مقالات

ضاعت سوريا بين جنيف وآستانا

محمد أرسلان

سنوات سبع نتركها وراءنا، وما زلنا نَعُدُّ الأيام والشهور كي نتخلص من الفوضى التي يعانيها الشعب السوري بكل مكوناته ومذاهبه؛ وما لاقاه من ويلات الحرب والدمار علي يد الدولة السورية ومن كانوا يسمُّونَ أنفسهم بالمعارضة المتعارضة مع ذاتها اولاً ومع النظام بنفس الوقت.

الطرفان كانا؛ وما زالا يلوحان بالعنف وعسكرة المجتمع بغية تنفيذ الأجندات الموكلة إليهما: إن كان من تركيا والرياض أو من إيران وروسيا، والشعب بين هذين الثورين المتناحرين يدفع الثمن وما زال.

جنيف المرتبطة بقرارات دولية وعرَّابها دي مستورا أوصلها إلى ثمانية جولات من المباحثات والحوارات العديمة النتيجة، سوى أنه ينفذ ما هو مطلوب منه كي يفرِّغ مطالب الشعب من جوهرها ومحاولة إقناعهم بفتات ما تبقى من كرامة. هذا من جهة.

ومن جهة أخرى هناك العرَّاب الروسي الذي أقنع طَرَفيَّ الصراع إلى الجلوس على طاولة المباحثات في آستانا والتي لم تختلف عن جنيف بشيء سوى بالاسم فقط، ولكن الجوهر هو نفسه.

وما بين جنيف 8 وآستانا 8 هناك 16 جولة من المباحثات التي كان يطبِّلُ لها الإعلام المحلي والاقليمي والدولي، والنتيجة ضَحِكٌ على الشعب، وخِداعٌ للجميع، لأن طرفي الصراع بالأصل لا يملكون أوراق اللّعِبِ؛ بل هم بيادق وأدوات بيد القوى الدولية والإقليمية التي لا تفكر إلا بمصالحها فقط.

الطَّامةُ الكُبرى هي أن الثورين المتصارعين والمتناحرين يعتقدون أنهم يمتلكون أوراق اللعب على الجغرافيا السورية وأنهم إلى الآن لا يريدون الاعتراف بغبائهم الذي هم فيه، ويتحدثون ويُصرِّحون ببيانات أكبر بكثير من حجمهم ومستواهم، ويؤمنون بأنهم أصحاب القضية بحق، ولا يعلمون أنه يتم تسييرهم عن بُعْدٍ بواسطة أجهزة التحكم التي هي بين أيدي القوى الدولية الرأسمالية الناهبة.

وآخر هذه التصريحات؛ ما أتحَفَنا به الأسد الابن في وصفه لِمَنْ حرَّر ثُلث الأراضي السورية بالخونة؛ هذه هي حقيقة الحكام في منطقتنا التي نعيشها ونعيش مع أمثال هكذا حكام أيضاً رغماً عنا.

الكل في نَظَرِهِ “خائن وعميل” إن لم يفكر مثله ويمتثل لأوامره، وأنه لم يدرك إلى الآن؛ لماذا خرجت الشعوب السورية للانتفاض ضد هذه الأفكار، ما زال النظام في سوريا يعتقد إنه هو الوحيد القادر على إدارة البلد، وأن يكون الرئيس المُلهِم حفظه الله ورعاه وأطال في عمره.

حينما يبتلي مجتمع ما بهكذا حكام ورؤساء، تكون عاقبة هذا المجتمع “وخيمة”، إذ يعمل الحكام على تمييع المجتمع وجَعْلهِ مجتمع نمطي استهلاكي؛ وظيفته فقط أن يُصفِّقَ للرئيس ويدعوا الله في إطالة عُمره.

لكنه تناسى أنه لم يتم انتخابه بالأصل، وأنه أصبح رئيساً في غفلة من الزمن؛ وتم تغيير الدستور في بُرهة كي يكون متوافقاً والرئيس الجديد. لا مشكلة أن يتم تغيير الدستور إن كان ذلك يخدم جلالته، لكن: إن طلب الشعب بكرامته وحريته أو تغيير نظام الحكم إلى فيدرالي، فهنا تخرج جوقة حريم السلطان لتتحفنا بأن الدستور لا يمكن تغييره إلا بموافقة الشعب، لكن أين كان الشعب حين تم تغيير الدستور في سويعات قليلة ليتربع رئيسه على كرسي الزعامة.

ما بين جنيفات ثمانية ,وآستانات ثمانية, وشماعة تغيير الدستور, والانتخابات, ضاعت سوريا على يد رئيس عفى عليه الزمن.

وستبقى شعوب سوريا ملتحفة بأمل النصر في بناء سوريا الديموقراطية الاتحادية على أساس أخوَّة الشعوب وليس تخوينها.

زر الذهاب إلى الأعلى