ثقافة

دار “شلير” للنشر…إمكانيات صغيرة وإنتاج لا محدود

الثقافة الكردية وتطورها؛ وجودها وضمان استمراريتها، كل ذلك تقع على عاتق المثقفين والكتاب الذين بدورهم يسعون لإيصال صدى كتاباتهم وثقافاتهم لأفراد المجتمع، لكن هذا لا يلغي الدور المهم التي تقوم به دور النشر في ترسيخ الثقافة والتاريخ الكردي، فكل ما تم ذكره هي جذور لشجرة واحدة وهي الثقافة الكردية؛ وكما ذكرنا أن لدُورِ النشر أهمية كبيرة في توطيد الثقافة لدى المجتمع، ومن دور النشر الهامة دار “شلير” للنشر في قامشلو كونها أصبحت مرجعاً ثقافياُ للكثيرين، حيث يقوم أعضاء الدار الثلاث بإدارتها بإمكانيات بسيطة لكن بنتيجة عظيمة مقارنه بتلك الإمكانيات.

وللحديث أكثر عن دار شلير أجرينا لقاءً مع ريفان محمود مدير دار”شلير” للنشر؛ هذا واستهل حديثه بالقول: تأسست دار شلير في الشهر السادس من عام 2017، ويعود سبب التسمية إلى زهرة شلير لتكون رمزاً يُعرف به الدار، وهذه الزهرة مرتبطة بالثقافة الكردية كونها الزهرة الوحيدة في العالم والتي تنمو في جبال كردستان فقط. وفكرة بناء دار نشر “شلير” أتت لإحياء الثقافة الكردية، حيث كانت المطبوعات العربية سابقاً في سوريا متنوعة وكثيرة على عكس المطبوعات الكردية التي تتحدث عن التراث والتاريخ الكردي فكانت معدومة ولم تكن متداولة في المكتبة السورية. فكانت الغاية من دار “شلير” إحياء المطبوعات الكردية.

وتابع بالقول: بدأنا بإمكانات بسيطة وشبه معدومة، حيث بدأنا بطابعة صغيرة تطبع في الدقيقة عشرين صفحة فقط، وكان كتاب “برخدان جيانا” أول كتاب قمنا بطباعته، حيث قمنا خلال أربعة أيام بطباعة ما يقارب 120 نسخة، وعندما رأينا أن عملنا يتقدم أصبح لدينا حافز وتشجيع أكبر للتطور في عملنا، وعندما رأينا تجاوباً وتطوراً قمنا بجلب طابعتين وعندما أصبح الإنتاج أكبر قمنا بإرسال الكتب لمطبعة الشهيد “هركول” فكلما كنا نخطو خطوة أكبر نحو الأمام كان يزداد الحافز لدينا وهذا ما كان يبدد الصعوبات التي كانت تواجهنا.

وبالحديث عن اللغات التي تُطبع في الدار قال محمود: لا يوجد مطبوعات لكتّاب سريان لكن حالياً الكتب باللغة العربية بدأت تأخذ مكاناً في مطبوعاتنا، لكن حتى الكتب التي تصدر باللغة العربية هي كتب تقع في خدمة التراث والتاريخ الكردي كون التراث الكردي كان مغيباً؛  ولحد الآن قدمنا 130 كتاب ويمكنني القول أن هذا الأمر نادر مقارنة بدُور نشر موجودة منذ سنوات عديدة كون إنتاجها لم يصل إلى ما وصلنا إليه.

أما بالنسبة للكتاب الذين تتعامل معهم الدار أردف محمود: دار شلير لديها علاقات مع الجميع من عفرين إلى المالكية ” كرد، عرب..”، ونتعامل مع الكتاب من أوربا وهنالك كتب تأتينا من باشور كردستان، ونتعامل مع المؤسسات الثقافية المختلفة في روج آفا، مثلاً لدينا الآن علاقات مع اتحاد الكتاب الكرد-سوريا واتحاد مثقفي الجزيرة واتحاد مثقفي كوباني وعفرين” فلدينا انخراط مع الجميع كما نتعامل مع المستقلين مثل الاستاذ “محمدي بيري” حيث أصدر كتاب “سماعيلي دين”، فالذي يهمنا هو أن يكون الكتاب يصب في مصلحة التراث والتاريخ الكردي.

وعن المعوقات أو المشاكل التي يتعرضون لها في دار شلير قال ريفان محمود: المشاكل التي نتعرض لها هي مشاكل تقنية من ناحية الطابعات أو الحبر حيث لا تتوفر المواد اللازمة في سوق قامشلو، حيث تأتينا قِطَع الطابعات إما من إقليم كردستان وإما من دمشق وحلب وتتأخر في وصولها لنا وهذه من المشاكل التي تواجهنا لكننا نتداركها، ولطالما كان لدينا إرادة في العمل لذا نستطيع أن نواجه أي مشكلة تقف في طريقنا.

وتابع محمود بالقول: مشاريعنا في المستقبل هي التركيز بشكل أكبر على كتب التاريخ الكردي، فنحن نحاول الآن طبع الكتب القديمة؛ لذا نعمل على أخذ موافقات من دور النشر للكتب التي تم طباعتها في السابق؛ فخلال الأيام القليلة الماضية سننتهي من طباعة كتاب تأريخ خلاصة تاريخ الكرد وكردستان لـ “محمد أمين ذكي” كون هذا الكتاب له حضور في الشارع الكردي وله مصداقيته، ونبحث حالياً عن الكتب المتعلقة بالتاريخ الكردي لنساهم في إعطائها قيمة أكبر، طبعاً هذه الكتب تمت طباعتها في السابق لكن سنقوم بطباعتها من جديد في دار النشر “شلير” كون هذه الكتب حالياً موجودة في السوق بما يقارب الخمسة آلاف ليرة سورية للنسخة الواحدة، وسنحاول من خلال طباعتنا لها خفض أسعارها لـ الألف ليرة سورية ليكون بمقدورنا إيصالها لكافة فئات المجتمع في الشارع الكردي.

وتطرق مدير دار نشر شلير في حديثه عن معرض الكتاب الأخير فقال: من خلال تجربتنا في معرض الكتاب الأخير، رأينا الكثير من الناس يريدون شراء كتب التاريخ لكن أسعارها كانت تتراوح من الخمسة آلاف لتصل إلى 15 ألف، ففي هذه الحالة المواطن العادي لا يستطيع شراء مثل هذه الكتب وبأسعارها الباهظة. متابعاً: أسعار الكتب في السوق غالية جداً ولا تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن، ويمكنني القول أن أغلبية الكتب التي نقوم بإيصالها للأكاديميات مجاناً، وتتوزع على المكتبات، وفي معرض الكتاب الأخير لم نتعامل بشكل تجاري، بمجرد رأينا الرغبة والقابلية في قراءة الكتب لدى الكثير من الطلاب كنا نقوم تقديمه لهم بالمجان.

وعن تقييمهم كدار نشر للمعرض الثاني للكتاب قال ريفان محمود: هذا المعرض كان خطوة قيمة جداً حيث كانت برعاية وزارتي الثقافة والفن في إقليم الجزيرة، وهذه الخطوة شجعت على القراءة. وأثبتت هذه التجربة السنة الماضية نجاحها، وهذه السنة هيئة الثقافة قامت بتحضيرات أكبر وكان الحضور أيضاً أكبر، حتى أنه شارك في المعرض دور نشر من دمشق وشارك البعض من إقليم كردستان؛ هذا المعرض شارك فيه مختلف الأحزاب والمؤسسات الثقافية الكردية، واستطاع أن يجمع مختلف أطياف الشعب ومختلف الآراء الثقافية والفكرية، ونحن كـ دار نشر “شلير” كنا أصحاب النتاج الأكبر في هذا المعرض حيث أننا شاركنا ب ١٣٠ عنوان حتى دور النشر الأقدم لم تشارك بمثل هذا العدد.

وعن تحضيراتهم للمعرض أضاف محمود: عندما رأينا أن المعرض في السنة الماضية لقى زخماً بين أوساط المثقفين والطلاب في روج آفا، هذا الأمر أعطانا دافعاً وتشجيعاً أكبر لنعمل ونحضر لهذا المعرض في دورته الثانية، والجدير ذكره أننا أعطينا قيمة أكبر لتحريك المؤسسات الثقافية في روج آفا، وكنا نعمل مع الجميع حيث أننا كنا الوحيدين الذين طبعنا كتب عن كوباني وعفرين، وخلال الفترة التحضيرية للمعرض طبعنا نتاجات لاتحاد مثقفي الجزيرة الذي منذ تأسيسه وبعد  ثلاث سنوات كان نتاج هذا الاتحاد كتاب واحد فقط، لكن خلال سنة واحدة ومن خلال هذا المعرض وصل الرقم التسلسلي لنتاجات اتحاد المثقفين في الجزيرة التي قمنا بطبعاتها إلى ٢٩ عنوان، حيث شملت النتاجات “التاريخ والرواية والقصة والشعر..” أي كانت متنوعة وهذا ما أعطى دافعاً لهذا الاتحاد بالحركة بشكل أكبر وأكثر فعالية.

هذا ويتم طبع مختلف الأصناف من الكتب في دار شلير من “شعر، والرواية العربية والكردية، طبعنا كتب التاريخ وأمثال شعبية والقصة القصيرة بالإضافة إلى كتب وأناشيد الأطفال.

وفي جوابه عن سؤالنا حول طموحهم كـ دار نشر بالعالمية أجاب محمود:

طموحنا العالمي أن نقوم بأرشفة التاريخ الكردي وأن نقوم بإيصال الصوت الكردي إلى العالم، لأنه عندما نقوم بطباعة كتب تاريخ باللغة الكردية ونجعل شعبنا الكردي والشعوب الأخرى في المنطقة يقرؤون هذه النتاجات فهذه هي العالمية بحد ذاتها بالنسبة لنا.

مضيفاُ: والشيء الذي يميزنا عن باقي دور النشر التي تم إغلاقها أنهم كانوا يعتمدون في طباعة نتاجاتهم على دمشق وتركيا، حيث كانوا يطبعون هناك وإلى أن تصل كان ذلك يهدر وقتاً طويلاً يصل أحياناً إلى سبعة شهور، وأحياناً كانت تُصادر، بينما نحن نعمل على الكتاب من طباعته إلى تغليفه وتصميمه حتى إننا نقوم بإصلاح أي عطل يصيب الطابعات بمجهودنا الذاتي وهذا ما ميزنا عن باقي دور النشر.

واختتم حديثه بالقول: دار النشر هي المحرك الأساسي للحركة الثقافية؛ وما ظهر بشكل واضح في المعرض أنه أصبح هناك إقبال من قبل الشباب والمثقفين الكرد على القراءة وعلى وجه الخصوص طلاب الجامعات. الحركة الثقافية بوجود هكذا معارض وبوجود مثل هكذا دور نشر ستكون لها نتيجة وفائدة أكبر تعود على الشارع الكردي وسيؤثر على الوضع السياسي بالمجمل في روج آفا.

لدور النشر أهمية كبرى في ترسيخ وتوطيد الثقافة الكردية لدى أفراد المجتمع وعلى وجه الخصوص الفئة الشابة التي هي أساس بناء أي مجتمع، وإن كنا نرغب بتحقيق طموحاتنا الثقافية هذه يجب العمل على إظهار إمكانيات دور النشر وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم لنكون سنداً لهم لإثبات ثقافتنا ولنخطو خطوات نحو الأمام ولنصبح أكثر فعالية من الناحية الثقافية في المنطقة بشكل عام وروج آفا بشكل خاص.

زر الذهاب إلى الأعلى