مقالات

هل من مفاوضات “مباشرة” بين الإدارة الذاتية والنظام السوري؟

نور الدين عمر- كاتب ومحلل سياسي

الأخبار المتداولة مؤخراً عن اتفاقية نتجت عن مفاوضات مع النظام السوري عارية تماماً عن الصحة. لم تُجرَ حتى الآن أي مفاوضات مع النظام، هذه الأخبار المفبركة تدخل في إطار الحرب النفسية الخاصة للتقليل من حجم الإدارة وضرب معنويات الشعب في روج آفا وشمال سوريا ومحاولة لإضعاف موقف الإدارة في المفاوضات المستقبلية.

قالها آلدار خليل رئيس المشترك لحركة المجتمع الديمقراطي وكررها العشرات من المسؤولين في الإدارة الذاتية في شمال سوريا، والكل أكد على استعداد الإدارة للتفاوض، مع تأكيد على عدم حدوث أي نوع من المفاوضات المباشرة مع وفد النظام السوري.

مع ذلك لم تتوقف الآلة الإعلامية المعادية لهذه الإدارة عن نشر تفصيلات جديدة عن المفاوضات بين الإدارة الذاتية و النظام السوري، وكان من المثير هو جعل إزالة صور الرموز واللافتات والأعلام في أولوية شروط النظام للإدارة الذاتية، وكأنه لا همّ للنظام السوري اتجاه الإدارة الذاتية سوى هذه الصور والأعلام واللافتات المنتشرة في شوارع المدن التي تقع ضمن سيطرة الإدارة الذاتية.

في مقابلة تلفزيونية مع قناة روجافا، ذكر عبد الكريم ساروخان رئيس المجلس التنفيذي لإقليم الجزيرة بضع ملاحظات حول حقيقة إزالة الصور والأعلام واللوحات الإعلانية من الشوارع والساحات والأماكن العامة.

و قال ساروخان: “إن انتشار الصور والأعلام بطريقة عشوائية يؤثر سلبا و يسيء حتى للشهداء والقادة والرموز، وأصبح الوضع غير مقبولا، فكل عائلة تريد تعليق صور أبناءها الشهداء. وأصلا الأعلام يجب أن تكون فوق الدوائر والهيئات المختصة وليست منتشرة في كل الشوارع، وقد انتشرت في كل الشوارع والأزقة والأماكن صور وأعلام بغير تنظيم، ولذلك يستوجب وضع حد لهذه الظاهرة.”

و أضاف رئيس مجلس التنفيذي لإقليم الجزيرة؛ “في البداية ربما كانت لدينا رغبة وحاجة نتيجة سنوات الحرمان والمنع   إلى التعبير وتعليق الصور والأعلام، لكن بعد الآن و بعد كل هذه الخطوات التي أنجزناها كإدارة ذاتية لا بد من تنظيم ظاهرة تعليق الصور والأعلام، وتحديد أماكن خاصة لها ومنع تعليقها بشكل كيفي غير منظم.” مؤكدا “أن الأمر لا علاقة له بأية مفاوضات، ولم يطلب منهم ذلك أحد، و هو قرار هيئات الادارة الذاتية، ومرتبط بالحاجة إلى تنظيم هذه الظاهرة للحفاظ على صور شهداءنا ورموزنا و تحديد الأماكن المخصصة لهم.”

ومن ناحيته قال الناطق الرسمي باسم مركز العلاقات الدبلوماسية في حركة المجتمع الديمقراطي كمال عاكف: ” نؤكد إنه حتى الآن لا توجد أية خطوات جدية من قبل النظام، وكمبدأ نحن جاهزون للحوار الذي يؤدي إلى الحل في سوريا، ولكن لا توجد حتى الآن أية مفاوضات تمت ولم نجد أية خطوات عملية في هذا الموضوع”.

و بشأن الورقة التي ضمت “بنود اتفاقية” التي نشرها جريدة الوطن، وصفها آلدار خليل بـ “المضحكة جداً” و قال: “على شعبنا أن يعلم جيداً أننا حركة الشهداء التي لا تٌخفي أي شيء عن الشعب. في اليوم الذي تبدأ فيه المفاوضات سنقول ذلك بشكل علني فهو أمر عادي لا يدعو للخجل”.

من كل ذلك يمكن توضيح بعض النقاط و الملاحظات التي نرى من المفيد التطرق لها:

أولا: الحل المنطقي للأزمة السورية هو الحل السياسي الذي يراعي مصالح كل المكونات، فالحلول العسكري لم تنتج سوى الدمار حتى الآن، وإن استطاع النظام فرض السيطرة العسكرية على مجمل المناطق الخارجة عن سيطرته بمساعدة حلفاءه من الروس و الإيرانيين، فهو لن يكون سوى نصرا مؤقتا وهشا، سينهار في أية  لحظة كما انهار العديد من الأنظمة التي اعتمدت على حلفاء خارجيين لتثبيت سلطتها الاستبدادية. الحل هو في التفاوض و الحوار بين القوى والمكونات السورية التي تؤمن بالديمقراطية والتعددية والحقوق، ومن يرفض الحوار أو يحاول استغلاله سيكون هو الخاسر الأكبر في النهاية حتى وإن كان يملك القوة حاليا.

ثانيا: أنا على قناعة إنه لا توجد ـ على الأقل حتى هذه اللحظة ـ أية مفاوضات بين الادارة الذاتية والحكومة السورية، وكل ما قيل ونشر حول المفاوضات وبنود التفاوض هي مجرد دعاية لتحقيق غايات سياسية معينة، فبمجرد بدء الإدارة الذاتية بتطبيق قرار هيئاتها المختصة بإزالة العشوائية في تعليق الصور والأعلام والإعلانات الطرقية ظهرت هذه الأنباء، وصدقها البعض وكأنها فعلا شروط فرضها النظام السوري على الإدارة الذاتية.

ثالثا: لا توجد حتى الآن إرادة حقيقية لدى النظام من أجل البدء بحوار جدي مع الإدارة الذاتية، وهو يلجأ إلى أسلوب المماطلة، وكذلك إلى إطلاق بعض التصريحات بين الحين والأخر لإشغال الرأي العام بحدث وهمي لا أساس له، ولم يقدم حتى الآن أية رؤية حقيقية للحل السياسي، وهو يعلنها صراحة أنه يريد إعادة الأمور إلى ما قبل 2011.

رابعا: لو استطاعت الإدارة الذاتية من خلال المفاوضات الحصول على اعتراف رسمي من النظام بها والتعامل معها على هذا الأساس، فإنها ستحقق إنجازا مهما، وبداية من أجل تغيرات مهمة في شمال سورية من ناحية الأمن والاستقرار وإعادة البناء. فالاعتراف بالإدارة الذاتية تعني الاعتراف بحل القضية الكردية وقضية كل الأقليات والمكونات، وهذه لن تكون عاملا لإضعاف سوريا كما يدعي البعض، بل العكس سيكون عامل قوة، فسوريا الديمقراطية والتعددية ستكون أعظم وأقوى وأهم من سوريا الدكتاتورية و المركزية.

خامسا: لو وجدت الإرادة الحقيقية لحوار والتفاوض فإنها لن تكون سهلة ولكنها أيضا لن تكون مستحيلة، فالحلول المنطقية والعقلية يمكن التوصل إليها شريطة وجود إرادة حقيقة لدى الأطراف وعدم تدخل القوى الخارجية، وستكون نتيجتها في حال حصول اتفاق؛ تأسيس دولة قوية موحدة ومؤثرة، أما الإصرار على الحلول العسكرية فهي ستبقي على سورية ضعيفة ومنقسمة ومتفككة، وستزداد التدخلات الخارجية فيها أكثر، وقد تؤدي في أية لحظة إلى انهيارها تماما.

سادسا: نحن مع إزالة الصور والأعلام من الشوارع والساحات والميادين العامة، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح وإن تأخرت بعض الوقت، ونامل أن تكون فعلا خطوة جدية تقضي على العشوائية والفوضى في كل المدن والساحات، والأهم هو أخذ التدابير من أجل منع عودة هذه الظاهرة مرة أخرى، فللصور و الأعلام الحزبية والوطنية أماكنها الخاصة، ولا يجوز تعليقها في كل مكان، لأنها بهذه العشوائية من ناحية تسيء إلى الرموز والأعلام نفسها، ومن ناحية أخرى لا تشكل منظرا حضاريا للمدن و البلدات.

في النهاية؛ الأزمة  السورية و مع كل هذه التدخلات الخارجية على الأغلب ستدخل مراحل جديدة أخرى من الصراعات، ويبدو أن الحلول السياسية ما تزال تشكل أمرا ثانويا للأطراف المتصارعة، وكأن البعض من هذه القوى ما تزال بحاجة الى رؤية المزيد من الدماء السورية وهي تنزف، وإلى رؤية المزيد من القتل والتدمير والتهجير لتقتنع أن الحل هو سياسي.

زر الذهاب إلى الأعلى