مقالات

مقاربتان عقليتان لحل الأزمة في سوريا ..!

إحدى أبرز إشكاليات حل الأزمة السورية التي طالت أمدها ولربما ستمد لفترة أطول وفق المعطيات الراهنة. تكمن في العقلية الإقصائية الشوفينية لطرفين اثنين يمثلان فئة معينة من السوريين ولكل منهما مشروع خاص بهما، أحدهما مشروع “إخوان المسلمين” وهو مشروع قوموي اسلاموي متطرف ومرتهن لمشروع عالمي يتزعمه أردوغان ويهدف إلى إقامة كيان إرهابي له امتداد وبعد تاريخي سلطوي، كما أنه مشروع قديم مستحدث فشل تاريخياً، وهو الآن في مرحلة فشلٍ جديدة بعد أن وصل إلى حالة من الانسداد التام كنتيجة طبيعية لما يحمله من أفكارٍ عدوانية متطرفة.

بهذه الذهنية التي لم تمكنه من التطور وإدراك الواقع نتيجة عجزه المزمن عن إجراء تغيير في بنيته الإيديولوجية والثقافية الموروثة منذ عشرات السنين فشل في صعوده نحو السلطة وفقد مصداقيته حتى بين المناصرين له كونه لا يتناسب مع طبيعة المجتمعات سواء في سوريا أو في المناطق الأخرى التي استهدفها المشروع وهو الآن في مرحلة الانزواء والتقهقر لذا نشاهده ينازع بشتى الوسائل الإرهابية في سبيل البقاء على قيد الحياة في إتمام رسالته الإرهابية القائمة على التدمير وجز الاعناق.

أما أصحاب المشروع الثاني والذي يتزعمه حزب البعث بذهنيته القومية الشوفينية السلطوية فهم لا يختلفون كثيراً عن جماعة الإخوان من ناحية التطرف القومي والتزمت الفكري يؤمنون بمقولة واحدة “إما أنا أو لا أحد” منطلقين من ذهنية أنهم أعلى شأناً ومرتبة عن غيرهم أي من هم ليسوا في محور السلطة. إن هذا القصور الاستدلالي حول التنوع الفكري والتعدد الثقافي للكثير من الأحزاب والتنظيمات التي بقيت منحسرة ومتقوقعة على حالها منذ تأسيسها وحتى وقتنا الراهن وهي لن تتخلى عنها كونها تجد فيها الوجود فهم موجودون عندما لا يكون للأخرين أية وجود حسي او مادي.

 لذا فأن الصراعات القائمة والحروب التي تشهدها سوريا هي بالأساس حروب قائمة على ثقافة الكراهية، حروب قائمة على افناء الآخر، لذا فأن مؤججي هذه الحروب لم يدركوا بعد منظومة القيم الإنسانية التي شُكّلت على أساس احترام وتقدير الاختلاف والتنوع الإنساني، حتى على أصغر بقعة جغرافية من على كوكب الأرض الذي يستوعب جميع البشر.

حقيقة إن إسقاط الجدران الجغرافية والدينية والعرقية، مهمة صعبة في عالم يحكمه أمثال هؤلاء، لذا نراهم يحاربون بشتى الوسائل، الهوية الوطنية والتي باتت تعلى على الهوية الدينية والمذهبية والقومية في البلدان والمناطق التي أدرك سكانها وبعد صراعات مريرة مدى التأثير السلبي والمعاناة التي عاشوها من تحت سطوة اصحاب هذه التوجهات.

علاقة الفكر الهوياتي المتطرف بالديمقراطية والتنوع مركبة وشائكة وغالباً تبدو استعلائية تكشف عمق الجهل والتخلف، حيث تسود أفكار قائمة على التفضيل العرقي والديني واللغوي وبأن “الله” خصهم عن غيره بصفات وامتيازات دون سواهم، أي خلقهم أسياد وبقية العالم عبيد وهم في نظرياتهم يستندون على نظريات أناركية طورانية نازية شوفينية، ونرى اصحاب هذه النظريات يتكاثرون وينشطون في بيئات يسيطر عليها موروثٌ ثقافي منغلق والذي يعكس بطبيعة الحال طبيعة تلك البيئات الاجتماعية من ناحية الحالة السياسية والاقتصادية.

هذه الحالة التي وصلت إليها سوريا هي كنتيجة طبيعية للنظام السياسي الحاكم الذي فرض حالة من حالات التطرف الفكري القومي والديني والمذهبي على البلاد وحال دون نهوض القوى التي تؤمن بالهوية الوطنية وبالانتماء للوطن قبل الانتماء للقومية أو للدين أو للمذهب، وهنا نشير بأن أصحاب هذه النظرية أي أصحاب الهوية الوطنية لم يكونوا في تعارض أو ضد الهويات الأخرى أو نفيها إنما كانوا أكثر الناس احتراماَ للهوية القومية والدينية والمذهبية.

وبدون شك فان أصحاب المذهب الاقصائي اللا منتمين للهوية الوطنية اختاروا الاقصاء سلوكاً لهم في محاربة الأخرين في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في أدنى سوياتهم الفكرية أما الإبادة فقد كانت أداتهم الأخيرة في إثبات وجودهم وتأكيد هيمنتهم.

وهنا لابد من أن نطلع على مفهوم الاقصاء من باب ما حدث ويحدث على الأرض السورية لنجد بأنها منظومة من الأفكار والسلوكيات تم تصميمها لتخدم مصالح فئة أو مجموعة أو حتى أشخاص بحد ذاتهم، تعمل على نفي الأخر وافنائه في أعلى المستويات، وكما يقول أحد الباحثين “إن العقل الاقصائي عامل طارد لكافة الجهود الجمعية، عقل ينفي حق الآخرين في الوجود، وحق الأفكار في أن يتم نقدها، وحق الممارسات في أن تخطئ أو تصيب، ولهذا فإن الاقصاء هو الشريان الخفي الذي يغذي كافة الأفكار المتطرفة والأعمال العنيفة، وبهذا يكون التشدد والتعصب هما انعكاس للأفكار الاقصائية التي تبررهما. العقل الاقصائي يمكن أن يكون عقلاً دينياً أو سياسياً أو عرقياً”. وفي الحالة السورية ظهرت بشكلٍ جلي وواضح خلال الفترة السابقة وتصاعدت الأزمة لنشهد أعنف المجازر والحروب البينية التي لم تكن تخلي من أيادٍ خارجية تنتهج الفكر ذاته، حيث خضع العقل والفكر في سوريا وفي عموم المنطقة لهيمنة نمط محدد وحيد، كان ولا يزال الخروج عنه بمثابة خروج عن الجماعة يستوجب العقاب لإعادة الطاعة، لذلك فقد كان  أحادية الفكر والايدلوجيا والثقافة والدين والقومية هي السائدة.

لا شك بأن هذه الثقافة هي السبب الرئيسي خلف الأزمة الراهنة وما يجري على الأرض السورية، وهي ركيزة من ركائز حالة الانسداد التام فيما يتعلق بحل الأزمة.

ومن هنا لا يمكن الحديث عن أي مقاربات للحل طالما العقلية الاقصائية هي السائدة وهي المعترف بها دولياً كونها تخدم مشاريع قوى الهيمنة والتسلط. ببساطة أن التعددية الفكرية والتنوع الثقافي صفات غائبة في كل من مقاربة النظام القومي والمعارضة الدينية لحل الأزمة، حتى هذه اللحظة وبدون شك ترجع جذور هذا الفكر إلى النظام الشمولي، حيث التعددية الفكرية والسياسية والثقافية تشكل خطراً تهدد الكيان السلطوي الحاكم.

زر الذهاب إلى الأعلى