مقالات

عن ادعاءاتِ اردوغان حولَ العلاقةِ مع حزبِ العمال

آلدار خليل

في خِضمِّ الحربِ ضدَّ الدولةِ الإسلاميةِ (داعش)، يقومُ الرئيسُ التركيُّ رجب طيب اردوغان بقصفِ قُرانا وقواتِنا بناءً على ادعاءٍ كاذبٍ تماماً.

في الشهرِ الماضي، قامَ الرئيسُ التركيُّ اردوغان بقصفِ قرانا في شمالِ سوريا. وأدتْ الغاراتُ إلى استشهادِ بعضٍ من ثائرينا، وإلى تصعيدِ الصراعِ بينَ تركيا وبيننا دونَ أيِّ داعٍ لذلك. حدثَ ذلكَ في وقتٍ نشاركُ فيهِ في معركةٍ تاريخيةٍ إلى جانبِ قواتِ التحالفِ الدوليِّ بقيادةِ الولاياتِ المتحدةِ لاستعادةِ الرقةِ، وإنهاءِ حكمِ إرهابِ الدولةِ الإسلاميةِ (داعش).

أنا عضوٌ في حركةِ المجتمعِ ديمقراطيِّ، وهيَّ منظمةٌ جامعةٌ مكونةٌ من ستةِ أحزابٍ سياسيةٍ ومؤسساتِ المجتمعِ المدنيّ، بما في ذلكَ حزبُ الاتحادِ الديمقراطيّ، الحزبُ الكرديُّ الرئيسيُّ في شمالِ سوريا. المميِّزةُ بوجودِ حزبِ الاتحادِ الديمقراطي، فضلاً عن وحداتِ حمايةِ الشعبِ ووحداتِ حمايةِ المرأة. ونهدفُ من خلالِ هذهِ الحركةِ إلى بناءِ مجتمعٍ آمنٍ وديمقراطيٍّ وأخلاقيّ يعيشُ فيهِ العربُ والكُردُ والسريان – معَ المسلمينَ والمسيحيينَ والإيزيديين – جنباً إلى جنب باستقرار، وحيثُ تعاملُ المرأةُ على قدمِ المساواةِ مع الرجل.

استخدمَ اردوغان في تبريرِ هذا الهجومِ الشنيعِ على شمالِ سوريا، زعمهُ الذي يكررهُ بشكلٍ مستمرٍ قائلاً:” بأنَّ حزبَ الاتحادِ الديمقراطيِّ والكُرد في سوريا هُمْ نفسُ حزبِ العمالِ الكردستانيّ”، أي تناولهِ لزعمِ الإرهاب.

وكررَ اردوغان هذا الادعاءَ مؤخراً قائلاً:” إنه حزين جداً للقطاتِ التليفزيونيةِ التي تظهرُ القواتَ العسكريةَ الامريكيةَ جنباً إلى جنبِ علمِ وحداتِ حمايةِ الشعبِ والمرأةِ مع ما يعتبرهُ شارةً إرهابية. وفي 3 مايو / أيار، ذهبَ أحدُ كبارِ مستشاريهِ إلى أبعدِ من ذلكَ: واقترحَ أنَّ القواتَ العسكريةَ الأمريكية، لأنها تعملُ جنباً إلى جنب مع قواتنا؛ “وحدات حماية الشعب والمرأة”، وتقومُ بدورياتٍ على الحدودِ السوريةِ التركية، يمكنُ أن تكونَ هدفاً أيضاً من قبلِ الجيشِ التركيّ. هذهِ التصريحاتُ لافتةٌ للنظر، حيثُ أنَّ دولةً عضوٌ في الناتو تتهمُ حليفتها الأمريكية بالعملِ مع الإرهابيين، ونتيجةً لذلك، تهددُ الجنودَ الأمريكيين.

بغضِ النظرِ عن الظروفِ السياسيةِ وانعكاساتِ الاتهامات. من المهمِ أن نقومَ بتوضيحِ الأمور. نحنُ لسنا حزبَ العمالِ الكردستانيّ، بغضِّ النظرِ عن مدى رغبةِ أردوغان في ذلك، وليسَ من الصعبِ تفسيرُ ذلك.

الأحزابُ الكرديةُ الحديثةُ تتبعُ في فلسفاتها السياسيةِ إلى واحدٍ من أثنينِ من الشخصيات: مصطفى برزاني وعبد الله أوجالان. التمييزُ الأساسيُّ بينَ الأثنين هو أنهُ وفي حينِ دعا البرزاني والدُ الرئيسِ الحالي لإقليم كردستانَ العراق مسعود بارزاني إلى بناءِ دولةٍ كرديةٍ قوميةٍ تقومُ على الحكمِ الأقلويِّ الارستقراطيّ، فإن أوجالان دعا إلى الدولةِ الاشتراكيةِ حيثُ أنَّ الجميعَ متساوون. مع مرورِ الوقتِ، طوَّرَ أوجالان أفكارهُ من الاشتراكيةِ إلى الفيدرالية، معتبراً أن الديمقراطيةَ حيثُ السلطةُ اللامركزيةُ هي أفضلُ وسيلةٍ لحمايةِ الحرياتِ الفرديةِ والجماعية.

ويمكنُ رؤيةُ تأثيراتِ هذهِ الشخصياتِ والأفكارِ اليوم. ينبعُ الحزبُ الديمقراطيُّ الكردستانيُّ العراقيّ من مدرسةِ البارزاني للفكر، ونتيجةً لذلكَ يحكمُ حكومةَ كردستان من قبلِ القلةِ (الأقلية)، على أن تتركزَ السلطةَ والثروةَ في أيدي عائلةِ البرزاني وأصدقائه. ومن ناحيةٍ أخرى، تمتدُ مدرسةُ أوجلان الفكريةَ إلى حزبِ الاتحادِ الديمقراطيّ، حزبُ الشعوبِ الديمقراطيةِ في تركيا، وحزبِ العمالِ الكردستانيّ، فضلاً عن المجموعاتِ الأخرى في العراقِ وإيران. وقد نفذتْ كلُّ هذهِ المجموعات أفكارَ أوجالان بشكلٍ مختلف، واتباعِ أهدافٍ مختلفةٍ، لأننا نتعاملُ مع لاعبينَ جيوسياسين مختلفين.

نحنُ لا ننكرُ علاقاتنا مع جميعِ الأحزابِ الكرديةِ في الأجزاءِ الأربعةِ من كُردستان (والتي تنتشرُ عبرَ سوريا الحالية وتركيا وإيران والعراق)، كما لا ننكرُ علاقتنا بأوجالان. في الواقع، وأنا أكتبُ هذا، فخورٌ بوجودِ صورةٍ لأوجالان على مكتبي. كما إنَّ وجهاتَ نظرِ أوجالان وفلسفتهِ هي في صميمِ كيفيةِ إدارةِ فدراليةِ شمالِ سوريا، أو روج آفا. ولهذا السبب، أصبحتْ شمالَ سوريا – التي نُديرها- نموذجاً يحتذى بحقوقِ الأقلياتِ والمرأة، ويضمنُ أنَّ الحرياتَ الفرديةَ والجماعيةَ ليستْ محميةً فحسب بل تتمتعُ بالتمكين.

كما أننا لا ننكرُ أن مدرسةً حزبِ العمالِ الكردستانيِّ الفكريةِ تتبعُ إلى أوجالان. ومعَ ذلكَ، فإن تنفيذهم لتعاليمهِ يختلفُ كثيراً عنا، وظروفهم السياسيةِ كذلك. وهذهِ الفروقُ هامة، ولكن اردوغان يُصِرُّ أن يتمَ تجاهلها من قِبلِ العالم. يمكننا القولُ بأننا نتشاركُ في أساسٍ فلسفيٍّ واحدٍ دونَ أن نكونَ من نفسِ المنظمة. إنَّ وجودَ قياداتٍ مختلفةٍ، وأعضاءَ مختلفين، وإعلاننا علناً أننا مختلفون – كما نفعلُ في هذهِ المقالة، وقد فعلنا مراتٍ عديدةٍ في الماضي، ينبغي أن يكونَ مؤشراً واضحاً على نيتنا. ببساطة، لنا تنظيمنا الخاصُ بنا، ونحنُ فخورونَ بذلك.

نحنُ كَكُرد، بالطبعِ نتعاطفُ مع إخوتنا وأخواتنا في تركيا. إذْ تنقسمُ العديدُ من المدنِ على طولِ الحدودِ، قسمٌ منهم في تركيا، والقسمُ الآخرُ في شمالِ سوريا. تاريخياً، انضمَ العديدُ من الكُردِ في سوريا إلى النضالِ في تركيا واستشهدوا هناك. وبالمثلِ، جاءَ بعضُ الكردِ من تركيا والعراقَ إلى سوريا للانضمامِ إلى المقاومةِ البطوليةِ من كوباني ضدَّ الدولةِ الإسلاميةِ (داعش)، واستشهدوا في روج آفا. وقَدَّمَ حزبُ العمالِ الكردستانيٍّ مساعدتهُ لكوباني، كما فعلتْ الولايات المتحدة.

ويؤلمنا أن نرى أولئكَ الموجودونَ على الجانبِ التركيِّ من الحدودِ يعانونَ من القمعِ والخوفِ المُمارسِ من قبلِ اردوغان. ولكن هذا ليسَ كِفاحنا، وقد قُلنا علناً وسوفَ نقولُ مرةً أخرى أن أراضينا ومواردنا لن تستخدمَ من قبلِ حزبِ العمالِ الكردستانيِّ أو أيِّ مجموعاتٍ أخرى تقاتلُ تركيا. ونحنُ لا نتدخلُ في الشؤونِ الداخليةِ للبلدانِ المجاورةِ، ونتوقعُ من بلدانٍ أخرى أن تحذو حذونا.

إنَّ تقسيمَ المدنِ الكرديةِ بينَ البلدانِ هو جزءٌ من تعقيدِ منطقتنا. نعم، هذهِ الفروقُ الدقيقةُ يصعبُ على أولئكَ ومن هم خارجَ منطقتنا أنْ يفهموها، ولكنهُ أمرُ بالغُ الأهمية. وإذا أخفقَ المراقبونَ أو واضعو السياساتِ في فهمها، فإنهم سيؤدونَ إلى الاعتقادِ بأنَّ البياناتِ التي يُدلي بها اردوغان غيرُ صحيحة – مثلما يزعمُ عدمُ تميُزنا عن حزب العمال الكردستاني.

بالنسبةِ إلى اردوغان، فإنًّ حقيقةَ أنَّ الكُردَ في سوريا ليسوا حزبَ العمالِ الكردستانيِّ يمثلُ حقيقةً غيرُ ملائمة. إنهُ أمرٌ غيرُ مقبول لأنهُ يعني أنَّ الادعاءاتِ بشنِّ هجماتهِ ضدَّ شمالِ سوريا، وتصعيدهِ على طولِ حدودنا، وتهديداتِ مستشارهِ ضدَّ القواتِ الأمريكيةِ كلها خاطئة. إنهُ أمرٌ غيرُ مقبول، لأنهُ يعني أن ملايينَ الدولاراتِ التي تنفقها تركيا في الولاياتِ المتحدةِ في محاولةٍ لتحويلِ الرأيِ العامِ ضدنا، وذلكَ عن طريقِ جماعاتِ الضغطِ المدفوعةِ وشركاتها، لا تعدو كونها عمليةٌ دعائيةٌ مكلفة. ومن المؤسفِ أنهُ افلح. فقد نجحَ ضغطُ اردوغان في استبعادِ وزارةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ لنا من مفاوضاتِ جنيفَ للسلام، وقد قَيَّدَ في الماضي وزارةَ الدفاعِ من تقديمِ الدعمِ لنا، بل ومنعتْ الوكالةُ الأمريكيةُ للتنميةِ الدوليةِ ومقاوليها من تقديمِ المساعدةِ الإنمائيةِ خوفاً من فقدانِ الوصولِ إلى سوريا عبر تركيا، حيثُ توجدُ العديدُ من المنظماتِ غيرِ الحكوميةِ حالياً. وقد حدثَ الكثيرُ من ذلكَ خلالَ إدارةِ الرئيسِ باراك أوباما. ولا يسعنا إلا أن نأملَ أن يستمرَ دعمُ إدارةِ ترامب الثابت حتى الآن على الرغمِ من ادعاءاتِ تركيا المزيفة.

وأياً كانتْ الذرائعُ التي قد يسوِّفها اردوغان، فإننا في شمالِ سوريا نعلمُ أنه يقصفنا ليصرفَ انتباهَ شعبهِ عن قضايا تركيا الداخلية، بما في ذلكَ استيلاءهُ مؤخراً على السلطةِ من خلالِ استفتاءٍ شكليٍّ. ولكن ما يعنيهِ ذلكَ هو أنهُ مع استمرارِ تزايدِ المشاكلِ في تركيا، فإنَّ شهيتهُ للصراعِ في سوريا سوفَ تتصاعدُ بشكلٍ مماثل. لم تكن هذهِ هي المرةُ الأولى التي يقصفنا فيها، ولا نعتقدُ بأنها ستكونُ الأخيرة. وفي كلِّ مرةٍ يقومُ فيها بقصفنا، سيدعوننا بالإرهابيينَ ويتهموننا بأننا حزبُ العمالِ الكردستانيّ. وكلُّ ما نستطيعُ أن نأملهُ هو أن يرى العالمُ هذهِ الادعاءات، وما هيَّ عليه – أكاذيبٌ ذاتُ دوافعَ سياسية لا تهددِ سلامتنا فحسب، بل سلامةُ شركائِنا الأمريكيين.

ولن يثني اردوغان عن الاستمرارِ في خداعهِ إلا فضحُ أكاذيبه. لكن الحقيقةَ هي إننا وحزبُ العمالِ كيانانِ مختلفانِ بغضِ النظرِ عن عددِ المراتِ التي ينكرُ فيها اردوغان ذلك.

 

زر الذهاب إلى الأعلى