مقالات

خطوة إلى الوراء ، خطوات إلى الأمام .

سيهانوك ديبو

لم تُهْزَم المقاومة في عفرين حتى نقول كم هو مرٌّ طعم الهزيمة. لم يتم انسحاب القوات المقاومة المدافعة عن شعب عفرين؛ حتى يتنطع أحد بالقول لماذا لم تنسحبوا إذاً منذ اليوم الأول. ما حدث في اليوم الثامن والخمسين من مقاومة العصر في عفرين بأنه تم اتخاذ قرار الخطوِّ خطوة إلى الوراء. ما هو السبب في اتخاذ هذه الخطوة؟ بسبب خيانة الدول العالمية لعفرين؛ وأكبر الخيانات كانت من عند روسيا. ولولا روسيا وإيران وبدعم من بعض الدول الأوربية؛ لما تجرأت تركيا على الإقدام لمثل هذا العدوان، وما استطاعت أن تتقدم الإرهابيين؛ لا علاقة لهم بكل سوريا حتى يتم احتسابهم على المعارضة السورية؛ وترفع علم الاحتلال التركي على عفرين؛ الأخيرة التي حجزت لها العثمانية الرقم 84 من محافظاتها. استشهد حتى اللحظة 1320 ثلثهم من المدنيين الأطفال والنساء والمسنين، و820 من القوات المقاومة من وحدات حماية الشعب والمرأة.

ارتكبت أنقرة حوالي الشهرين في عفرين سبع جرائم حرب وفق تصنيفات القوانين الدولية ذات الصلة؛ كميثاق روما.هي: الشروع في الإبادة. العدوان. الاستيلاء على الممتلكات المدنية. هدم الآثار ودور العبادة ومراكز الصحة. استهداف المدارس ومشفى عفرين المركزي. استخدام السلاح الكيماوي والقنابل العنقودية. وسابعاً ترويع المدنيين وتهجيرهم بهدف اجراء عملية تغيير ديموغرافي واضحة المعالم. العالم الذي صمت لمدة شهرين؛ فُقِد الأمل منه أن يغادر صمته، وحتى يغادر؛ فمن الصعوبة أن يتحمل مسؤولياته ويتحرك في خطوة مسؤولة تنهي بطش وإرهاب الدولة التركية ومرتزقتها من تنظيمي داعش والنصرة الإرهابيين. بقي الضمير العالمي ثابتاً في سباته ولم يحرك ساكناً حينما نزح قبل ثلاث أيام حوالي مئتي ألفاً من سكان عفرين من أصل قرابة المليون؛ نصفهم من النازحين السوريين. فجاء قرار الخطوة نحو الخلف. لكن؛ لماذا تم اتخاذ هذه الخطوة؟ أهدافها؟ الخطوة بدافع إنساني بحت. وينطلق أساساً لحماية مئات الآلاف المتبقية في عفرين من القصف الجوي والأرضي التركي على عفرين، وفي الوقت نفسه حفاظاً على أن لا يصيب عدم دمار كامل لعفرين المدينة وأيضاً حوالي ثلاثمائة قرية فيها. والخطوة إلى الخلف؛ ما تعني؛ بأن المقاومة مستمرة ولا يمكن انهائها؛ سوى أنها دخلت مرحلة جديدة. بدلاً من مرحلة حق الدفاع المشروع في المواجهة المباشرة إلى شكل آخر من أشكال هذه المقاومة المشروعة بشكلها غير المباشر. وهي بطبيعة الأحوال عديدة، وتستنزف العدو بشكل مجدي. لكن أيضاً؛ من المهم الاقتناع بأن سوريا والمنطقة وربما العالم كله يدخل المرحلة الجديدة. الآن جاء دور الخلاف بين الأحلاف وأيضاً المتحالفين نفسهم. ربما استطاعت دبلوماسية موسكو أن تشكِّل حلف المتناقضين التاريخيين: روسيا وتركيا وإيران. لكن هذا الحلف متفق إلى حد ما في الخطوة الأولى فقط. أما في الخطوات الثانية والتي بعدها فهي في خلاف حتى لوي الأذرع، وكسر العظم، والاقتتال فيما بينها. أما منظر العلم التركي على عفرين فيذكرنا بعلم النازية على فرنسا، ويذكرنا بكل علم احتلال يتم نكسه وكنسه بعد انتصار المقاومات الديمقراطية ضد المحتلين الظلاميين.
لكن عفرين إلى أين؟
كتبت في 24 شباط الماضي؛ أي بعد حوالي الشهر من العدوان الفاشيّ على عفرين؛ اقتبس منه بعض الفقرات: (كل الطرق بدأت من؛ وتنتهي في عفرين
– حلب مقابل أن لا (يصل) الكرد إلى عفرين: صفقة روسيا وتركيا الأولى في احتلالات الأخيرة لجرابلس واعزار والراعي والباب. بما ارتبط بها من واقعة ركاب الباصات الخضراء.
– جنوب إدلب مقابل اعطاء تركيا الضوء الأخضر لقصف عفرين: صفقة روسيا وتركيا الثانية.
– إدلب كلها مقابل السماح لتركيا -التي فشلت بأن تحتل عفرين في ثلاثة أيام- باتباع سياسة الأرض المحروقة تجاه شعب عفرين: صفقة روسيا وتركيا الثالثة.
– أن تباد الغوطة الشرقية مقابل السماح لتركيا ومرتزقتها في إبادة عفرين: صفقة روسيا وتركيا الرابعة. حتى تتبيّن الخامسة والسادسة…
سوريا اليوم بكل دمائها واضحة اليوم ما بين عفرين والغوطة. سوريا الغد تشبه نفسها؛ لن تشبه كما كانت؛ بعد مرحلة عفرين. لأنه كذلك فهذه المقاومة تنتصر. ليس اليوم وليس الغد؛ بل منذ اللحظة الأولى التي رأت في قرار المقاومة بأنه الخيار القويم على هذه الحرب المفروضة على شعوب شمال سوريا؛ وبشكل مخصوص على الشعب الكردي ليس فقط في سوريا إنما في عموم وجوده وتواجده).
دحر الاحتلال التركي في عفرين حقيقة مؤكدة؛ طال الزمن أو قصر. وعلى هذا الأساس فإن المقاومة مستمرة. خطوة إلى الخلف؛ خطوات إلى الإمام.

زر الذهاب إلى الأعلى