مقالات

عفرين بعد الاحتلال التركي

شهدت مدينة عفرين في الساعات الأولى لاقتحامها من قبل القوات التركية ومرتزقتها حالة من الفوضى العارمة والعديد من الانتهاكات والإساءات التي ارتكبتها هؤلاء المرتزقة وسُلِّطتِ الأضواء على هذه الانتهاكات مما اضطر قيادات المرتزقة إلى التعهد بتقديم هؤلاء المرتزقة للمحاكمة ومحاسبتهم؛

نجم عن هذه الانتهاكات التي مورست بحق المدنيين السوريين العفرينيين عمليات تغيير ديمغرافي ومحاولات امحاء هوية الشعب الكردي وإزالة المعالم الأثرية التي تدل على ذلك ومخاطر إنسانية جسيمة.

هذه الانتهاكات المستمرة للسيادة السورية غير مقبولة وتزيد من تعقيد المشهد السياسي باعتبارها تقوِّض جهود التسوية السياسية القائمة وتؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في سوريا، فبعد هجمات ميليشيات المعارضة البربرية المدعومة من تركيا والانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون العزل يوماً بعد يوم والاستيلاء على ممتلكات المواطنين والاعتقالات التعسفية والترهيب بحق السكان؛ يتوجب على العالم الوقوف مع سكان عفرين والتوقف عن بيع السلاح من قِبَل بعض دول الاتحاد الأوربي لهؤلاء المرتزقة والقيام بواجبها الإنساني تجاه المدنيين في عفرين؛ لذا من الضروري تشكيل جمعيات مجتمع مدني تعبر عن صوت الشعب الكردي، والتواصل مع حكومات ومجتمعات تلك الدول لإيصال قضية عفرين العادلة إليهم.

علينا إنقاذ ما يمكن إنقاذه؛ فإن بقي الوضع كما هو إلى أن تكون هناك مخرجات سياسية للأزمة السورية فإن تركيا سوف تسعى إلى تشكيل إدارة من بعض الشخصيات خليط من الجماعات الإخوانية والمجلس الوطني وسيكون هناك والياً تركياً وجندرمة تركية ومناهج تركية وجماعات كردية تنتسب إلى حزب العدالة والتنمية، فقد أسفر الهجوم التركي بعديد جيشها المؤلف أكثر من (400) ألف مقاتل من فصائل المعارضة على عفرين عن استشهاد العديد من المقاتلين الكرد الذين دافعوا عن عفرين وخاضوا معارك عنيفة ضد هذه التنظيمات الارهابية والجيش التركي واثبتوا فعاليتهم في قتال داعش والفصائل الارهابية الأخرى.

أمام هذا الهجوم التركي العنيف على عفرين طالب الكرد دمشق بالتدخل وبعد المفاوضات دخلت قوات قليلة تابعة للنظام انتشرت على جبهات متعددة على أطراف المدينة لكن سرعان ما استهدفتها الطائرات التركية  وقتلت العديد منها، وأراد الكرد من الجيش السوري التصدي للطائرات التركية إلا أن النظام السوري لم يتحمل مسؤولياته تجاه عفرين ولم يقم بما يترتب عليه باعتبار عفرين جزءً مهماً من الأرض السورية وتحمل الكرد لوحدهم مسؤولية حينها مما أسفر ذلك عن مقتل (289) مدنياً بينهم (43) طفلاً وتهجير(250) ألف شخص إلى شمال حلب.

وإلى أن يحصل توافقات سياسية ومخرجات حل ترضي كل الأطراف الإقليمية والدولية والمحلية فإن سوريا ستصبح دولة شبيهة بالنموذج العراقي، ويعود المهجرين العفرينيين  إلى مناطقهم بعد ثماني سنوات من الحرب والدمار والموت وهي تحمل جراح كبيرة ربما تحتاج لسنوات وسنوات حتى تندمل وقد يؤدي ذلك إلى حالة تفتيت البلد وانقسام نهائي أو الاستئثار بالسلطة لصالح جهة حزبوية طائفية وقوموية، ولا يمكن إنقاذ سوريا من كوارث قادمة والانتقال بالبلد لحالة وطنية يجد كل المكونات فيها مكاناً له إلا إذا تخلى النظام عن ذهنية التفرد واستطعنا الارتقاء بذهنية كافة المكونات نحو التحرر وتقبل الآخر على مبدأ الأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب، وعندها نخرج من عنق الأزمة لتحقيق مجتمع مدني حضاري.

زر الذهاب إلى الأعلى