مقالات

سوريا الأزمة ومسار التغيير

 

سليمان أبو بكر – 

اتخذت الأزمة السورية مسارات معقدة ووصلت لمرحلة الانسداد الشبه تام من الناحية السياسية، وخلال الفترة الأخيرة بدأت الأطراف التي تدخلت في هذه الأزمة بطرح مسار جديد متعلق بمسالة التقارب بين النظامين السوري والتركي، وفي السياق تطرح حكومة دمشق مسألة انطاكية ولولاء اسكندرونة بعد 88 عاما\ص من جهته يعلن حكومة أردوغان بأن التقارب مع حكومة دمشق مطروح وضروري أكثر من أي وقت مضى، فما الجديد من مثل هذا الطرح في هذه المرحلة؟

السلطة في دمشق أو في تركيا تسعى لتثبيت دعائمها والطرفان لا يهمهما أي حل سياسي للازمات في داخل الدولتين، فأردوغان الذي كان من أشد المعارضين والناقمين على حكومة دمشق يطرح اليوم مسألة التقارب وإمكانية عودة العلاقات مع نظام الأسد هذا من جهة ومن جهة أخرى مستعد لأن يغرق تركيا في الأزمات والصراعات وأن يبيع كل الفصائل المرتزقة السورية في سبيل كسبه للانتخابات في حزيران المقبل.

أما بالنسبة لحكومة دمشق فهي ايضاً مقبلة على انتخابات بالرغم من أن الانتخابات في سوريا محسومة للسلطة كما العادة لكن لأجل إضفاء طابع سلطوي على هذه الانتخابات يتباحث الطرفان مسألة التقارب.

المسألة في هذه الاطروحات تتماشى مع الاطروحات والمشاريع الغربية في الشرق الأوسط، وهي متعلقة بالسيطرة على مفاصل موازين القوى العالمية والحفاظ على توازناتها التي حصلت عليها بعد عام1990 ومحاولتها لأجل احكام سيطرتها عبر أيديولوجيتها الرأسمالية، لكن مشاريعها واطروحاتها اصطدمت بعدة عوامل إعاقة تقدمها وفي مقدمتها عودة القطب الروسي مجدداً الذي يحاول أخذ حصته من الكعكة الشرق أوسطية، ويبدو انها تمكنت من ذلك على الأقل في سوريا على اعتبارها محور لكل الأزمات الراهنة في الشرق الأوسط.

كذلك المسالة الأهم  والعالقة منذ قرون دون إيجاد أي صيغة حل لها وهي القضية الكردية، والتي أصبحت اليوم من أهم، خاصة في المرحلة الراهنة التي تسعى فيها الأنظمة الإقليمية القومومية التي انتجتها القوى الرأسمالية وسلطتها على رقاب الشعوب، وما ناله الشعب الكردي من انكار وحرب إبادة وما يتعرض له اليوم من حملات إبادة سواء من النظام التركي او الإيراني على وجه الخصوص وبصمت دولي محاولة تمرير بعض الأطراف الكردية الرجعية على انها تمثل تطلعات الشعب الكردي ومحاولة اخماد المقاومة الشعبية الكردية التي تتمثل في حركة التحرر الكردستانية وعلى مدى خمسون عاماً.

استهداف البنى التحتية لشمال وشرق سوريا دليل على أن الاحتلال التركي لا يحارب القوى العسكرية لشمال وشرق سوريا فقط وغنما هدفها اضعاف الإدارة الذاتية وتدمير كل سبل الحياة لسكان المنطقة سياسة حرب ليست بجديدة للنظام التركي الذي يجد في وجود الشعب الكردي والشعوب المقاومة نهاية لوجود هيمنته، الأمر كذلك بالنسبة للنظام الإيراني، والنظام السوري الذي اخذ البلاد للهاوية في سبيل التمسك بالسلطة.

بالعودة إلى الأيديولوجية الرأسمالية التي تلعب دوراً رئيسياً في كل الازمات الراهنة في الشرق الأوسط والعالم فالغرب هي التي تحرك النظام التركي في خلط للأوراق كلها على ساحة الشرق الأوسط بغية تمرير مخططاتها الدموية في إعادة هيمنة الإمبراطورية الثمانية التي خدمت الغرب أكثر مما خدمت المنطقة وشعوبها.

لا شك أن للغرب دور كبير في عدم حل القضية الكردية، وهي تعمل على ادلجة القضية الكردية وفق نظامها الرأسمالي وضمن سياقات الاطروحات الرأسمالية التي تهدف على اضعاف الشرق وتجزئته كوحدة بشرية وثقافية لتسهل السيطرة عليها، أما المقاومة التي تشكل عائقة أمام تقدم مشاريع الغرب فهي مستهدفة بالدرجة الأولى.

على صعيد أخر وفي سؤال يراود الأذهان لماذا لا تضرب إسرائيل العمق الإيراني وتكتفي بضرب مراكزها في داخل سوريا؟ الأمر كذلك بالنسبة لتركيا لماذا تحترب في سوريا وتتدخل بكل قوتها؟

لا شك أن الأنظمة التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى والخرائط الرأسمالية التي رسمت وافرزت نتائجها بعد الحرب لها دور كبير في ما نتحدث عنه خاصة وأن الاتفاقية الأبرز التي تقترب من نهايتها “اتفاقية لوزان ” واتفاقية أخرى، لذا تتوجه القوى الرأسمالية لإعادة ترتيب الخرائط ورسمها من جديد وفي هذه الخرائط يحاولون إزالة العوائق وفي المقدمة القضية الكردية والمقاومة التي تشكل عائقاً كبيرا أمام تلك المخططات فمشروع الأمة الديمقراطية ونموذج الإدارة الذاتية وما يطرحه القائد أوجلان ضمن نظرية العصرانية الديمقراطية في مجابهة الحداثة الرأسمالية كحل لكل أزمات الشرق الأوسط وكبح غطرسة الرأسمالية وأنظمتها الصغيرة والكبيرة تشكل أحد أكبر العوائق أمام رسم تلك الخرائط خاصة على المستوى النظري والفكري فالعالم الحر والشعوب التي ايقظت على ما هي عليه باتت تدرك أن الهيمنة الرأسمالية وعناصرها من الأنظمة القومية لم تنتج سوى الدمار والأزمات والفقر، وتدمير البيئة، لذا اتخذت من حركة التحرر الكردستانية نموذجاً للمقاومة، ومن فكر القائد أوجلان اسلوباً للحياة وللنضال، وبه تعيد تنظيم نفسه لبدأ عيش نمط جديد من الحياة مغايرة تماماً عما كانت عليه في ظل أنظمة السلطة والاستبداد، لذا تعتبر سوريا ساحة للصراع الرئيسي كما هي ساحة للتغيير نحو حل القضايا في الشرق الأوسط.

زر الذهاب إلى الأعلى