مقالات

دستور سوري بغياب السوريين

قبل أيام أعلن الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريش) عن الانتهاء من تشكيل اللجنة الدستورية السورية, ولكن في ظل تغييب ممثلي الكثير من مكونات وشرائح الشعب السوري عنها هل اللجنة الدستورية المعينة ستكون قادرة على صياغة دستور يكون كفيلاً بوضع حلٍّ نهائي للأزمة السورية؟

من المعلوم أن إطلاق مسار (أستانا) كان الهدف منه هو خدمة مصالح وتنفيذ أجندات الدول الثلاث الضامنة(روسيا- تركيا-إيران), والتي لم تتوصّل لتوافقات نهائية بعد على مدار كلّ فصول اجتماعات (أستانا), والمستفيد الأكبر من هذا المسار هي روسيا, وثلاثي أستانا يدركون جيداً أن الإعلان عن ولادة اللجنة الدستورية ما هو إلا محاولةٌ للتوصل إلى حلولٍ لقضايا عالقة أخرى كمشكلة إدلب, والغياب الأمريكي عن هذا الأمر يثير الكثير من التساؤلات.

فإمّا أن أمريكا والغرب على ثقة بأن هذه اللجنة ستموت بعد فترة قصيرة من ولادتها, وبالتالي سيفشل مسار أستانا وسيعود حل الأزمة السورية إلى جنيف؛ أو أن هناك توافق دولي على التقدم ولو خطوة واحدة باتجاه إنهاء الأزمة السورية؟

ورغم أن التوقعات تشير إلى هامشية دور اللجنة الدستورية المعلن عنها في الدفع بالحلول, فإن أطراف أستانا الثلاث والنظام وما تسمى بالمعارضة قامت بتغييب الكرد كمكون مستقل له خصوصيته, وكذلك باقي المكونات في شمال وشرق سوريا, وهذا التغييب ليس سوى انعكاساً لرؤيةٍ (قديمة – جديدة) من أجل إعادة إنتاج حكم البعث مؤلفاً من النظام وأعضائه السابقين من الائتلاف المعارض, وروسيا مارست الضغط على النظام السوري من أجل القبول باللجنة الدستورية, لأنه إذا لم يقبل فسيكون هناك ضغط دولي كبير على روسيا.

هذه اللجنة في حال صاغت دستوراً فلن يكون شرعياً لدى السوريين، لأن استبعاد ممثلي الملايين من السوريين عن العملية السياسية سيكون  له تبعات خطيرة على مستقبل سوريا, وستتفاقم الأزمة السورية بدل أن تتجه للحل, ومن الواضح أن هناك عملية مقايضة جديدة في سورية تتلخص بالإعلان عن ولادة  اللجنة الدستورية مقابل وقف إطلاق النار في إدلب، وهو توافقٌ بين ضامني أستانا لخدمة أجنداتهم وليس توافقاً سورياً, وبالتالي فالسوريون ليسوا معنيين بالالتزام بدستورٌ لم يقوموا هم بصياغته, ومعظم أعضاء اللجنة من طرف ما تسمى بالمعارضة هم من خارج سوريا, ولم يذوقوا الويلات والمصاعب التي ذاقها الشعب السوري على مر سنوات الأزمة, وهم لا يمثلون أية شريحة أو مكون سوري سوى أنهم يمثلون أنفسهم.

وقد أصدرت قوى وتنظيمات سياسية في شمال وشرق سوريا بياناً اعتبرت فيه أن اللجنة الدستورية المزمع اطلاقها لا تمثل مكونات الشعب السوري وآماله في سوريا جديدة، بقدر ما تمثل الدول التي تسعى لتحقيق مكاسب لها على حساب معاناة الشعب السوري وبالتحديد الدول الثلاثة /روسيا- تركيا- إيران/ وقد أقرّت ذلك خلال القمة الثلاثية التي عقدت في أنقرة, وتشكيل هذه اللجنة مخالفٌ لقرارات الأمم المتحدة في السعي نحو حل سياسي توافقي استناداً للقرار الأممي 2254، و ستكون نتائج هذه اللجنة سلبية وسوف تؤدي الى تعميق الأزمة وتعقيدها أكثر, لأن هناك طرفاً سورياً رئيسياً يعدّ رقماً مهماً في المعادلة السورية العامة وفي حلِّ أزمتها وكتابة دستورها المستقبلي الذي يُفترض أن يكون ديمقراطياً شاملاً يمثل جميع المكونات والشعوب في سوريا، وهذا الطرف هو القوى السياسية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، متمثلة بمجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية, كما أكّد البيان أنّه في ظل تغييب وإقصاء ممثلي شمال وشرق سوريا لن يكون هناك حلٌ نهائي للأزمة السورية، وبدون مشاركة جميع الأطراف السورية ستبقى سوريا موجةً تتلاعب بها رياح المصالح الدولية دون أي اعتبار للشعب السوري ومصلحته.

وأعلنت هذه القوى التي تمثل حوالي 6ملايين سوري بأن أي دستور ينتج عن أعمال هذه اللجنة لن يتم الاعتراف به من قبلها لأنه لن يمثل جميع السوريين، وطالبت الأمم المتحدة بضرورة تمثيلها في المفاوضات السورية و في جميع اللجان المعنية.

ورغم تأييد الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لهذه الخطوة التي اعتبروها بداية لحلحلة الأمور في سوريا, ففي ظل تغييب معظم السوريين عن هذه اللجنة لن تتحقق آمال وطموحات وأهداف الشعب السوري, وبالتالي لن تتجه الأزمة السورية نحو الحل بل ستتفاقم أكثر.

زر الذهاب إلى الأعلى