ثقافة

ميديا ……زهرة النوروز

وضع مظلوم  يده على جبينه بعد أن أغلق سماعة الهاتف. أحس بأنه سيغشى عليه من هول ما سمع من أخبار , فقد كانت زوجة أخيه جوان تبكي وتقول له: لقد ألقوا القبض على أخيك جوان ويقولون إنهم يمهلوننا مدة 24 ساعة لكي تسلم نفسك وإلا سوف يعدموه.

 خطا بسرعة نحو أقرب دكان لكي يشتري بطاقة للهاتف ويتكلم مع الرقم الذي أعطته له زوجة أخيه.

تردد قليلاً قبل طلب الرقم، فقد كان الاسم الذي سيطلبه مخيفاً حتى قبل الدخول في الموضوع , إنهم ببساطة الاستخبارات.  أمسك سماعة الهاتف لعدة ثوان وقلبه ينبض بشدة خوفاً على أخيه الذي لم يرتكب جرماً. رن الهاتف لعدة ثوان وجاء الصوت من الطرف الآخر:

العقيد: ألو نعم.

مظلوم: ألو ( صمت قليلا ) أنا مظلوم.

العقيد: من مظلوم.

مظلوم: مظلوم من القامشلي. لقد اعتقلتم أخي جوان. هل يمكنني معرفة السبب.

العقيد: نعم …..نعم  … مظلوم .. هل يتوجب علينا اعتقال كامل أفراد العائلة لنحظى بشرف مقابلتك.

مظلوم: أنا في الشام. ابنتي في المشفى ويتوجب عليَ علاجها. اتركوا أخي جوان وأنا سآتي إليكم بنفسي. فأنا لم أفعل شيئا. . . . .

العقيد: لا تكمل فقد تعودت أمثالك. معك 24 ساعة لأراك أمامي في الفرع. وإلا سوف أزيد العيار قليلا. تعال إلى القامشلي فوراً أو قم بتسليم نفسك لأقرب نقطة للشرطة العسكرية. مع إني أنصحك بالمجيء عندي فهو أسلم لك فقد أستطيع مساعدتك إذا اتفقنا.

مظلوم: ابنتي في المشفى وتحتاج إلى عملية عاجلة.

العقيد: اختر ما بين أخيك وابنتك فالمعادلة واضحة جداً يا أستاذ وأنت تعلم جيداً معنى المعادلة , فأنت بارع جداً في حل هذه الأشياء. ( يغلق سماعة الهاتف )

يتسمر مظلوم في مكانه غير مدرك ما حصل ولا ما سيفعل , فالأمر صعب جدا عليه، فإما أن يقتل أخوه وتؤذى العائلة بأكملها فردا فردا أو أن تؤجل العملية الجراحية الخاصة بابنته إلى وقت لاحق، وهو الأمر الذي سيجعل العملية دون فائدة إذا ما تأجلت.

مشى مظلوم متثاقلاً تجاه المشفى الذي لم يكن يبعد سوى بضع أمتار. أحس بأن هموم العالم كلها ملقاة فوق كاهله , فقد تخيل جوان وهو يعذب على يد قلوبٍ ماتت فيها الرحمة والإنسانية.

تذكر مظلوم آخر مرة وزّع فيها الصحف والمنشورات التي كانت تدعو إلى حرية الشعب الكردي والمطالبة بالحقوق الثقافية وحقوق المواطنة.

كان هذا في ظهيرة يوم الجمعة التي سبقت النوروز. حيث تم كل شيء حسب المخطط له، غير أن مظلوم استفقد أحد زملائه الذي كان يدعى ولات. حيث ظن مظلوم في ذلك اليوم إن ذلك الشاب كان مشغولاً بالتحضير للخروج إلى النوروز لذلك تخلف عن الاجتماع. وبسبب طبيعة مظلوم التي كانت تحبذ حسن الظن فقد توجه دون اكتراث بتقصي ما جرى إلى السوق ليكمل شراء لوازم العيد. اقترب مظلوم من منزله ليجد ميديا جالسة على عتبة الباب تنتظره بلهفة , وما إن شاهدته حتى طارت إليه كفراشة تحتضنه وتساعده في حمل بعض الحاجيات التي ابتاعها لأجل العيد. بدأت ميديا تتحدث مع والدها على عجل كعادتها : الجو سيكون جميلا غداً يا أبي … هل سنذهب مع بيت عمي جوان.

رد عليها مظلوم مبتسماً: نعم يا بنيتي سنذهب مع بيت عمك جوان غداً إلى النوروز  … وسوف نستيقظ باكراً لنصل قبل الجميع لكي ننصب خيمتنا في مكان عالٍ وجميل. هل حفظتي الأشعار التي أعطيتك إياها يا صغيرتي ؟……..

حقي رشيد

زر الذهاب إلى الأعلى