مقالات

“سيكولوجية الجماهير” وخطورة القادم من الأيام

أصدر الطبيب والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون كتابه “سيكولوجية الجماهير”  قبل أكثر من100 سنة من اليوم، في خضم أجواء مشحونة وتغيرات جيوسياسية واجتماعية متزايدة.

الأفكار المعروضة في هذا الكتاب غريبة وغير معقولة ولم يتقبلها كثيرون لأنها جاءت بطرح جديد غير معهود في ذلك الزمن، ولكن اليوم أضحت هذه الأفكار مقبولة وتتسم بالعقلانية والمنطق، لأن الأفكار والنظريات التي يحتويها تناسب كل الشعوب والأعراق والخلفيات الأيديولوجية المنتشرة عبر جميع بلدان العالم ولا تختص ببلد معين.

ركز لوبون على الجماهير أي الشعوب أساساً في مؤلفه، وكيف أن هذه الجماهير تتعرض لوابل من الأفكار والمعتقدات الممارسة عليها، مما يجعلها في كثير من الأحيان تقوم بأمور خطيرة أو غير متوقعة ومتقلبة بسبب ما تستقبله تلقائياً من المحيط حولها.

وجع جماهيري ممتد … 

مضت أعوام على الأزمة السورية وعلى أزمات المنطقة عامة، والأنظمة والحكومات لا تزال تفضل استخدام الوسائل البدائية، وتحكم على ضمير الجماهير بالموت.. أرقام الشهداء تعدت الألوف، والجرحى أضعاف أضعافها، والأنظمة والحكومات ما زالت تراوغ، وتنتهج سياسة المماطلة والخداع والإقصاء. ليست هناك أية نية لتقديم الحلول؛ فتسير بالبلاد والعباد نحو الكارثة.

تسعى أنظمة المنطقة إلى تجريد الجماهير من طابعها الإنساني والسلمي، مما يؤكد أن سيكولوجية الجماهير التي تحدث عنها الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون، مازالت عصية الفهم على أنظمتنا وحكامنا هؤلاء الذين لا يجيدون سوى  فن الخداع والمراوغة، والاستهلاك الإعلامي.

سنوات مضت، بالدم والغضب والشهادة، وكأن  شيئاً لم يكن، ويحسب من هو قابع هناك، أن الأمور ما زالت بخير، وهو لا يدري أن كل بقعة من تراب الوطن قد اصطبغ  باللون الأحمر منذ اليوم الأول، وفي أول ساعة انطلقت فيها الجماهير.

 على مدى الأعوام السابقة، استطاعت الجماهير في مكان ما على جغرافية الوطن إدارة معركة الوجود، و اثبتوا للعالم أنهم مستمرون دون كلل ولا ملل في مقاومتهم حتى تطهير التراب من الإرهاب وتحقيق العدل والمساواة،.. لا بل أن إصرارهم  على مقاومتهم والجرأة على إظهار الحق قد أدهش العالم بأسره.

في المقابل أمامنا أنظمة هشة, مشتتة، عاجزة، منقسمة على نفسها.

ويبقى الســــؤال الأهم إلى متى ستــــستمر الحــــالة على هذا النحو الخطير ..؟

المؤكد, أننا نعيش في مختبر كيميائي يتفاعل فيه العناصر بشكل مستمر، سواء في الداخل أو في الخارج، فيه المقاوم وفيه المستسلم، وفيه المضحي وفيه المعادي ,وفي خضم هذا التفاعل تتفاعل أيضاً إرادة الجماهير، وتزداد معنوياتهم، وتتنوع  أساليب تعاطيهم مع الأحداث، وتتطور اجتهاداتهم, وتتعدد خياراتهم…

ويبقى الحوار هو المسار الوحيد لحل أزمات المنطقة…

زر الذهاب إلى الأعلى