المدينة من الجهة الشرقية لاستعادة آخر معاقلهم.

لنعد للمشهد الإدلبي فمنذ انطلاق مباحثات آستانا مطلع كانون الثاني/ يناير المنصرم شنت جبهة فتح الشام قبل أن تندمج ضمن تشكيل هيئة تحرير الشام هجمات مختلفة على المجموعات السلفية الأخرى في مناطق شمال غربي حلب وإدلب وشمالي حماة في محاولة لبسط سيطرتها على مفاصل القرار في تلك المنطقة لكنها كانت تجد عقبة أمامها حركة أحرار الشام إحدى أكبر التجمعات السلفية، وبعد معارك عنيفة بين هيئة تحرير الشام (والتي تُشكّل النصرة ركيزتها ) من طرف، وحركة أحرار الشام الإسلامية من طرف مقابل، باتت تحرير الشام القوة الإرهابية الوحيدة المسيطرة على كامل منطقة إدلب باستثناء الريف الجنوبي الذي انسحبت إليه بعض المجموعات التي ترفض هيمنة النصرة عقب اتفاق وقع بين الطرفين بإشراف تركي قطري، علاوة عن سيطرتها على كافة المعابر الحدودية مع تركيا في شمال سوريا من جانب ريف إدلب، ما أثار تخوفات من عودة تنظيم داعش بقوة ولو بتسمية مختلفة، بعد أن تمكن التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية من القضاء عليها في أكثر من منطقة خاصة في مدينة الرقة التي كانت تشكل العاصمة بالنسبة لداعش وأخواتها.

إذاً المدينة أصبحت الوجهة الأخيرة لبقايا  تنظيم داعش والمجموعات التي تبطن إيديولوجية تنظيم القاعدة الإرهابية.

وهنا السؤال المطروح هل سيستهدف التحالف الدولي هذا التجمع الكبير للمجموعات الجهادية  في إدلب؟ أم أن إدلب كانت هدفاً وغاية لحلفاء خفض التصعيد ومهندسيها، لاستخدامهم في مساوماتهم وصفقاتهم كتلك الأخيرة (عفرين مقابل الغوطة الشرقية)

بطبيعة الحال إن التطورات التي شهدتها مدينة عفرين والغوطة قد أثارت حفيظة الغرب  والولايات المتحدة الأمريكية التي تقود التحالف الدولي الموجه ضد الإرهاب، وكلاً منها بزاوية مختلفة خاصة وإن العديد من المجموعات الإسلامية المتطرفة قد تجمعت بشكلٍ أو بآخر في إدلب وبالتالي شكلت هذه المنطقة المفتوحة على تركيا وعلى كافة الأصعدة قاعدة رئيسية  للتنقل ولعبور آلاف الجهاديين من وإلى تركيا وإلى البلدان الأوروبية، ولاسيما إن تلك المنطقة برمتها أصبحت تحت سيطرة أكبر فصيلين مرتبطين بتنظيم القاعدة هما “هيئة تحرير الشام” النصرة، وحركة أحرار الشام بالرغم من المعارك التي حدثت بين الطرفين وسيطرة  وتزعم النصرة للمشهد في تلك المنطقة.

ولربما ما قاله المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا مايكل راتني قبل فترة مضت، مؤشراً على موقف بلاده المتشدد من هيئة تحرير الشام  وما يحدث في إدلب قائلاً، بأنهم “المسؤولون عن العواقب الوخيمة التي ستحل بإدلب”، وأن واشنطن ستتعامل مع أي “واجهة يتم إنشاؤها للتغطية على جبهة النصرة ملحقاً لمنظمة إرهابية”، وحذر في نهاية قوله: إنه من الصعب على بلاده إقناع الأطراف الدولية “بعدم اتخاذ الإجراءات العسكرية المطلوبة”.

المؤشر الأبرز فيما يتعلق بمصير إدلب وانفراد حلف أنقرة بمستقبل تلك المنطقة أي غربي الفرات عموماً.

كانت الضربة الثلاثية التي وجهتها كلٍ من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة في 14نيسان / أبريل الجاري على خلفية وحجة استخدام السلاح الكيمياوي في دوما، وبعد التحذير والتنبيه الأمريكي قبل تنفيذ الضربة؛  بالطبع الرسالة من الضربة كانت موجهة إلى مهندسي خفض التصعيد.

تركيا التي تملك اليد الطولى إلى جانب قطر في تلك المنطقة حاولت أن تتدخل لفض القتال بين النصرة وأحرار الشام لكنها وكما يبدو لم تحقق ما كانت ترنوا إليه بدمج النصرة وأحرار الشام ضمن المجموعات الإرهابية التي جمعتها تحت مظلتها في جرابلس والباب “درع الفرات”  وبالتالي إلحاق إدلب بمنطقة نفوذها، وبالرغم من أن تركيا قد أقامت 9 نقاط مراقبة في منطقة إدلب لكنها لم تستطع فرض نفوذها على داخل مدينة إدلب، وذلك لتعدد الجهات الداعمة للمجموعات المتواجدة فيها بما فيها جبهة النصرة، بيَد إن الفصيلين الارهابيين لم يفضوا الخلاف والاقتال بينهم بالرغم من أنها اتسمت بطابع التهدئة والاتفاق المبدئي.

وبعد أن احتلت تركيا عفرين وهجَّرت أكثر من95% من سكانها حسب إحصائيات رسمية من مقاطعة عفرين فقد حققت غايتها من الاتفاق الثلاثي، الأمر كذلك بالنسبة لروسيا والتي أخرجت المجموعات المتطرفة والمجموعات المحاربة ضد النظام السوري من مناطق نفوذها وأبعدتهم عن سوريا المفيدة؛ والأمر بالنسبة لإيران مختلف نوعاً ما فهي لم تستفيد من هذه الاتفاقات على الأرض بقدر الاستفادة الروسية التركية.

من ناحية أخرى تعيد الأحداث الأخيرة في كلٍ من الغوطة وإدلب للأذهان ما حصل في وقت مضى في الشطر الشرقي لمدينة حلب عندما رفضت روسيا أي تهدئة بسبب تواجد مقاتلي جبهة فتح الشام فيها، والذي أدى لفرضها حصاراً بالتزامن مع بدء عمل عسكري انتهج فيه النظام السوري والمجموعات المساندة له  وبغطاء روسي سياسة التدمير أو ترحيل كل المجموعات وعوائلهم، لكن ما هي الوجهة الجديدة لتلك المجموعات؟!.

تشير بعض التقارير والوثائق بأن النظام التركي يعمل على تهيئة استقبال هؤلاء في جرابلس والباب واعزاز وعفرين وقد استوطن البعض من مهجري الغوطة في مقاطعة عفرين في إطار عملية تغيير ديمغرافي تودها تركيا وروسيا وإيران في المنطقة الخاضعة لسيطرتهم.

السؤال الوحيد ربما والمتعلق بمصير إدلب هل سينجي هذا المشهد المركب المدينة من قصف التحالف الدولي ضد الإرهاب في وقتٍ يتصدر كبرى المجموعات الإرهابية المشهد في إدلب ساعية لتشكيل إمارة على غرار إمارات داعش في العراق وسوريا في وقتٍ مضى؛ أم إنها ستواجه مصيراً مشابهاً لمصير الغوطة والتي كانت كإدلب مشمولة ضمن مناطق خفض التوتر الروسية التركية الإيرانية، خاصة وإن لروسيا وتركيا تجربة مماثلة في حلب؛ لكن وماذا عن مئات الآلاف المهجرة من المدنيين العالقين على الحدود التركية في داخل منطقة إدلب؟

إعداد: دلبرين فارس 

زر الذهاب إلى الأعلى