مقالات

صورٌ وخطايا

00_14سليمان محمود

منذُ يومين, استقبلَ رجب طيّب أردوغان الطفلةَ (غولشاه يازجي) وقبلَ ذلكَ ضجّتْ وسائلُ الإعلام باستقبالهِ الطفلةَ السّوريّةَ (بانة العابد)في قصرِ الرئاسةِ.

وأنا أتأمّلُ صورَهُ, يعودُ شريطُ الذّاكرةِ بي إلى صورٍ قديمةٍ لـ (هتلر) وهو جالسٌ مع طفلٍ, وخلفَهُ أبنيةٌ مُدمَّرةٌ, إبانَ الحرب العالميّة الثّانية, وأُخرى لـ (صدّام حسين), وهو يُعانقُ طفلاً عراقيّاً, بعدَ أحداثِ حلبجة الكرديّة.

هكذا يصبحُ الأطفالُ أداةً بيدِ الطُغاةِ والسفّاحين, لتلميعِ صورِهم البشعة.

غولشاه فتاةٌ تركيّةٌ مُصابةٌ بشللٍ دماغيّ, رسمَتْ صورةَ السّلطانِ في وقتٍ سابقٍ, ونشرِتْها بحسابها على موقع التواصلِ الاجتماعيّ (تويتر), ونشرَ المركزُ الإعلامي في الرئاسةِ التركيّة تسجيلاتٍ مُصوّرةٍ تُظهِرُ استقبالَهُ للطفلة وهو يحتضنُها.

أردوعان ورّطَ بلادهُ بحرائقَ لا تنتهي, يستقبلُ فتاةً مُعاقةً وهو الذي تسبّبَ بإعاقةِ وطنِها كاملاً.

سيحتضنهُ لاحقاً أطفالُ آمدَ وأطفالُ مدينةِ البابِ ليسألوهُ بأيّ ذنْبٍ قُتِلنا؟

بأنه العابد ابنةُ السابعةِ من حيّ القاطرجي بحلب الشرقيّة, كانت تقومُ بتوثيقِ تجربتها عن الحربِ من خلالِ تغريداتٍ قصيرةٍ, نقلتْ تفاصيلَ الحربِ, وعبّرتْ فيها عن مُشاهداتِها للأهوالِ التي تعرّضتْ لها مدينتُها وهي تُدمَّرُ أمامَ عينيها, ونقلتْ مشاعرَ خوفها ورُعبها إلى العالم.

وقد نشرت الرئاسةُ التركيّةُ تغريدةً عبرَ تويتر ظهرَ فيها أردوعان والطفلةُ جالسةٌ على ركبتيهِ, حيثُ علّقَ بقوله (تركيا تقفُ دائماً إلى جانبِ الأخوةِ السوريّين).

أردوغان الدّاعمُ لأصحابِ الراياتِ السودِ, يُبيّضُ وجهَهُ مع طفلةٍ سوريّةٍ, وما يزالُ يُتاجرُ بمُعاناةِ السوريين, يريدُ تلميعَ صورتهِ النَتنةِ بعدَ أن حرقَ أطفالَ سوريا بنارِ مدفعيتهِ وطائراته.

أردوغان الذّي يرشُّ السُكّرَ على الموتِ يعلمُ أنّ الطُغاةَ والدكتاتوريين لا يمكنُ أن يكونوا مناضلينَ, فقط يُذلّونَ الشّعوبَ ويقمعونَ الحُريّاتِ, غيرَ أنّها لعبةُ الإعلامِ في صناعةِ الرأي العامّ (حسبَ الطلب), إنّها مسارحُ الصورِ التي يعرفُ أصحابُ المصالحِ كيفَ يُديرونَها جيّداً.

إنّها بروباغندا ضائعةٌ في زمنٍ يعجُّ بالمُنافقين والكلام المعسول, ولعبِ أدوار البطولةِ أمامَ الإعلام, والضحكِ على الذّقون.

أيضاً يحضُرني عُمرانُ الحلبيّ, وإيلانُ الكُرديّ, وبازارُ الأطفالِ السوريين, لِكسْبِ النّقاطِ والمُتاجرةِ بصورِ الأطفالِ التي تمّ استثمارُها بوقاحة, كون تلكَ الفترةِ شهدتْ ما يُشبهُ الرضى الأوروبي عن ألوفِ اللاجئين السوريين الذينَ يقصدونَ أراضيها.

هناكَ العديدُ من الشركات المُتخصّصة في تلميعِ صوَرِ الطُغاة, ومنها شركةُ (براون لويد جيمس), تعاقدَتْ مع النّظام السوريّ منذُ بدايةِ الثّورةِ, بناءً على نصائحَ من أستاذ تاريخ الشّرق الأوسط (ديفيد ليش) المُختصّ بسوريا, والذي قابلَ رأسَ النظامِ ونصحَهُ باستخدامِ شركةِ علاقاتٍ عامّةٍ لتحسينِ صورتهِ أمامَ الغربِ.

وقد تعاقدَ نظامُ (علي عبد الله صالح) مع شركةِ (كورفيس) الأمريكيّة, التي تعملُ لصالحِ شركة (بيل بوتنجر) البريطانيّة, تعملُ على تحسين صورتهِ في أوروبا وأمريكا، وتستأجرُ الشركةُ نصفَ دورٍ في فندقِ (تاج سبأ) وتتقاضى (2مليون دولار) شهريّاً من عائلةِ الرئيس صالح, مُقابلَ نشر مقالاتٍ في صُحفٍ عالميّةٍ, وأيضاً توظيف علاقاتها بأعضاء الكونغرس الأمريكي لمصلحةِ النّظام الذي تتعاقدُ معهُ.

إنّها تتولّى مسائلَ الدّعايةِ الإعلاميّة, وأشرفتْ على إخراجِ مقاطعَ الفيديو التي أظهرَتْ صالحَ بعدَ شهرٍ ونيفٍ من حادثةِ احتراقهِ.

وتعملُ شركةُ (كورفيس) ومقرُّها واشنطن مع عدّةِ حكوماتٍ من المنطقةِ,

السّعوديةُ دفعتْ (14 مليون دولار) لها سنويّاً في عامَ2002, لتلميعِ سُمعتها في أعقابِ هجمات11 سبتمبر عامَ2001.

فقط أردتُ القولَ للمُصفّقين لصورةِ أردوغان مع الطفولة: أيّها المنحرفون أخلاقيّاً وإعلاميّاً, ألا يكفي أنّكم خذلتُم الشّعبَ السوريَّ! لماذا تُلمّعونَ صورةَ القاتلِ, وتتستّرونَ على صورةِ القتيلِ؟

لستُ مُحلّلاً نفسيّاً لأُعيدَ الموقفَ إلى نوباتِ تأنيب الضمير التي قد تُصيبُ الطُغاةَ في صباحاتٍ مّا, ولا داعيةً إسلاميّ لتوثيقِ ندمهِ والتكفيرِ عن ذنوبٍ قد يشعرُ بها وتُثقلُ كاهلَهُ قبلَ النّومِ.

أنا أرى المشهدَ بعينِ كُرديٍّ, وفقط أقولُ لمَن يدّعي الشّرفَ ويتحدّثُ عن النّخوة:

ألا لا يجهلّنْ أحدٌ علينا …… فنجهلَ فوقَ جهلِ الجّاهلينا.

زر الذهاب إلى الأعلى