ثقافة

حوارٌ في فنّ الخط والرسم مع صلاح الدين رسول

يعد فنّ الخط منّ أشكال الفنون التشكيلية وصنف في قائمة الفنون التطبيقية، كما واعتبر البعض إن كل الفن يكّمن في الفن التشكيلي التجريدي والفن التطبيقي الواقعي .

 فالفن التشكيلي إذن هو الفن الذي تحقَّق به أشكال جديدة على يد الفنان، فهو يبتكر ويبدع وينوّع في الأشكال ويحلّق في هذا التنويع، دون التقيّد بطريقة معينة أو قواعد مدونة ليرتقي بالقيم إلى السمو في أعلى درجاته وهو الجمال، وبالطبع هذا يحتاج إلى جهدٍ وفطرةٍ وموهبة تمتلك خيال واسع ودقة في الملاحظة وقوة في اليد وإتقان في الأداء والتنفيذ، والفن بدوره فيه تتابع لأصله الذي ينتقل منه الفنان دون أن ينصبَّ خياله في الجري وراء الجديد أو في انتقاء الأفضل من عدة خيارات.

ولاشك إن لكلّ عصرٍ مبدعيه حيث يحمل الأنباء تجويدهم وامتيازهم على مدى الأيام، ولكل عصرٍ ميزته الخاصة في مجال الفن، تختلف عن العصور التي سبقته هذه الميزة  يتصف بها الإنسان الدأب الذي يختار مساره في مجال الفن بعناية ودقة دون كللٍ وملل.

ومن هنا عندما يمتزج الحرف باللون، يبدأ مسيرة أخرى مغايرة  في الفن، فالناظر إلى لوحات فناننا يرى فيها ريشة فنانٍ تشكيلي يحمل التجريد التشكيلي، ويلاحظ فيه خطاطاً يمنح الحرف هندسة تشكيلية غنية بالإيحاءات الجمالية الهادئة.

مسيرته على الصعيد الشخصي امتازت بالبساطة  والسمو بالذات الفنية الذائقة ، ويلاحظ المرء  من خلال مسيرته التعلق والشغف بالجمال فقدرته الفنية العالية  تُنبىء عن مقدار ما بذله من جهد مضني تجاه هذا الفن، في صفحتنا الثقافية نتناول اليوم رساماً وفنانا تشكيلياً  ينتمي إلى هذا الزمان والمكان الذي نعيش فيه،  لن نطول عليكم  المقدمة لنفسح  لـ صلاح الدين رسول يتحدث لنا عن مسيرته ولنتعرف من خلال هذه المسيرة عليه كإنسان كردي سوري  وكفنان تشكيلي وخطاط له بصمة إبداعية في مجال الخط العربي.

صلاح الدين رسول السيرة الذاتية والفنية

أدعى صلاح الدين رسول، من مواليد مدينة قامشلو  تنقلت خلال دراستي الابتدائية  بين عدة مدارس في مدينة قامشلو، حيث درست في مدرسة الشريف الرضي ومدرسة اللواء والحمدانية، وخلال تلك المرحلة تأثرت  بعدد من المدرسين  كالأستاذ فاروق اسماعيل وبهاء الدين والفنان يعقوب اسحق ويمكن القول بأن خطوتي الأولى في الرسم بدأت في تلك المرحلة ، وفي المرحلة الإعدادية كانت خطوتي الثانية، حيث كان للأستاذ محمد صالح موسى والأستاذ القدير خليل مصطفى لهم الفضل  في مسيرتي الفنية ولهم بصمات لا تمحى في مسيرتي.

 ولكن المرحلة الأساسية التي كانت لها الحيّز الأكبر في مجال الفن والخط كانت المرحلة الثانوية ومن ثم الجامعية.

 خلال المرحلة الجامعية انتسبت الى معهد الثقافة الشعبية قسم الخط، فضلا عن دراستي في كلية الآداب قسم اللغة العربية في جامعة دمشق، وتخرجت من المعهد بتقدير ممتاز حيث كنت من الاوائل على دفعتي آنذاك .

  أتذكر أنني عندما كنت طالباً خلال المرحلة الاعدادية والثانوية، كنت متعلقاً كثيراً بتنفيذ لوحات جدارية (لوحة الحائط ) والوظائف الشهرية لطلاب وطالبات الحي  حيث كنت أرسم لهم واخطط تلك الأعمال بكل عناية، تلك اللحظات كانت لها أثر كبير في صقل موهبتي، رغم أن مجمل الأعمال الفنية التي كنت أقوم بها كانت مجانية، وأحياناً كنت أصرف ما في جيبي في سبيل أن أقدم عملاً فنياً ما.

المعارض الفنية

 خلال المرحلة الإعدادية  شاركت بعدة معارض مدرسية وبإشراف الأستاذ خليل مصطفى، وفيما بعد شاركت  بمعرض مشترك مع الفنان خليل مصطفى في المركز الثقافي بقامشلو عام 1996، كما شاركت بعدة معارض ومسابقات دولية بين عامي 1996-2008، كما شاركت بمعرض مشترك  مع باقة من الفنانين التشكيليين بصالة سوبارتو في قامشلو  والمعرض كان بعنوان ” الفن مرآة للواقع” عام 2014.

 العلاقة بين الفنان وفنه

 حول علاقة الفنان بفنه يضيف رسول :”علاقتي مع هذا الفن علاقة عشق وموهبة، أنه حب بالفطرة، فمنذ نعومة اظفاري كنت أخط  بأصبعي في الهواء قبل أن ابدأ بالخط والرسم “.

 ويتابع قائلاً: “في الحقيقة اللجوء إلى الفن يريح النفس و يفرغ الشحنات الزائدة، وهناك تفاعل عجيب مع الريشة أو القصبة اثناء تنفيذ أية لوحة، كان هناك تدفق غزير للمشاعر والأحاسيس عبر ريشة الفنان أو قصبة الخطاط، بالطبع الفنان بحاجة إلى جوٍ خاص بعيد عن التشنج يستطيع من خلاله التعبير عن افكاره ومشاعره ورؤيته للواقع  ولظواهره، كل ما في الفن جميل ولكن أحبها إلى نفسي الطبيعة وخاصة طبيعة مناطقنا الكردية وأيضاً للحروف مكانة خاصة في نفسي”.

الخط وجمال الحرف

يعد الخط العربي من الخطوط الكتابية الذي يمكن للفنان أن يتلاعب بشكل الحروف والكلمات ليخرج بلوحة فنية رائعة في الجمال والدقة وبالتالي هو فن تشكيلي إذ لا بد فيه من توزيع كثافة الخطوط توزيعاً عادلاً، ولا بدّ فيه من اختيار الشكل الأنسب إذا كان هناك أمامه خيارات عدة، ولا نسلّم أنَّ الحرف في الكتابة لا يتبدل ولا يتغير بل إنّ الحرف الواحد تختلف أبعاده حسب موقعه من الكلمة وحسب موقعه من الشكل العام، وللخطاط نظرته للحرف فقد يغير في شكل الحرف تغييراً يسيراً في بعض الأماكن للحاجة وهو ما يسمّى في عرف الخطاطين بالتصرف ، وقد يحتاج إلى تسمين الحرف تسميناً زائداً على ما تقتضيه قواعد الخط المتبعة إذا كانت الكتابة كبيرة وفي موضع بعيد عن الناظر وهو ما يسمّى بالخط الجلي، فإن كانت الكتابة صغيرة وقريبة من العين كانت نحافتها عادية على حسب القاعدة وهذا ما يسمى بالخط الخفي، وقد يعمد الخطاط إلى صبّ الكتابة في إطارٍ عام ( كالدائرة والمثلث والمربع والمستطيل والشكل البيضي) بمعنى أدق إن الفنان يقوم بهندسة الحروف ويخترع أشكالاً هندسية لا حدَّ لها ولا حصر، فمن كتابة الحرف إلى تشكيله إلى تركيبه كأن يركّب الحروف في طبقات متداخلة ثلاثة بشكلٍ متماثل

ويندر جداً أن تتفق الخواطر على شكلٍ واحدٍ مما يدلُّ دلالةً قاطعةً على أنّ مجال الإبداع مفتوحٌ في الحروف ومفتوحٌ أكثر في الشكل العام الذي يتألف من الحرف.

إنّ تنوّع الخطوط العربية وتعدّد أشكالها منحها خصائص جمالية قلّما نشاهدها في اشكال الكتابة الأخرى كاللاتينية مثلاً. فالخط العربي له جمال هندسته و نسقه ما جعله مرناً ومطاوعاً في الرسم.

مفردات وأشكال الخطوط العربية المرونة والمطاوعة المقياس والنسب الامتزاج الفني والروح في الخط قابلية الخطوط العربية على التشكيل التوثيق والتدوين كما أن هناك جمالاً معنوياً مضافاً يدركه المرء ببصيرته قبل البصر وهذا الجمال المعنوي هو فوق القواعد الخطية وهو أيضاً غير تناسب الحروف والكلمات، تلك هي روح الجمال أو بعبارة أخرى عبقرية الجمال ولا يدرك هذا الجمال المعنوي ولا يفهم جاذبيته إلا من علا حسّه المعنوي وذوقه الفني.

  الكثير من الفنانين  من غير العرب وحتى من غير المسلمين  وقع في نفوسهم سحر الحرف، فسخّروا أقلامهم لتزيينه خاصة فيما يتعلق بالآيات القرآنية .

 ماذا عن الخط العربي                                               

يمكن أن نجمل بأن أصل الخط العربي الحالي يعود إلى  بدايات  ظهور الإسلام في الجزيرة العربية حيث يرى بعض الباحثين  أن اصل الخط العربي جاء من “الخط النبطي”، ويرى آخرون أنه متأثر “بالخط السرياني” وقيل إن العرب كتبوا بمكة بخط يسمى “الخط المكي” المشتق من النبطي، وفي المدينة كتبوا بخط يسمى “الخط المدني”، وفي الكوفة يسمى “الخط الكوفي”، ومع انتشار الإسلام ظهر ما يسمى “بالخط الدمشقي” …إلخ.

  وللإسلام دور كبير في نشر الخط العربي في الشرق الأوسط وعموم العالم  حيث كان في أصله خطاً قرآنيا بامتياز، وهذا  ما فسرَّ عدم دخوله وتطوره في منظومة التقنيات الحداثية.

ومن الجدير بالذكر أن العرب سمّو الخطوط بأسماء إقليمية لأنهم استجلبوها من عدة أقاليم فنسبوها إليها لذا عُرف الخط العربي قبل ظهور الاسلام بالنبطي والحيري …. وبعد أن انتشر الإسلام إلى الأقاليم والجغرافية المجاورة ظهر أبدع الاقوام والشعوب الاخرى في الخط العربي وزينوا به جدران وواجهات الاماكن الدينية والمنازل والقصور، فظهر الخط الكوفي والدمشقي….إلخ .

وقد نتج من المزج بين الخطين نوع ثالث، ولعل أشهر الخطوط العربية هو خط الثلُث ويعرف بأم الخطوط وأصلها، فلا يعد الخطاط خطّاطاً إلا إذا أتقن خط الثلُث، وهو أصعب الخطوط، يليه النسخ، ثم الفارسي.

ويستعمل خط الثلث في الكتابة على جدران المساجد والمحاريب والقباب والواجهات والمتاحف، وكذلك في عناوين الصحف والكتب، كما تكتب به أوائل السور في القُرّأن، وهو خط يحتمل كثيراً من التشكيل.

الخط الفارسي… فن وهوية

كان الفرْس قديماً يكتبون بالخط “البهلوي” ويسمى أيضاً بالخط الفهلوي، وفي العهد الاسلامي انتقلت الكتابة والحروف العربية إليهم، وأصبحت الكتابة بالعربية هي كتابتهم الرسمية ، وحلت الحروف العربية محل الحروف البهلوية.

 خط الرُّقعة يمتاز باستقامة حروفه أكثر من غيره من الخطوط، وهو لا يحتمل التشكيل أو التركيب، وفيه وضوح ويقرأ بسهولة، ويعد أسهل الخطوط جميعاً، كما أنه يعد الأصل في الكتابة اليومية لدى الناس، حيث يستخدم في المراسلات والكتابات اليومية وعناوين الكتب والمجلات وفي الإعلانات التجارية، وذلك لبساطته ووضوحه وبعده عن التعقيد.

وقد جاءت بساطة خط الرقعة لكون حروفه خاضعة للشكل الهندسي البسيط، فهي سهلة الرسم معتمدة في ذلك على الخط المستقيم والقوس والدائرة فضلاً عن طواعيته لحركة اليد السريعة، إضافة إلى كون حروفه واضحة القراءة ذات شكل جميل.

الخط الديواني وينسب أيضاً إلى العهد العثماني، وقد سمي هذا الخط بالديواني لاستعماله في الدواوين

ويتميز الخط الديواني بتشابك حروفه مما يصعب على غير المتخصصين قراءته أو الكتابة به، والخط الديواني جميل ومنسَّق للغاية، ويستعمل حتى يومنا هذا في المراسلات والمراسم والأوسمة وبطاقات المعايدات، فضلاً عن قيمته الفنية في اللوحات والنماذج التشكيلية.

ومن اشكال الخطوط أيضاً خط “الطغرى”  ويكمن اعتباره شكل من أشكال خط الثلث على شكل، وكانت تكتب به على النقود في العهد الايوبي والمملوكي والعثماني

 ومن اشكال الخطوط الحديثة هناك خط يسمى بخط التاج  ويتميز بوضع إشارات في أعلى الحروف تمثل التاج الملكي وأزدهر هذا الخط في مصر.

مستقبل الثقافة في الواقع الكردي

 الكثير من الفنانين والمثقفين والأدباء شكلوا الأرضية المناسبة للنهوض بالواقع الثقافي في بلدنا، وبدوري كفنان أرى إن المستقبل سيكون هو الأفضل وهو ما يجب أن نعمل من أجله .

زر الذهاب إلى الأعلى