مقالات

عفرين جمرة تحت الرماد

قد يبدو للوهلة الأولى ونحن نتحدث عن احتلال عفرين وسقوطها، وكأننا في تاريخٍ ماضٍ، وزمانٍ قد انقضى، فنعيد تكرار الأحداث.

فالأتراك خططوا لاحتلال مدينة عفرين، والسيطرة على ترابها وشوارعها وإرثها التاريخي، وأرادوا طمس هويتها الكردية، وطرد سكانها وأهلها، وإفراغها من أصحابها، ومصادرة كل ممتلكاتهم، وحرمانهم من جميع حقوقهم. ولأنه بات يستشعر أن في عفرين مقاومة، وأنها تقف على فوهة بركانٍ، وبدأ فيها مشروع ديمقراطي يثمر وينضج، مشروع عملاق، وبما أن أسبابها قد باتت حاضرة، وظروفها أصبحت ناضجة، وجنودها حاضرين، وأدواتهم متوفرة وجاهزة، فحولوا الكلام إلى الفعل، والتنظير إلى الميدان، فبات لزاماً عليها أن تواجه ما تم زرعه في عفرين.

ضاق أبناء عفرين ذرعاً بالممارسات التركية، وغض الطرف عن تصرفاتها اللاإنسانية، ومن محاولات النهب والسرقة، وزاد من سخطهم عمليات القتل المتعمدة التي يتعرض لها المواطنون،

غَضِبَ العفرينيون لزيتونهم، فأقسموا أن يواجهوا الاحتلال، وأن يتصدوا لسياساته، وألّا يتخلوا عن الواجب المُلقى على عاتقهم، لهذا فقد أرادوا أن يثبتوا لأبناء شعبهم أولاً، ثم لجميع مكونات المنطقة والعالم، أنهم أول من يتصدى للاحتلال، وأنهم لن يتأخروا عن مقاومته، وأنهم لن يقصِّروا في القيام بواجبهم.

 بعد الاحتلال شعر الأتراك بأن الجمرة التي كانت تحت رماد العفرينيين قد اشتعلت، وأنها عما قريب ستصبح ناراً عظيمة، ستضرُّ بهم وتحرقهم، وسيكون من الصعب عليهم تطويقها أو إطفائها، أو السيطرة عليها وإخمادها، ولن يستطيعوا مواجهتها والتصدي لها، ليمنعوا انتشارها، ويحدوا من امتدادها، إذ سيكون لها نتائج خطيرة، وتداعياتٍ قاسية، تهدم أحلامهم، وتدك عروشهم،  وتهز الثقة بهم، وتُعرِّض علاقاتهم الخارجية للخطر، وتحالفاتهم السياسية للحَرَجِ، لهذا أمرت الحكومة التركية مرتزقتها وكافة المسؤولين، بضرورة أخذ كل الاحتياطات اللازمة، والتدابير الخاصة، لضمان السيطرة على المدينة المقدسة، ووقف كافة عمليات المقاومة، ومنع سكان المدينة من القيام بأيَّة أعمالٍ قد تخلُّ بالأمن العام، أو تُربِكُ الحياة العامة في المدينة، وتهدد باندلاع انتفاضة غضب.

نفذ المسؤولون الأتراك ومرتزقتهم التعليمات بسرعةٍ، فبدأت الطائرات التركية تُحلق فوق أجواء عفرين، تصوِّر وتراقب وتسجل، وتنقل الضباط والمسؤولين المكلفين بإدارة شؤون المدينة، وتنقل تفاصيل دقيقة لما يجري على الأرض إلى القيادة العسكرية التركية، ونَصَبَتْ الأجهزة الأمنية حواجزها في كل مكان، وبدأت عملياتٌ واسعة للتفتيش والتحقيق والمساءلة، وأطلق المسؤولون الأتراك أيدي الجنود والمرتزقة ومعهم المستوطنين الجدد، ليفتحوا النار على كل الأهداف التي يَرَوْنَ أنها خَطِرة أو مُرِيبة.

باتت مدينة عفرين هذه الأيام ثكنةً عسكريةً حقيقية ــ جنودٌ وضباطٌ وعساكرٌ في كل مكان وعرباتٌ مصفحةٌ وناقلاتُ جند في كل الزوايا والأنحاء، واجتماعاتٌ ولقاءاتٌ ومخططات، وحركةٌ سريعة، وجلبةٌ كبيرة، وتنقلاتٌ كثيرةــ، ولكن مع فارقٍ كبير، هو أن المقاومة في المدينة حاضرة، وأن خطوات الاحتلال فيها غير ميسرة، وأن سعيه للسيطرة عليها ليس سهلاً، وأن الثورة والمقاومة مازالت قائمة.

زر الذهاب إلى الأعلى