مقالات

صراع الأجندات قبيل مجيئ الإدارة الأمريكية المرتقبة

ياسر خلف

هناك الكثير من الاحداث المتسارعة التي تشهدها الساحة الدولية وهي في أحد تجلياتها انعكاس للصراعات والأزمات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وهذه الاحداث والمواقف التي خرجت من الكواليس الدولية الى النور تتطلب تقيمها وقراءتها بشكل معمق والمام تام بكافة مخرجاتها وتأثيراتها على مناطق الصراع والأزمة الموجودة في عموم الشرق الأوسط، وعدم النظر اليها بشكل مرتجل ومختزل ومنفردة عن محيطها الإقليمي والدولي وخاصة الصراع الموجود على الساحة السورية وسعي كافة الأطراف المتداخلة فيها لكسب الوقت لخلق واقع وفرض اجنداتها خدمة لمصالحها وبسط وتوسيع لنفوذها وخاصة كل من الروس وحلفاءها ايران ونظام البعث في دمشق والاحتلال التركي وادواتها ومجاميعها الإرهابية  والتي يبدو انهم متفقون فيما بينهم لمحاربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وهذا ما بدا واضحا من تصريحات الخارجية الروسية وصمتها إزاء الهجمات التركية على مناطق عين عيسى وسعيها للضغط على قوى الإدارة الذاتية لتسليمها للنظام وخلق واقع جديد على الأرض قبل ان تستلم الإدارة الأمريكية الجديدة لمهامها في العشرين من الشهر الجاري، وهذا الواقع يبدو متناغماً تماماً مع المخططات المشتركة لكل من تركيا وروسيا، وقد يكون ارسال وفد رفيع المستوى من قبل تركيا بشكل غير معلن الى دمشق خير دليل على أنهما قد أصبحا على قناعة تامة بأن الآتي لن يكون بما تشتهيه سفنهم، وخاصة أن بعض الرسائل الاستباقية الموجهة اليهم لم تكن مطمئنة لهم كالعقوبات التي فرضت على بعض الرموز المقربة من النظام وكذلك العقوبات التي أقرها كل من مجلس الشيوخ والكونجرس الأمريكي على نظام اردوغان، وتجاوزها لفيتو ترامب المتناغم مع سياسته، هذا بالإضافة الى العقوبات التي أقرتها الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً على روسيا كما أن التوجهات الأوربية الغربية هي الأخرى لم تكن بعيدة عن هذه الرسائل الرادعة للنظام التركي بشكل خاص وذلك بإقرارها العقوبات بتصويت الأغلبية وكذلك سحب بعض الدول لامتيازاتها من الداخل التركي كشركة فولكس فاجن الألمانية للصناعات الثقيلة ونقلها الى سلوفاكيا رغم التسهيلات والتنازلات التي قدّمتها الحكومة التركية.

ومن جانب آخر فان المواقف العربية بدأت هي الأخرى تتبلور وتتجه نحو التوافق وخاصة الدول الخليجية ومصر والى حد ما دول المغرب العربي، فما يمكن قرائته من قمة العلا لدول الخليج وبمباركة أمريكية غربية والتي عقدت في المملكة العربية السعودية، وتلمس ما بين سطور بيانها الختامي بأنها ماضية في مواجهة المخططات الإيرانية وحلفائها في المنطقة، وقد يكون هذا التوجه رسالة مبطنة الى الجانب التركي الذي أصبح أكثر انغماساً وقرباً إلى الحلف الإيراني الروسي، ناهيكم عن عدم خضوعها للمطالب الأمريكية والعربية بمقاطعة ايران، والعدول عن صفقة الـ “اس 400” بل على العكس فإنه ماضٍ في سياساته المتناغمة مع المخططات الروسية الايرانية في المنطقة عبر أدواتها ومرتزقتها، وقد يكون التوجه الأخير لأردوغان بإرسال مرتزقة الى اليمن حسبما أكدتها المعلومات الوردة من المرصد السوري لحقوق الانسان خطوة استباقية لكثب ثقة الخليج العربي، لإيجاد موطئ قدم يتيح له اللعب على المتناقضات التي أتقنها في سوريا سابقاً، وهي غير مدركة أن دول الخليج بريادة السعودية لن تقبل بمجاميع مرتبطة بالتنظيم الاخواني التي وضعتها في قوائم الإرهاب في السنة الماضية، كما أن رسائل التطمين المرسلة مؤخراً الى إسرائيل يمكننا أخذها بنفس الاتجاه، وخاصة ان المحيط العربي قد أخذ منحى التطبيع مع إسرائيل الأمر الذي سيأخذ بالحسبان مصالح هذه الدول وبالطبع هي في تضارب مع المخططات التركية، وخاصة في كل من ليبيا وحوض المتوسط ومصر وسوريا والعراق، هذا الى جانب القلق الغربي الأمريكي من دخول حليفتها في الناتو ضمن المخططات الروسية وتقويض جهودها في محاربة الإرهاب، و كان تصريح الخارجية الأمريكية مؤخراً واضحاً بهذا الصدد بأنها “تراقب سلوك تركيا المستفز عن كثب”.

 يبدوا أن الإدارة الجديدة برئاسة بايدن ستعمل على تصحيح مسار السياسة الأمريكية والأضرار التي الحقها ترامب بحلفائها في الناتو في كل من سوريا والعراق والخليج عبر صفقاته الشخصية مع أردوغان، والتي كانت سبب في اعادة تعويم الإرهاب بصورة شرعية عبر مجاميع ما تسمى الجيش الوطني والتي جل قادتها من تنظيم القاعدة وداعش ومثيلاتها.

ويتطلب ذلك من قوى الإدارة الذاتية في هذه المرحلة وخاصةً مع التجاذبات والمقاربات الحاصلة في الآونة الأخيرة، هي تمتين الجبهة الداخلية لمواجهة أي طارئ قد يحدث في هذه الفترة، وخاصة أن توجه كل من النظام ومن خلفه روسيا وإيران وكذلك تركيا ومجاميعها المرتزقة، الذين يعملون جاهدين لزعزعة الاستقرار والأمن ضمن مناطق الإدارة الذاتية، وذلك عبر تحريك أذرعها مما يسمى بميليشيات “الدفاع الوطني” وعملائها، وكذلك حملات الحرب الخاصة المرافقة معها، والدعوى الإيرانية لبعض رؤساء العشائر العربية والتي اجتمعت معهم في مطار قامشلو لمحاربة قوات سوريا الديمقراطية  بالتزامن مع الهجمات التي تشنها مرتزقة الاحتلال التركي على مناطق عين عيسى ومنبج وغيرها من مناطق شمال وشرق سوريا هي بوادر لمخطط خبيث لتقويض مشروع الإدارة الذاتية وخاصة في ظل الفراغ والمرحلة الانتقالية التي تشهدها الإدارة الامريكية.

كما ان تعزيز العلاقات مع القوى الوطنية في الداخل والخارج ووضع استراتيجية لتمتين التقارب مع دول الخليج العربي ومصر عبر آلية مدروسة  لبناء علاقات دبلوماسية تكون داعمة لإيجاد بديل وطني عن ما يسمى بالائتلاف الوطني الاخواني المرتهن للإرادة التركية وخليفتها أردوغان، حيث أغلب المؤشرات والتحليلات ترشح بسعي هذه الدول لإيجاد بديل لها، وهذا ما لا تعارضه أيضا التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والتي أكدت مؤخراً بوجوب مشاركة ممثلي الإدارة الذاتية في الحل النهائي لسوريا وفق مقررات مؤتمر جنيف 2254، الذي عملت جاهد ثلاثي أسيتانا “روسيا وايران وتركيا” على تقويضه عبر مؤتمرات في كل من سوتشي و أسيتانا، وهذا كان السبب الرئيسي في معاناة الشعب السوري من تهجير وتغيير ديمغرافي وقتل وتنكيل عبر صفقات قذرة على حساب الدم السوري وكرامته .

زر الذهاب إلى الأعلى