مقالات

مقاومة في عفرين واستسلام في درعا؛عودة للنظام هناك وترسيخ للإدارة الذاتية هنا

يمكن تسمية اجتماع فيينا يوم أمس بخصوص الملف النووي الإيراني باجتماع فضِّ يد أوربا التدريجي من الملف النووي الإيراني وإنْ تم تجميله بالحزمة الاقتصادية والتي لها العلاقة بمستقبل إيران الاقتصادي المُأزم؛ المتروك مأزومً. والذي جاء كإجراء متممٍ للذي اتخذته واشنطن إبّان انسحابها من اتفاق الملف النووي الإيراني الذي سميّ باتفاق الخمسة زائد واحد غداة مفاوضات “ماراتونية” من 26 آذار/مارس لغاية 2 نيسان/أبريل 2015 في مدينة لوزان السويسرية. أمّا حلقة الانسحاب هذه فإنها تندرج في مسلسل المرحلة الترامبية الذي بدأ عرضه في اليوم الثالث من تسلّمِ ترامب لرئاسة أمريكا في 23 كانون الثاني يناير 2017 حينما أنهى اتفاقية (الشراكة عبر الباسيفيك) أي الشراكة التجارية مع دول المحيط الهادئ المجاورة المحيطة للصين؛ سلوك أوباما لخنق الصين وحصارها. المسلسل لم ينتهي بانسحابه من اتفاقية المناخ العالمية. إلى انسحابه من مجلس حقوق الإنسان الدولي بتاريخ 22 حزيران يونيو المنصرم. هذا السرد بما يلحقه من حلقات لا يفيد فقط إلى ما تسميه واشنطن بإنجاز صفقة القرن في مزعم إيجاد تسوية نهائية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ إنما أيضاً إلى نتيجة مفادها المزيد من الانخراط الأمريكي في الشرق الأوسط؛ وفي سوريا بشكل خاص. وحين طرح مثل هذا غير مسموح بتاتاً أن يتم تصنيف ذلك بأنه سوق للمبررات وصناعة المسوغات المفيدة بوجود لن يكون بالقصير للولايات المتحدة الأمريكية في سوريا مع شركاء لها أوربيين مثل فرنسا وإيطاليا وبدرجة أقل بريطانيا وبعض الدول العربية كمجموعة تشكلّت في مصطلح التحالف الدولي العربي بقيادة أمريكا ضد الإرهاب. على الأقل بالنسبة لقوى الإدارة الذاتية الديمقراطية في روج آفا وشمال وشرق سوريا. وأية جهة -مهما تكن ومن تكن- تحاول أن تشكك في وطنية وديمقراطية وعلمانية وتنويرية هذه القوى لتجد نفسها بشكل أو بآخر قابعة إما في حضن دولة إقليمية محتلة لمناطق من شمالي سوريا مثل تركيا أو بالمُشَغِّلة لأجندة دولة أخرى أو لصالح إعادة النظام الاستبدادي في صيغته المركزية. كما أنه من المهم أن يفهم هنا ومن ناحية الميداني في أن بقاء موسكو في سوريا (المفيدة) لن يقابله انسحاب واشنطن من (شرقي الفرات). على العكس تماماً يمكن الخلاص هنا بأن إرث أوباما المتبقي متعلق بإبقاء التنسيق عالياً ما بين واشنطن وموسكو؛ بخاصة في الوضع السوري. كما أن الإرهاب الذي يهدد العالم بأسره لم يستأصل بعد؛ وإن يبدو في شكل الإنهاء. على الرغم من نهاية داعش والنصرة وغيرهما المرتبطة بهما في سوريا تكون فقط من خلال جزِّه من عقولنا كسوريين واقتلاعها تكون فقط عن طريق الأيدي السورية؛ من الكارثة أن ننتظر من غيرنا أن يقلع مثل هذا الشوك الأسود، فغيرنا وإن أخرج هذا الشوك وضعه في جانب آخر أو في خاصرة رخوة أخرى من سوريا. كما أن إبقاء صيغة النظام المركزي الشمولي في سوريا وفي غير سوريا مهمة وطنية تقع على عاتق الديمقراطيين العلمانيين بالدرجة الأولى؛ وإلّا فإنه ليست أمريكا وحدها من تبقى لا بل روسيا وإيران وتركيا والعالم كله؛ كما في وضعنا اليوم وفي الحرب العالمية الاقتصادية الثالثة على الجغرافية السورية. كما أن نيل القضية الكردية في سوريا صفة الامتياز الوطني خطوة تاريخية تحسب للسوريين وتضاف إلى الإرث الحضاري الذي تمتاز به سوريا؛ بشرط أن تقتنع الأطراف السورية جميعها بدون استثناء على قاعدة أو مبدأ إنساني أخلاقي ديمقراطي: نترك الشعب الكردي ليقرر مصيره في كيفية الانتماء إلى سوريا. لكننا في الحقيقة ككورد وكسوريين قررنا مصيرنا في شكل الإدارة الذاتية الديمقراطية أفضل النماذج التي تحقق رباعية العيش المشترك وأخوة الشعوب ووحدة المصير وتحقيق التنمية المجتمعية.
وبالعودة إلى عنوان المقال وعلى أهمية ما تم ذكره أعلاه وارتباطه الوثيق به؛ فإن نموذج الإدارة الذاتية الديمقراطية كنموذج مدني ديمقراطي ممثل لإرادة شعوبها دون استعلاء أو تقويض لأي حق مجتمعي، وبما امتلكه هذا النموذج من ميراث فلسفي فكري أدى إليه وجسّدته (فلسفة الأمة الديمقراطية) فإن شعب عفرين قاوم الاحتلال التركي ومرتزقته قرابة الشهرين. والمقاومة مستمرة في مرحلتها الثانية ولن تهدأ حتى عودة تليق بهذه المقاومة فعودة مشهد 19 كانون الثاني يناير 2018 أي اليوم الذي سبق فيه شن العدوان التركي واحتلاله الآثم. لكن المجتمع الدولي وشعوبه يعيشون في حالة خذلان كامل من قبل أنظمتها على مختلف أصنافها إن كانت ليبرالية أو نيو ليبرالية أو ديمقراطية أو أنظمة مافياوية والأخيرة هي السائدة في أغلب بلدان العالم، لكن الهيئات العالمية التي تم تأسيسها في علاقة على استتباب الأمن والاستقرار العالميين تعيش حالة مروعة من التناقضات فحالة الفشل الكلية وهي اليوم شكلية أكثر من أن تكون فعلية عملياتية. لكنّ القوى الديمقراطية العلمانية السوريّة خسرت أثناء احتلال تركيا ومرتزقتها لعفرين قلعة من قلاع الديمقراطية وتضرر مشروعها الديمقراطية الوطني في جانب كبير منه. وبمقارنة بسيطة لحالات الأمن والاستقرار والعيش المشترك في عفرين قبل احتلالها واليوم؛ نصل بسهولة إلى نتيجة بأن سوريا كلها سقطت حينما تم احتلال تركيا لعفرين. ووقوف العالم أو تواطؤه حينما حدث الاحتلال يذكرنا بما جاوب نابليون بونابرت لأحد قادة جيشه بأن الله يقف مع من لديه العدد الأكبر من المدافع، ولن يقف مع دولتين تدينان بالدين والمذهب نفسه. في عفرين لم يقف الجميع مع طائرات تركيا وآلتها الحربية فقط إنما مع كل الدمار الذي خلفتّه ولم تزل. ومن أجل ذلك ومن أجل مستقبل الحل الديمقراطي السوري فإن تحرير عفرين قادم بشكل يليق بهذه المقاومة التاريخية. ومن تحرير عفرين تبدأ مسلسل التحريرات الأخرى؛ لتنجز المهمة الوطنية في تحرير إدلب. لا نتحدث عن هذه (بالجملة) واحتمالية حدوثها العام الحالي إنما قد يتصل بعام آخر وأكثر. هي مسألة تتبع بدورها للحل السوري.
حين يلتقط شعب درعا أنفاسه فتكون أول الأسئلة التي يسألها لنفسه. ما الذي كانت تفعله جبهة النصرة في درعا؟ ومن وراء تشكيل ما يسمى بجيش خالد المبايع لتنظيم داعش الإرهابي؟ وما علاقة الثورة أو الحراك الثوري السوري وفي درعا بأسد السنة؟ وببقية الفصائل التي تشكلت وادعت المعارضة للنظام؟ لا بل ما علاقة شعب درعا بأغلبية مطلقة سمّت نفسها بالمعارضة السورية وتلصصت بلصوصية على هذا الشعب؟ ليجدوا أنفسهم بقناعة تم تأكيدها عشرات المرات تاريخياً في سوريا والعالم كله بأن حتى نقول بالثورة لا بد من فلسفة ونظرية ثورية. وأن خصوصية سوريا بالذات لا تقبل سوى أفكار شعب سوريا ورؤى التغيير الديمقراطي المتوائمة مع سوريا بكل شعوبها وثقافاتها. لتقول ونقول سويّاً أنها مقاومة في عفرين. وما حدث رغم المجانبة الاعلامية وتحويرات الآلة الاعلامية بأنه ليس بالاتفاق ما بين ما يسمى بفصائل المعارضة من جهة والنظام وروسيا من جهة أخرى إنما بالاستسلام. لكن درعا باقية وعفرين تبقى، وحتى تبقى سوريا يلزم نظام سياسي ديمقراطي حينها نقول حان أوان الحل.

زر الذهاب إلى الأعلى