مقالات

العقلية القبلية والدولة

القبيلة كيان اجتماعي ظهرت مع ظهور الانسان حيث كانت تمثل حاجة مُلِّحَة وطبيعية للوجود البشري آنذاك؛ وما يقتضيه ذلك الوجود من متطلبات؛ أبرزها الاستمرارية.

تُعرَّفُ القبيلة على أنها جماعة من الناس تنتمي في الغالب إلى النَسَبِ الواحد؛ أو إلى جدٍ أعلى أو اسم حِلفٍ قبلي يُعتبر بمثابة جدٍ وتتكون من عدة بطون وعشائر؛ وغالباً ما يسكنون هذه الأفراد أحد السهول أو الجبال أو أحد الأقاليم يتجمعون فيه ويعدُّونهُ وطناً ولهم ثقافة مشتركة وعقلية واحدة(عصبية)؛ وتتجلى هذه العصبية القبلية في العصبية للأقارب وذوي الأرحام، وهذا النوع من العصبية يكون حتى داخل إطار القبيلة ذاتها، فعلى الرغم من أن أفراد القبيلة يربطهم نسب واحد وبطن واحد؛ إلا أن الرابط الكائن بين ذوي القُربى من أمثال أبناء العمومة والخؤولة يكون أمتن من النسب العام، وأفراد القبيلة يشعرون بالتزامهم بنصرة من يشترك معهم في القبيلة.

يقول ابن خلدون في كتابه(مقدمة ابن خلدون) في باب:” أن الأوطان الكثيرة القبائل والعصائب قلَّ أن تستحكم فيها دولة” والسبب في ذلك اختلاف الآراء والأهواء؛ وأن وراء كل رأي منها عصبية تمانع دونها؛ فيكثر الانتقاض على الدولة؛ والخروج عليها في كل وقت؛ وإن كانت ذات عصبية، لأن كل عصبية ممن تحت يدها تظنُّ في نفسها مَنَعَةٍ وقوة”. ( وأن من طبيعة المُلك الانفراد بالمجد: وذلك أن المُلك إنما هو بالعصبية والعصبية مُتألّفةٌ من عُصُباتٍ كثيرة تكون واحدة منها أقوى من الأخرى كُلَّها فتغلبها وتستولي عليها حتى تُصيِّرها جميعاً في ضمنها، وتلك العصبية الكبرى؛ إنما تكون لقوم أهل بيت رئاسةٍ فيهم، ولابد من أن يكون واحد منهم رئيساً لهم غالباً عليهم.

إن خلاصة ما توحي إلينا أقوال ابن خلدون؛ يدفعنا إلى القول: إنه لا يمكن بالذهنية القبلية المتعصبة بناء أوطان وأمجاد، لأنها إلى زوال بسبب الانفراد في السلطة والرئاسة؛ وهذا ما يعيدنا إلى النظرية أو الاطروحة التي وضعتها الادارة الذاتية في اقليم روج آفا والشمال السوري والنهج الذي تتَّبِعهُ في إدارة الاقليم وهو( أخوَّة الشعوب) والذي تتَّبِعهُ بإسلوب علمي دقيق والذي يعبِّر وبكل صدق وأمانة عن الحقائق التاريخية التي أثبتت أنه لا يمكن لأيدلوجية واحدة وذهنية واحدة وعقلية متسلطة بناء دولة أو مستقبل زاهٍ وحُرٍ مفعم بالسعادة للأجيال، لذا يجب أخذ العِبَر والدروس من التاريخ القديم والحديث؛ إذ أن الذي لا يتعلم من تجارب التاريخ لا يمكنه بناء الأوطان والحفاظ عليها من التفتت والتشظي والاندثار، فمن الضروري جداً أن يكون حامل أحلام وأمنيات وأماني الشعوب أن يكون متبحراً في دراسة التاريخ القديم والحديث ليتجنب الأخطاء أو التعصب التي تؤدي إلى انهيار الأماني والأحلام حتى نسير يداً بيد ونقرر مصير مستقبلنا؛ ونصل بشعوبنا إلى أرفع المستويات، ونحقق ما نصبو إليه.

زر الذهاب إلى الأعلى