مقالات

حين يحاربنا عدونا بقبضتنا

مصطفى عبدو

إن ميزة الثورة أية ثورة كانت هي أنها تطلق جميع القوى التي كانت مقيدة ومكظومة سابقاً, وتتدفق هذه القوى من القاع إلى السطح كما حدثت في ثورات العبيد والثورة الفرنسية والثورة الاشتراكية وغيرها من الثورات. وعندما تطلق الثورة جميع قوى التغيير والإبداع في الحياة والإنتاج كي تعبر عن نفسها بكافة الوسائل والسبل الممكنة فإنها في الوقت نفسه تطلق جميع القوى الجماهيرية التي تستطيع أن تتفهم وتستوعب هذه التحولات والتغيرات ولكن هذه اليقظة الكبيرة للقوى الجديدة ترافقها وتصاحبها في كثير من الأحيان غليانات محمومة وتبخرات فوضوية وتنتج بالتالي حالة فوضوية كما تنتج حالة منهجية.

الثورات مُلك للشعوب, ولابد للثورات من أن تُوحِّد مشاعر الجماهير وأفكارها وإراداتها أي بمعنى أن الثورة يجب أن تكون قريبة من الحياة وأن تعكس مصالح وأهداف وآمال الشعوب.

في الثورة السورية المزعومة كان المفروض أن يستعمل الإنسان عقله لكي يُزيِّنَ ويلون البلاد ويجعل الحياة فيها أقل بؤساً وأكثر نعيماً له، ولكن منجزات عقله عاثت في الأرض فساداً حتى وصلنا إلى الوضع الحالي بمشاكله المتعددة.

كانت (للمعارضة) السورية حلم ولكن هذا الحلم تحول إلى أضغاث أحلام وزادت من خيبة الآمال فلم يعد هناك جدوى من لطم الخدود ونثر التراب على الرؤوس وكثرة النواح.

في بداية الحراك السوري كان هناك صوتان يُسمعان فقط؛ صوت النظام وصوت (المعارضة) ولكننا دوماً كنا نعتقد أن السلام والحل في سوريا عامة مرهون بصوت ثالث وهو الصوت الذي نادينا به منذ بداية الأزمة السورية؛ الصوت الذي يقف العالم مذهولاً أمامه ويمنح جميع الشعوب العدل والحرية والطمأنينة.

إني لمُؤمن أن شعوب سوريا التي يئست من كل السياسات المُتَّبعة؛ وقنطت من أساليب الحياة المتناقضة لن تجد مخرجاً من مأزقها وراحة لروحها وصلاحاً لأمرها إلّا بارتمائها في حضن الوطن الكل؛ والسير على نهج الصوت الثالث (الخط الثالث) لتجد فيه حلاً لمشاكلها لأنه الصوت الذي يُوفقُ بين قوى الإنسان جميعاً جسداً وعقلاً وروحاً, فهو شعاع أمل يعدنا بحل جميع تلك المشاكل والأزمات مع تنامي وعي جديد يجعل من كل فرد عضو فعال في هذا الوطن وليس سيداً لها.

إننا في سوريا نعيش على حافة بركان وفي مهب الأعاصير لانعرف ماذا يأتينا بعد ذلك، من هنا يتوجب علينا أن نعي وعياً كاملاً كل ما يحيط بنا ويُدَبَّر لنا ولكننا نحن معشر السوريين لم نتعلم مما حل بنا من نكبات وكوراث على أسلوب السباحة للنجاة من الغرق.

إننا مدعوون اليوم إلى الإسراع في إنشاء حل وطني بصناعة وطنية، وأن نكون على مستوى الأحداث الداخلية والإقليمية والدولية.

الفيلسوف جان جاك روسو صاحب نظرية العقد الاجتماعي يؤكد “أن البشر انتقلوا من حالة الهمجية والعُزلة إلى الحياة الاجتماعية باتفاقهم ورضاهم”.

أكثير على الشجرة التي قطعوا منها الأغصان والأوراق أن تَنبُت وتُورق مرة أخرى وتحيا من جديد بأغصان وأوراق جديدة في تراب الوطن المبارك مُحاطةٍ بكل عناصر الحياة؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى