مقالات

دولة ولاية الفقيه

وليدة حسن

ما من مستحيل أمام إرادة الشعوب إذا نادت بالحرية؛ فالشعوب المظلومة والمضطهدة تظل متعطشة للحرية، قد تمر بفترة (الكمون) وقد لا تمتلك أساليب النضال الكفيلة بالتغيير، ولكنها ما إن تقول كلمتها حتى تراها تدك عروش الظالمين وترفع راية المقاومة معلنة نهاية فراعنة ونماردة العصر، وبما أننا نشهد انتفاضات وحراك الشعوب؛ فها هي الشعوب الإيرانية بكافة الإثنيات والأديان تعلن بداية نهاية حكمٍ طائفي مستبد. البعض سماها ثورة الجياع والبعض الآخر ردها إلى نظام الحكم القائم على إقصاء القوميات والأديان والمذاهب، والنظام المستبد استند إلى نظرية المؤامرة التي يطلقها المستبدون عند اقتراب نهاياتهم، تتمتع إيران بموقع جيو استراتيجي؛ وتتميز بتنوع عرقي اثني ديني طائفي ومذهبي، ويأتي هذا التنوع من حدود دولة إيران القومية المصطنعة التي تعود إلى القرن الماضي في عصر إنشاء الدول القومية، فهناك شعوب تشكل امتداداً طبيعياً للدول المجاورة لإيران مثل الكرد والعرب والأذريين.

لا شك أن الوحدة الروحية بين كافة الأديان والقوميات والمذاهب، هي من أهم عوامل وحدة الأمة؛ ولكن إيران كدولة قومية وسعيها إلى ربط الدين بالدولة؛ واعتمادها نظرية ولاية الفقيه كإيديولوجية دينية لتسيير أمور المجتمع وإدارته من الناحية السياسية والاقتصادية والمجتمعية والفكرية والثقافية و…؛ إنما شكلت أزمة بنيوية في نظام الحكم، وبإلقاء نظرة على دستور إيران وما جاء في مادته الثانية عشرة التي تنص على أن: <الدين الرسمي لإيران هو الإسلام، والمذهب الجعفري الاثني عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير> تؤكد لنا هذه المادة وتضفي الصبغة الطائفية على دستور إيران، فهي دولة يتبنى دستورها مذهباً رسمياً إلى جانب الدين، وهذا يشكل إنكاراً للقوميات والأديان الأخرى، فالاعتماد على المذهب الجعفري يكون إجحافاً بحق المذاهب والأديان التي غُيِّب ذكرها في الدستور؛ بالإضافة إلى أن هذه المادة وكما هي مذكورة في الدستور تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير، والصبغة المقدسة على هذه المادة باعتبارها غير قابلة للمساس أو التغيير أو التعديل أو النقاش أو حتى محل انتقاد تتنافى مع كافة الأسس وقيم العدالة والديمقراطية وكذلك كافة المبادئ والمواثيق الحقوقية والقانونية التي تكون الضامن لحقوق الجميع.

وجاء في المادة الخامسة أيضاً أنه في زمن غيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل المتقي البصير بأمور العصر؛ الشجاع القادر على الإدارة والتدبير.

وحسب هذه المادة أن ينوب الولي الفقيه عن الإمام الغائب في قيادة وإدارة البلاد، وإقامة حكم الله على الأرض، وطبعاً هذا الإمام يكون عادلاً وشجاعاً وفقيهاً في الدين ويأتي حسب التراتبية الشيعية لرجال الدين، ويكون فوق القوانين الوضعية وطاعته واجبة على كافة أفراد المجتمع.

إن حَصر صلاحيات وأمور الدين والدنيا بيد شخص واحد تسبغ عليه صفة الكمال؛ وهذا يؤدي إلى تكريس الحكم المطلق، ويثير جدلاً بين فقهاء الدين أنفسهم وبين الفقهاء والسياسيين، فهذه المادة الدستورية تكرس عقيدة التقية والانتظار، إنها صناعة أجيال من المنتظرين على امتداد فترات من التاريخ قد يطول انتظار تحقيق حتمية ظهور المنتظر، وكذلك يكون التعاقد على أمر مستقبلي قد يحدث أو قد لا يحدث أبداً.

وهذه المادة التي تحصر إدارة البلاد بمذهب وحيد وشخص يحمل صفات الكمال، يتنافى مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ حيث جاء في مادته (21): لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يُختارون في حرية، مع العلم بأن إيران قد وقعت على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.

وهنا نؤكد أن الدستور هو مجموعة مبادئ وأسس تحدد شكل الدول ونظام الحكم والعلاقة بين المؤسسات؛ وكذلك الحريات العامة في الدول، وبالعودة إلى ما تشهده إيران اليوم؛ هو من إفرازات نظام الملالي القمعي، فقد قام بتسخير الدستور وكتابته ليتوافق مع مبادئه وأهدافه فهو يسعى إلى الهيمنة على المنطقة وتشكيل محور من الدول التي تلف وتدور في فلكها، وتدخلها الفظ في الصراعات الجارية في المنطقة، وتغذية منابع الإرهاب؛ كي تتمكن من ترسيخ مشروعها (الهلال الشيعي).

إن ما يحدث في إيران اليوم لا يتعلق بأمور معيشية وأزمة اقتصادية فقط؛ بل يمتد إلى حقيقة النظام القائم والمبني على أسس استعلائية للدين والمذهب الأحادي، وإنكار كافة الحقوق؛ فالأزمة بنيوية ذهنية فكرية ودستورية متراكمة من سنين طويلة، وما الإعدامات الميدانية والاعتقالات التعسفية للسياسيين وأصحاب الرأي وإنكار حقوق الأقليات؛ إلا نتيجة للسياسة الإقصائية، فالجموع في شوارع إيران بمختلف الأعمار والأجناس والأديان والأثنيات تنادي بسقوط النظام، يجمعها هدف واحد فهذه الانتفاضة حتى لو خمدت تكون قد هزت أركان دولة ولاية الفقيه، وكذلك تنفست الشعوب الإيرانية الصعداء ومزَّقت كفن الخوف؛ ولم تعد تنظر إلى الوراء، فلا الخيانة توقفها؛ ولا إطاعة الأولياء تسكتها؛ ولم تعد تنتظر مجيء المهدي لخلاصها من الاستبداد والقمع.

زر الذهاب إلى الأعلى