المجتمع

تساؤلات وإجابات حول العمليّة التّربويّة

تقرير: عامر طحلو

في ظلّ الإدارة الذّاتيّة الديمقراطيّة في شمال سوريا, وفي وقتٍ باتت فيه عمليّة التعليم في سوريا تتّجه نحو ضياع جيلٍ كاملٍ وحرمانه من أبسط حقوقه المتمثّلة في حق التّعلم, وفي وقت لا تتسع فيه المدارس الحكومية في المناطق المتوتّرة لاستيعاب الطلاب, وباتت كلّ شعبةٍ صفيّةٍ تضمّ من ثمانين إلى تسعين طالباً. انتهى الفصل الدّراسيُّ الأوّل في مدارس الشّمال السّوري بنجاحٍ, بعد تجربةٍ بدأت منذ ثلاث سنواتٍ يُشهد لها بالتطوّر من ناحية المناهج والكوادر والإقبال المتزايد على التّسجيل في مدارسها من قبل الطّلاب والمدرّسين.

وفي هذا العام الدّراسي ( 2017- 2018) برزت بعض الأمور الجّديدة في نُظُم العمليّة التّعليميّة من مناهجٍ وقوانين جديدة، ومعايير ترفيع الطّالب من سنة إلى أخرى وأمورٌ أخرى، فارتأت صحيفة “الاتّحاد الدّيمقراطي” إلقاء الضّوء عليها, ومعرفة مدى ملاءمتها لأسس ومعايير العمليّة التربويّة, ومدى مساهمتها في تطوير جيلٍ كاملٍ عانى من الحرب الدّائرة في سوريا.

إذا أجرينا استطلاعاً بين جميع فئات المجتمع نجد مجموعة من التّساؤلات الّتي تدور في رؤوس هذه الفئات, ومنها:

لماذا تمّ إلغاء الامتحانات؟

ولماذا لا تُدرّس الّلغة العربية في الصفوف الدُّنيا؟

كيف يتمّ اختيار المدرّسين لفرزهم إلى المدارس؟

ماهي شروط القبول في معاهد إعداد المدرّسين؟

كيف نجعل الطّالب يَدرُس بحماس وجديّة في ظل منع الوسائل العقابيّة؟

ماهي حقوق المعلّمين؟

وغيرها من التساؤلات الّتي خرجت على لسان “محمود محمد علي” وهو أبٌ لثلاثة أطفال يداومون في مدارس الإدارة الذّاتية.

محمود ليس هو الأب الوحيد الّذي تدور هذه الأسئلة في رأسه, فهذا هو حال معظم أولياء الأمور في مناطق الإدارة الذّاتيّة, لذلك أجرى مراسل صحيفة “الاتّحاد الدّيمقراطي” مجموعة من اللقاءات مع بعض المشرفين على هيئة التّربية للإجابة عن هذه التّساؤلات وغيرها.

هدفنا الأسمى هو غرس الرّغبة في التّعلّم الذّاتي لدى الطّالب

حيث ألتقى مراسلنا مع “بهجت لوند” من الإدارة العامّة للمدارس في مقاطعة الجّزيرة والّذي أوضح ما يلي:

مناهج الإدارة الذّاتيّة تُدرَّس بثلاث لغات؛ وهي الكرديّة والعربيّة والسريانيّة, وكلّ مكوّن يُدرَّس بلغته الأمّ من الصفّ الأوّل إلى الثّالث, وفي الصّف الرّابع يختار الّلغة الّتي سيدرس بها بالإضافة إلى لغته الأمّ, وتضاف الّلغة الإنكليزيّة إلى المنهاج في الصّف الخامس, ومناهجنا تعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على ثقافة المجتمع في شمال سوريا, بعكس المناهج الحكوميّة الّتي كانت بعيدةً كلّ البعد عن المجتمع, وكانت تعتمد على لغةٍ واحدةٍ فقط, وتُهمّش باقي لغات المكوّنات السّوريّة.

وبالنّسبة إلى الشّروط الواجب توافرها في المعلّم أجاب بهجت:

في البداية لم نكن نتقيّد بالشّهادات العلميّة, لأنّ المعلم كان يُدرّس الّلغة الكرديّة فقط, ولم تُفتتح بعد معاهد إعداد المدرّسين والأكاديميّات والجامعات, أمّا الآن فالشرط الأساسي للقبول في المعاهد هو تحصيل المعلّم للشّهادة الثّانويّة على الأقلّ, ولدينا في المقاطعة 14معهداً لإعداد المعلّمين، مدّة الدّراسة فيها سنتان, بالإضافة لوجود الأكاديميّات العلميّة.

وتوضيحاً لاستفسار مراسلنا عن سبب إلغاء الامتحانات الفصليّة والنّهائيّة قال بهجت:

تمّ إلغاء الامتحانات بشكلها الكلاسيكي, حيث كان المعلّم يقوم بتهيئة الطّلاب للامتحانات, وبالمقابل كان هدف الطّلاب هو النّجاح في الامتحانات سواءً بالدّراسة أو بأساليب أخرى, المهمّ الهدف كان النّجاح, والغاية تبرّر الوسيلة.

ولكنّنا نعلم أن التّعليم هو حاجةٌ وليس وسيلةً, لذلك ألغينا الامتحانات, وتقييم الطالب يتمّ بشكلٍ يوميٍّ بحسب المشاركة في الدّرس وكتابة الوظائف والحفظ, ويعتمد النّجاح على درجة التّقييم النّهائيّة الّتي تُستخلص من التّقييمات الشّهرية على مدى السّنة الدّراسيّة، وإيجاد المعدّل النّهائي من خلال المتوسّط الحسابي, وتتوزع الدّرجة النّهائيّة للطالب على الدّروس والسلوك مناصفةً ومنها تُستخلص الدّرجة النّهائيّة.

كما صُدر قرارٌ بتشكيل مجلس إداري في كلّ مدرسة مؤلّف من 5 إلى 7 أعضاء, يضمّ أحد الطّلاب وأحد أولياء الأمور, وذلك لربط التّعليم بالمجتمع, هدفنا الأسمى هو غرس الرّغبة في التّعلّم الذّاتي لدى الطّالب.

وعند سؤالنا له عن سبب تسجيل بعض النّاس أطفالهم في المدارس الحكوميّة بحجة عدم الاعتراف بمناهج الإدارة الذّاتيّة أعطانا بهجت مثالاً من التّاريخ يجيب عن الفكرة, حيث قال:

عندما كانت هناك عبوديّة في أمريكا, أصدر الرئيس إبراهام لنكولن قراراً بإلغاء العبوديّة, فوقف العبيد في وجه القرار وعارضوه.

وعن كيفيّة ضبط الطّالب وجعله يدرس ويكتب وظائفه في ظلّ منع الوسائل العقابيّة الّتي كانت مسموحة في المدارس الحكوميّة قال بهجت:

إنّ الفوضى الّتي يُحدثها الطّالب أثناء الدّروس هي نتاج العمليّات التّربويّة السّابقة الّتي كانت تعتمد على التّهديد والضّرب والتّوبيخ, ولأجل ذلك فإنّ معاهد إعداد المعلّمين يُدرّس فيها أسلوب التّعامل مع الطّلاب كالمنافسة والتّشجيع والتّواصل المباشر مع الأسرة, في النّهاية نريد أنّ نصل إلى مرحلةٍ يتمّ فيها غرس الرّغبة في التّعلم الذّاتي لدى الطّالب.

تضاعف عدد الطّلاب المسجّلين في مدارسنا

ثم التقى مراسلنا مع “آراس جمعة” مدير إدارة المدارس في مقاطعة قامشلو, وبخصوص النّقص في أعداد الكتب في بعض المدارس, وحرمان بعض الطّلاب منها أوضح آراس:

في هذه السّنة الدّراسيّة 2017- 2018 ازداد عدد الطّلاب المسجّلين في مدارسنا, وعدد الكتب المطبوعة كانت بحسب أعداد طلابنا في العام الماضي, لذلك حصل هذا النّقص؛ وسيتم تدارك هذا النقص في بداية الفصل الثّاني حيث سنطبع الكتب الّتي تحتاج إليها المدارس.

ونوّه آراس إلى أنّ تغيير بعض مواد المنهاج جاء بناءً على ملاحظات ومقترحات المختصّين, حيث أننا نريد أن يتلاءم المنهاج مع بيئة الطّالب ومستوى استيعابه, وبالنّهاية الهدف هو تطوير الطّالب لكي يساهم في بناء المجتمع على الأسس الدّيمقراطيّة.

وعن معايير فرز المعلّمين إلى المدارس شرح لنا آراس بعض الأمور الأساسيّة المُعتمدة في الفرز, وهي:

المستوى العلمي والشّخصيّة والأخلاق والأسلوب, وأن يكون الشّخص المُراد فرزه محبوباً ومؤثّراً في المجتمع بعيداً عن التّسلّط, ويكون هدفه من التّدريس هو تطوير المجتمع وبناؤه وفق الأسس الدّيمقراطيّة التّقدّميّة.

وأكمل آراس بالقول: “إن نظام التّقييم الجّديد للطّالب الّذي طبّقناه يجعله يستوعب دروسه ويحفظها بشكلٍ يوميٍّ, معتبراً كافّة الأيام الدّراسيّة على أنّها امتحان, وهذا يساهم في رفع المستوى العلمي لدى أبنائنا بشكلٍ صحيحٍ ومدروس.

والمعلّم يستطيع إجراء الاختبارات للطّلاب متى أراد ذلك, وعلى أساسها يتم التّقييم شهريّاً, وعن طريق المتوسّط الحسابي لعلامات الطّالب خلال شهور العام الدّراسي يتم التّقييم النّهائي للطالب و يتقرّر نجاحه أو رسوبه.

يتم مراعاة المستوى العلمي والشّخصيّة والأخلاق لدى المعلّم قبل تعيينه

لقد انضمّ إلى هيئة التّربية الكثير من الشّباب والشّابات الّذين أنهوا دراستهم ولم يحظوا بفرص عملٍ تناسب شهاداتهم لدى الدّولة, وهم يقومون بواجباتهم التّعليميّة في المدارس على أكمل وجه, هذا ما قالته “سلطانة خليل هندي” الإداريّة في قسم الأرشيف في مديريّة تربية قامشلو.

وتابعت سلطانة: إن شروط التّعيين بسيطة, فعلى المعلّم الدراسة في معهد إعداد المعلّمين لمدة سنتين, وينجح بمعدّل جيّد فيه, وعند فرزه إلى المدارس نراعي مستواه العلمي وأخلاقه وأسلوبه وشخصيّته.

وعن عدد المدارس في هيئة التّربية في إقليم الجّزيرة أجابت سلطانة:

هناك 78 مدرسة ابتدائيّة و 34 مدرسة إعداديّة و 14 مدرسة ثانويّة, ولدينا 2080 مدرّس ومدرّسة.

النّقابة أُنشئت لخدمة المعلّمين والدّفاع عن حقوقهم

ثم اتّجه مراسل الصّحيفة إلى قسم نقابة معلّمي إقليم الجّزيرة, والتقى هناك مع “كوران مراد” رئيس نقابة معلّمي مقاطعة الجّزيرة الّذي شرح لمراسلنا عمل النّقابة قائلاً:

“وظيفة النّقابة هي تنظيم الأعمال المتعلّقة بالمعلّمين اجتماعيّاً وثقافيّاً وفنيّاً,

فقد قمنا بتطوير الدّفتر الصّحي بشكلٍ يخدم المعلّمين أكثر, وذلك بالتّنسيق مع اتّحاد الأطبّاء والمجلس الصّحي, ونسعى من أجل أن يشمل الدّفتر الدّواء أيضاً, كما يتمّ التّحضير من أجل إنشاء جمعيات تعاونيّة للمعلّمين في أكثر من مدينة, وذلك من أجل تطوير النّاحية الماديّة والمعنويّة لهم, وأيضاً نقوم بإعداد وتنظيم محاضرات للمعلّمين تشمل مجال عملهم التّربوي”.

وتابع كوران: “بالنسبة للنّشاطات الّتي تُنظم في مناطقنا من تشييع واستذكار الشّهداء, أو الاعتصامات والمسيرات والانتخابات والتّفعيل في الكومينات, نقوم بدمج المعلّمين في هكذا نشاطات لتفعيل دورهم في المجتمع”.

وعن النّشاطات التّرفيهيّة قال كوران:

“نحن بصدد تجهيز فرق رياضيّة في مناطق مقاطعتنا, وسنفتتح دورات رياضيّة لها, وفي النّهاية النّقابة أُنشِئَت لخدمة المعلّم والدّفاع عن حقوقه”.

الهدف من إنشاء المعاهد هو بناء إنسانٍ وطنيٍّ مثقّفٍ معطاء

وبغية معرفة آليّة عمل معاهد إعداد المعلّمين في الإدارة الذّاتيّة التقى مراسل الصّحيفة مع “كوران شاكر” العضو في منسّقيّة معاهد إقليم الجّزيرة, الّذي تحدّث عن هذه المعاهد قائلاً:

“الغاية من افتتاح معاهد إعداد المعلّمين هي توفير الكوادر وتجهيزهم وتهيئتهم للاندماج في العمليّة التربويّة والتّدريس, وبالتّالي بناء الأجيال بشكلٍ صحيحٍ ومدروسٍ لكي يساهموا بشكلٍ فعّال في تطوير المجتمع, افتتحنا هذه المعاهد منذ ثلاث سنوات”.

وعن شروط القبول في المعاهد قال كوران:

1-لا يتمّ قبول من يحمل شهادة علميّة أقل من الشّهادة الثّانويّة ( البكلوريا). 2-والعمر المحدّد من 18 إلى 35 سنة.

3-أن يمتلك المتقدّم للمعهد ثقافة جيّدة.

4-أن يكون مقبولاً اجتماعيّاً وذو أخلاقٍ جيّدة.

5- أن يجتاز الاختبار الثّقافي للقبول بنجاح.

وبالنسبة لأيّام الدّوام في المعاهد فهي ستّة أيّام في الأسبوع باستثناء يوم الجّمعة الّذي حدّدناه كعطلة أسبوعيّة, يتلقّى المتدرّب في المعهد دروساً أساسيّةً في الّلغة الكرديّة أو الّلغة الأمّ (بحسب المكوّن ) في أول شهرين من الدّوام, وبعدها يتلقّى الدّروس المتعلّقة بالمناهج المدرسيّة العامّة الّتي تعتمد بشكلٍ رئيسي على أسس الأمّة الدّيمقراطيّة, من أخوّة الشعوب وسلام وتعايشٍ مشتركٍ بين جميع المكوّنات.

وبعد ذلك يختار المتدرّب الاختصاص الّذي يريده ويتفوّق فيه بحسب المعدّل, والجدير بالذّكر أنّ دورات التّقوية على المناهج للمعلّمين مستمرّةٌ في فترة الصّيف, والغاية منها هي تطوير المعلّم وتمكينه في إعطاء المنهاج للطّلاب بشكلٍ متمرّس”.

واختتم كوران حديثه بالقول:

“إن الهدف من إنشاء المعاهد هو بناء إنسانٍ وطنيٍّ مثقّفٍ ومعطاءٍ, وقادرٍ على تطوير المجتمع والسّير به نحو الأمام”.

من يجري استطلاعاً عن التّعليم والمدارس في سوريا عامّةً, سيجد أنّ الذّهاب إلى المدرسة في بعض المناطق يشبه الذّهاب إلى الحرب, فنحن نسمع عن قصف المدرسة الفلانيّة في المنطقة الفلانيّة، واستشهاد العدد الفلاني من الطلاب في تفجيرٍ أمام المدرسة الفلانيّة في المدينة الفلانيّة.

جيلٌ كاملٌ حُرِم من حقّه في التّعلم والتعليم, ومَنْ هاجر إلى دول اللجوء لا يختلف وضعه عن وضع مَنْ في الدّاخل, فهو مجبرٌ أن يَدرسَ مناهج تلك الدّول.

الوضع مختلفٌ في مناطق الإدارة الذّاتيّة بالنسبة للطّلاب والمعلّمين, فمن مكتسبات ثورة “روج آفا والشّمال السّوري” بناء مؤسّسة تعليميّة تضاهي المؤسّسات التّعليميّة لبعض الدّول, والمناهج الّتي تُدرّس في المدارس تُعتبر متطوّرةً تراعي ثقافة كافّة المكوّنات السّوريّة, ناهيك عن القوانين النّاظمة للعمليّة التّربويّة المستمدّة من قوانين الدّول المتطوّرة وشعوبها الحرَّة, وقفزت العمليّة التّربويّة من خلق جيلٍ خانع وراضخ إلى خلق جيلٍ واثقٍ من نفسه و قادرٍ على تطوير المجتمع بشكلٍ فعّال, وكذلك الاستفادة من طاقات الشّباب المثقّف من خلال دمج خريجي الجّامعات والمعاهد في العمليّة التّربويّة، وبالتالي تكون الاستفادة للطّرفين, فالمجتمع يستفيد من ثقافة وعلم المثقّف؛ وينقلها إلى الأجيال القادمة, والمثقف يجد العمل والمكان المناسبين لشهادته العلميّة فيبدع في تسخير خبراته وطاقاته في تطوير المجتمع والسّير به نحو الأمام.

لذلك علينا نحن كشعوب الشّمال السّوري أن نكون سنداً لكلّ ما اكتسبناه, ونعمل بكلّ جهدنا لتطوير مؤسّساتنا من خلال المقترحات, والنّقد والنّقد الذّاتي, وبالتّالي المحافظة على المكتسبات الّتي تحققت عن طريق أغلى ما في الوجود (دماء الشّهداء), دماء أبنائنا وبناتنا وأخوتنا وأخواتنا.

زر الذهاب إلى الأعلى