مقالات

حزب الاتحاد الديمقراطي إرادة مجتمعية وريادة ملحمية لإحداث التغيير الديمقراطي

نعيش هذه الأيام الذكرى السنوية السادسة عشر لتأسيس حزب الاتحاد الديمقراطي وهنا لا يسع المرء إلا الوقوف بإجلال واحترام امام عظمة هذا الحزب الذي كان في طليعة الحراك الثوري منذ اليوم الأول من تأسيسه ولايزال عبر التضحيات الجلية التي قدمها سواء عبر طليعته المناضلة من أمثال الشهيدة شيلان كوباني ورفاقها أو عبر فكره وأيدولوجيته الثورية التي تعد امتداداً لفلسفة الحرية التي رسخها القائد عبد الله اوجلان والطليعة الملحمية التي انطقت من على ذرى جبال كردستان والمقاومة العظيمة داخل سجون الفاشية التركية وذلك عبر صرخة الحرية التي أطلقها القائد الشهيد معصوم قرقماز ومظلوم دوغان ورفاقهم.

لا شك أن الدور الطليعي  الذي تبناه حزب الاتحاد الديمقراطي قبل ستة عشر عاماً عبر منظومته الفكرية وأيدولوجيته الثورية استطاع أن يحتل الصدارة  لتمثيل مكونات وشعوب شمال وشرق سوريا  ورؤيتهم الحقيقية لحل المعضلة السورية وذلك عبر طرحه النموذجي لمشروع الإدارة الذاتية وآليتها المدنية المؤسساتية، وهذا العطاء الخلاق لا يزال مستمراً إلى اليوم والذي يعتبر ثمرة طبيعية للتضحيات العظيمة للحركة التحررية الكردستانية منذ أربعين عاماً. ومن هنا فإن حزب الاتحاد الديمقراطي كان دوماً هو النموذج الصاعد لالتقاء إرادة الشعوب بكل  مكوناتها وطوائفها، في وقت كانت سياسة الأنظمة تعمل من أجل الدولة والسلطة وليس من أجل الشعوب والمكونات، وكانت الأنظمة بعيدة عن شعوبها بل كانت غريبة عنها وتفضل مصالحها على مصالح شعوبها.

وبهذا الصدد يذكر القائد عبد الله أوجلان في كتابه المعنون القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية: (إن ما يجب أن يَسري في الميدانِ الاجتماعيِّ الذي تتواجدُ فيه السياسة، هو المصالحُ الحياتيةُ للمجتمع، وسلامتُه ورُقِيُّه بُنيةً ومعنىً. بينما المجتمعاتُ التي تَغيبُ أو تضعفُ فيها السياسة، لن تتخلصَ من معاناةِ نيرِ سلطةٍ إباديةٍ واستعماريةٍ من الخارج، أو استغلالِ وقمعِ نخبةٍ سلطويةٍ وطبقةٍ استغلاليةٍ من الداخل. من هنا، فأعظمُ حَسَنةٍ يُمكنُ القيامُ بها من أجلِ مجتمعٍ ما، هي النهوضُ به إلى مستوى المجتمعِ السياسيّ. والأفضلُ من ذلك هو البلوغُ به إلى ديمقراطيةٍ دائمةٍ وبنيويةٍ تَنشطُ فيها السياسةُ الديمقراطيةُ على مدارِ الساعة. وبقدرِ تصييرِ مجتمعٍ ما أخلاقياً وسياسياً، فإنه يَغدو بالمِثلِ ديمقراطياً وحراً ومُفعماً بالمساواة)

وهنا يكمن الفرق بين حزب يسعى إلى إدارة المجتمع عن طريق نشر السياسة الأخلاقية عبر بناء مؤسساته المدنية وطرح حلول ومشاريع لانتشاله من براثن الإبادة والانحلال والصهر الثقافي  وبين أحزاب ونخب بيروقراطية تسعى إلى استغلال المجتمع للوصول إلى السلطة القائمة على المنفعة الفردية الهدامة عبر تكريس الهيمنة واحتكار الإرادة الحرة للمجتمع بتأطيره بطبقات ارستقراطية ممنوعة من التغيير والمساس ببنيتها المتعجرفة.

حيث يمكننا القول بأن حزب الاتحاد الديمقراطي  PYD خرج من ضمن معاناة شعبه وورث النضال من دماء شهدائه ليجعل من فلسفة وثقافة المقاومة حياة أساساً في عمله النضالي والحزبي ليكون بذلك في مقدمة الحراك الثوري ويصبح الأداة والوسيلة التنظيمية الأكثر فعالية في روج آفا وسوريا  وأحد أهم ركائز الحل في منطقة الشرق الأوسط عامة وذلك عبر منظومته القيمية وفكره المنفتح وأيديولوجيته الثورية حيث يمكننا القول إن نضال حزب الاتحاد الديمقراطي وتبنيه للمنهجية الثورية هو في الأساس لترسيخ قيم ومبادئ الأمة الديمقراطية والعيش المشترك الذي يشكل صلب الفلسفة والأيديولوجية التي طرحه كحل أنجع للمعضلة السورية المستفحلة منذ قرابة التسع سنوات والتي توافق عليها جميع شعوب ومكونات وطوائف وأديان شمال وشرق سوريا والعمل على بناء نظام تعددي يكون نواته التنوع الثقافي وبنيانه القيم والمبادئ المجتمعية الاصيلة, فمنذ اليوم الاول من انطلاقة الثورة في عموم روج آفا في 19 تموز عام 2012 كان الفكر والفلسفة والأيديولوجية التي تبناها حزب الاتحاد الديمقراطي هي تغيير بنية النظام ومرتكزاته الأيديولوجية الفاسدة والمتفسخة وبناء نظام تعددي لامركزي يدير نفسه ذاتياً وعلى هذا النحو كان إعلان الادارة الذاتية لتشكل النواة المجتمعية الحقيقية لإحداث التغيير الشامل والجذري في هيكلية السلطة أو الدولة ولتصبح نموذجاً حياً للأيديولوجية الثورية ضد القوالب والذهنيات التسلطية المهيمنة حيث يمكننا القول بهذا الصدد إن النضال الأيديولوجي لحزب الاتحاد الديمقراطي  يعد من أكثر أوجه النضال  رسوخاً في تبنِّي قِيَم ومبادئ الثورة  لشعوب ومكونات الادارة الذاتية وأهم القلاع التي استطاعت التصدي لجميع المخططات والقوالب الأيديولوجية المستنسخة من القوموية العنصرية والطائفية والتسلط والإرهاب.

كما ثورة روج آفا باتت تكنى بثورة المرأة الحرة  بكل ما تعنيه المعاني الراسخة للفلسفة الأوجلانية المستمدة من القيم الأصيلة لمجتمعاتها الطبيعية فقد أثبتت المرأة جدارتها على كافة الأصعدة ساعية لخلق مجتمع ديمقراطي بإرادة حرة تشارك فيها المرأة بندية مع الرجل لتحقيق العدالة والمساواة في جميع ميادين الحياة وترى المرأة ضمانة لبناء أواصر التعددية وسداً أمام الذهنية الذكورية المتسلطة فحسب نظرة حزب الاتحاد الديمقراطي  للتاريخ: المرأة هي أول من طُبقت عليها العبودية والاستغلال وحرية المجتمع مرتبطة بشكل وثيق مع حرية المرأة لذلك أن النضال من أجل الحرية تبدأ من حرية المرأة ومن المعلوم أن حزب الاتحاد الديمقراطي يُعد طليعة استثنائية عَمِلَ على تكريس التشاركية الندية للمرأة في منهجه الفكري وتبناه في عمله التنظيمي ممارسة وسلوكاً  فقبل المؤتمر السادس لحزب الاتحاد الديمقراطي  كان نسبة التمثيل 40% بين كِلا الجنسين وبعد المؤتمر السادس أصبح التمثيل 50 % هذا وأن نظام الرئاسة  المشتركة معتمد في الحزب بكافة لجانه وتشكيلاته التنظيمية والإدارية، هذا ويمكننا القول: إن حزب الاتحاد الديمقراطي من حيث الممارسة السياسية والدبلوماسية هو الحزب الوحيد الذي أثبت جدارته على الصعيد الداخلي والخارجي وخاصة من ناحية تمثيل المرأة في المحافل الدولية والعلاقات الدبلوماسية بحيث يمكننا التأكيد إن المرأة في روج آفا أصبحت إرادة قائمة بذاتها وذلك عبر مؤسساتها المدنية و الدفاعية وقد أثبتت ريادتها في إدارة المجتمع والدفاع عن قيمه وذلك عبر تضحياتها ومشاركتها في جميع ميادين الحياة المجتمعية وباتت إرادة المرأة في روجافا وشمال شرق سوريا رمزاً لمناهضة الظلم والاستعباد والإرهاب العالمي ابتداءً من الرعيل الأول لحزب الاتحاد الديمقراطي الشهيدة شيلان كوباني ورفاقها  مروراً بأيقونات الحرية  آرين وبيمان وفيان …. وغيرهن من اللائي جَسَّدْنَ أروع ملاحم البطولة في تاريخ البشرية.

زر الذهاب إلى الأعلى