حواراتمانشيت

آلدار خليل: أردوغان يبحث عن  طريقة للتخلص من أزماته

الخلافات والتناقضات وحالة الضعف التي يعيشه حزب العدالة والتنمية في تركيا والحالة الاقتصادية المتدهورة والانشقاقات التي تتم ضمن حزب العدالة والتنمية, والاستياء الشعبي الداخلي ضد أردوغان, كلها عوامل تدفعه لأن يبحث عن  طريقة ليتخلّص بها من أزماته تلك, وذلك من خلال اختلاق حالة حرب وافتعال المشاكل دون التفكير في خلفياتها وما يمكن أن تتسبب به ليتمكن من تجاوز أزمته الداخلية.

 بعد اتفاق تركيا مع التحالف الدولي لمحاربة داعش حول آلية أمنية مستدامة لمعالجة المخاوف الأمنية المتبادلة بين ما تدعيه تركيا بالتهديدات لأمنها القومي والمخاوف المحقّة للإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا من التهديدات التركية المستمرة بالهجوم على المنطقة, وبعد إقامة مركز عمليات مشترك بين التحالف الدولي وتركيا وتسيير الدوريات المشتركة, وإيفاء قوات سوريا الديمقراطية بالتزاماتها ضمن الاتفاق المبرم, يبرز أردوغان من جديد ليعرب عن عدم رضاه لما تم التوصل إليه من خلال الاتفاق.

 فبعد الهزيمة في انتخابات اسطنبول رغم إعادتها, استشعر أردوغان وثلته الحاكمة بالخطر الذي يهدد حكمه, وبعد أن قام بتصفية الجيش والمؤسسة العسكرية التركية من القيادات والأفراد التي كان من الممكن أن تشكل خطراً على سياسته التي ينتهجها, ها هو الآن يقوم باعتقال وعزل رؤساء البلديات الذين تم انتخابهم من قبل الشعب التركي, بحجج مزيفة ترقى إلأى الشوفينية, وكذلك الأزمة الاقتصادية التي تعصف بتركيا, والاستياء الشعبي من سياسات الحكومة, كل هذه الأمور خلقت أزمة داخلية متفاقمة في تركيا.

ومن ناحية أخرى فإن التحالف مع روسيا وشراء الأنظمة الدفاعية الروسية وتشاركه مع روسيا وإيران في  سوتشي وأستانا, جعل الغرب يعيد حساباته في أهلية تركيا كحليف وكعضو في الناتو, مما خلق أزمة بين أمريكا وتركيا من الصعوبة تجاوزها.

كل هذه الأمور تدفع أردوغان لإيجاد ما يخلصه من أزماته الداخلية على الأقل ولو على حساب تدمير شعوب المنطقة, هو يظن أن اللعب على الوتر القومي التركي من خلال اختلاق أوشن حربٍ على الكرد, وتزيينها بالشعارات القومية ستعيد إليه شعبيته التي اهتزت في المجتمع التركي, ويصرف من خلالها أنظار الأتراك عن الأزمات الداخلية.

 فما هي أسباب عدم رضا أردوغان عن اتفاق حماية الحدود الذي أبرمه هو وحكومته مع التحالف لدولي والولايات المتحدة؟

وما الذي يطمح إليه أردوغان وحزبه ؟

وحول قضية عودة اللاجئين الذين يعمل أردوغان على إرسالهم إلى مناطق شرق الفرات وتوطينهم هناك, بحيث يدعي أن هذا الأمر هو ضمن اتفاق حماية الحدود المبرم مع التحالف الدولي, ما هي الآلية المتفق عليها بخصوص قضية اللاجئين السوريين في تركيا؟

 وموقف النظام السوري الذي ظل صامتاً إزاء الاحتلال التركي لجرابلس وإعزاز والباب وعفرين, ولم يصدر عنه أي استنكار أو رفض لهذا الاحتلال كأضعف الإيمان, بينما يتحين الفرص من أجل الهجوم على الإدارة الذاتية الديمقراطية ويصفها بالاحتلال رغم أنها تمثل 30% إن لم يكن أكثر من مكونات الشعب السوري.

أردوغان نادمٌ على  التفاهم الذي أبرمه مع الوفد الأمريكي بخصوص حماية الحدود

لشرح هذه التساؤلات التقت صحيفة الاتحاد الديمقراطي مع القيادي في الإدارة الذاتية الديمقراطية (آلدار خليل), والذي بدأ الحديث قائلاً:

كان قبول الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا بمبدأ الحوار والبحث عن حل بوساطة أمريكية مع تركيا من منطق تجنب الحرب وتجنيب المنطقة هجمة تركيّة تستهدف جميع المكونات والجغرافيا السورية, لذلك حاولت الإدارة الذاتية منذ بداية تأسيسها وإلى الآن إقناع الأطراف الأخرى بضرورة التوافق حول صيغة حل تمكننا من حماية  المنطقة من التهديدات التركية وإيقاف تركيا عند حدها وإيقاف تهديداتها التي كانت تطلقها دائماً بأنها ستهاجم المنطقة, وبالفعل تم التفاهم ما بين الطرف الأمريكي وتركيا بخصوص حماية الحدود, ولكن يبدو أن الطرف التركي ما زال مصراً على الحرب وما زال يقرع طبولها, فحزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان متعطّش للحرب, لأن الاتفاق الموجود بين حزب العدالة والتنمية والحركة القومية التركية المتطرفة منذ سنوات ما زال أردوغان متمسكاً بهذا الاتفاق, لذلك فهو يتحرك وفق الاتفاق المبرم بينهما, والذي يهدف إلى إنهاء الوجود الكردي أولاً ونسف أي تجربة ديمقراطية تتشكل في المنطقة, ولكي يحافظ أردوغان على حكومته ونظامه فهو بحاجة إلى خوض حرب في المنطقة,  وبغضّ النظر عن آلية وماهية وكيفية الإدارة الموجودة هنا في المنطقة فهو بحاجة إلى نشوب حالة حرب, لذلك فهو مصرّ على الهجوم, ومهما تم تقديم التطمينات والضمانات له فهو يدّعي بأنها لا تكفي, لأنه مقتنع بأن تجاوز الخلافات والتناقضات وحالة الضعف التي يعيشها حزب العدالة والتنمية في تركيا والحالة الاقتصادية المتدهورة والانشقاقات التي تتم ضمن حزب العدالة والتنمية والاستياء الشعبي الداخلي ضد أردوغان كلها عوامل تدفعه لأن يبحث عن  طريقة لكيفية التخلص من أزماته تلك, وذلك من خلال اختلاق حالة حرب وعندها قد يتمكن من تجاوز الأزمة الداخلية, ويبدو من تصريحات أردوغان وحكومته ووزرائه بأنه نادمٌ على  التفاهم الذي أبرمه مع الوفد الأمريكي منذ فترة بخصوص حماية الحدود, وهو يصر على العودة عنه واللقاء مع الرئيس ترامب  للسعي إلى ضرورة أن يجد له موطئ قدم في المنطقة واختلاق حالة حرب.

طبعاً أردوغان كان ما زال يريد أن يكون العامل المؤثر والقوة المؤثرة في سوريا هي الحركات الجهادية والمتطرفة, وهو لا يقبل أبداً بتطور النظام الديمقراطي فيها, لذلك هو لا يقبل هذا التفاهم الحاصل وسيسعى في الفترات القادمة إلى إيجاد حجج للتنصّل من تلك التفاهمات.

أردوغان استغل مأساة الشعب السوري ليكسب من خلاله الكثير من القضايا

وبالنسبة لقضية اللاجئين وعودتهم التي يتحجج بها أردوغان وحكومته, أوضح (آلدار خليل) ذلك بالقول:

أردوغان ومنذ بداية الأزمة السورية وإلى الآن حاول اللعب على الكثير من الحبال في القضية السورية, ففي بداية الثورة سحب جميع من يدعون بأنهم معارضة سورية إلى تركيا, وفتح لهم المكاتب وتبنّاهم, وبنى لهم قوات عسكرية وجمع لهم المقاتلين من جميع البلدان والدول, ولعب دور الناقل لتلك المجموعات إلى الأراضي السورية, وبذلك فهو التفّ على الثورة السورية وجعل منها مصدراً للتحكم بمصير الشعب السوري, ويمكن القول بأن أردوغان لعب دور سيئ وسلبي جداً فيما يخص الثورة السورية وطموحات الشعب السوري, فبالإضافة إلى الأمور والاتفاقيات السياسية والاقتصادية التي تمت واستفادت منها تركيا على حساب الشعب السوري فهناك موضوع اللاجئين السوريين, فأردوغان استغل مأساة الشعب السوري متظاهراً في البداية بأنه يتبنى الحالة الإنسانية للاجئين السوريين, ولكن تبين فيما بعد بأنه يستغلهم من أجل الضغط على أوروبا وروسيا والنظام السوري والأمم المتحدة كي يكسب من خلالهم الكثير من القضايا, فمن الناحية المالية تلقّى من الاتحاد الأوروبي أكثر من سبعة مليارات يورو وكذلك أخذ الكثير من الأموال من منظمات الأمم المتحدة, وكذلك فهو يمارس الضغط الدائم على الاتحاد الأوروبي أثناء اللقاءات السياسية والدبلوماسية فهو يهددهم  دائماً باللاجئين, ولذلك نجد بأن الموقف الأوروبي في الكثير من الأحيان يشوبه الازدواجية وتقديم التنازلات لتركيا لتلويحها بورقة اللاجئين.

إرسال اللاجئين إلى مناطقنا سيخلق صراعاً  في المنطقة

وأشار آلدار خليل إلى استخدام تركيا لورقة اللاجئين في الضغط على أمريكا أيضاً, وقال:

في الفترة الأخيرة بات أردوغان يهدد أمريكا والتحالف الدولي والسوريين بشكل عام بإرجاع اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا إلى الأراضي السورية, والكل يعلم أنه قام بتوطين عوائل مرتزقته في عفرين, من أجل إحداث التغيير الديمغرافي فيها, وهو يقوم باستغلال موضوع اللاجئين ويدعي بأنه سيؤمن لهم أماكن ليعيشوا فيها, ولكن في حقيقة الأمر هو يعمل على إحداث التغيير الديمغرافي في عفرين, والآن يريد تكرار هذا السيناريو مرة أخرى وإرسال اللاجئين إلى مناطق سورية أخرى وبالتحديد إلى شرق الفرات, وهدفه من ذلك هو إحداث التغيير الديمغرافي المناسب له أولاً, وثانيا عند إرساله لأولئك اللاجئين إلى المنطقة سيقوم بخلق حالة صراع ونزاع بين مكونات المنطقة وأولئك اللاجئين, و ستعتُبر هذه الخطوة محاولة من أردوغان لإجهاض مشروع الأمة الديمقراطية التي خلقت حالة تواؤمٍ وتلاؤم وتفاعل وتطوير لمفهوم الحياة المشتركة والتشاركية بين المكونات, وإذا تمكّن أردوغان من إرسال اللاجئين إلى مناطقنا سيخلق ذلك حالة صراع في المنطقة وبالتالي ستستمر حالة من عدم الاستقرار في سوريا.

كل لاجئ عليه أن يعود إلى قريته ومدينته وبيته

وعن موقف الإدارة الذاتية من هذا الموضوع قال آلدار خليل:

نحن موقفنا واضح, اللاجئون الذين هم من المنطقة يمكنهم العودة إلى مناطقهم وقراهم بكل حرية ومن دون أن يتسبب أحدٌ بأي إزعاج لهم, وقد يُستثنى من هؤلاء الأفراد والأشخاص الذين تسببوا بالتفجيرات وقتل المدنيين ومن شارك في العمليات الإرهابية والعسكرية ضد أهالي المنطقة, بالمختصر يجب أن تكون السجلات الأمنية لمن يعود إلى المنطقة نظيفةً, وأما قضية اللاجئين الذين هم من مناطق سورية أخرى فهذا موضوع آخر يتطلب التفاهم مع الأمم المتحدة والمنظمات المرتبطة بها لإيجاد حل لهؤلاء اللاجئين, فنحن كسوريين وكجزء من سوريا وندير الآن 30% من سوريا فهذا يعطينا الحق بأن نتحدث ونتحاور مع منظمات الأمم المتحدة للبحث عن حل لأولئك اللاجئين الذين هم من مناطق أخرى, والمبدأ العام هو أن كل لاجئ عليه أن يعود إلى قريته ومدينته وبيته, وإن كانت هناك مناطق غير مستقرة وغير آمنة فهذا يوصلنا إلى ضرورة أن نتوصل إلى حل للأزمة السورية, ونكون كإدارة ذاتية ديمقراطية لشمال وشرق سوريا شركاء ضمن مفاوضات جنيف ونكون مشاركين في اللجنة الدستورية ونكون طرفاً يتم التحاور معه بخصوص جميع هذه الإشكاليات والقضايا.

النظام ينتظر الفرص والمفاجآت ليتمكن من السيطرة على عموم سوريا

وحول عدم تخلي النظام السوري عن ذهنيته القديمة قال (آلدار خليل):

النظام السوري عليه أن يدرك بأنه للوصول إلى سوريا ديمقراطية والوصول إلى حالة الاستقرار والأمان في سوريا فلا بد أن يقتنع بأن عليه التحاور مع القوى الموجودة على الأرض في سوريا, للاتفاق على صيغة معينة لسوريا المستقبل, ولكنه للأسف ما زال حتى هذه اللحظة مصراً على تعنته ومواقفه السابقة, ويبدو أنه يعوِّل على الكثير من الأمور الخارجية وينتظر المفاجآت كي يتمكن من السيطرة على عموم سوريا كما كانت قبل 2011, وحتى لو تمكن من السيطرة على جميع الجغرافيا السورية فهذا لن يعني بأن المشكلة في سوريا انتهت وأن الأزمة تم حلها, بل على العكس ستتفاقم الأمور أكثر, لذلك لا بد له من الإدراك بأن انتظار الفرص لضرب مشروعنا الديمقراطي لن يكون لصالح سوريا (لا النظام ولا الشعب السوري), بل سيكون إعادةً لحالة اللااستقرار والصراعات والحرب, لذلك انتظار الفرص وتحيّنها ليس بالمنطق الجيد والمقبول بل هو إعادة تنشيط لحالة الصراع, ونحن نعتقد بأن هذه السياسة هي سياسة فاشلة ولن تؤدي إلى نتائج إيجابية تخدم مصلحة الشعب السوري وسوريا.

قوات سوريا الديمقراطية قبلت باتفاق حماية الحدود المبرم بين التحالف الدولي الذي هي جزء منه وبين تركيا لدرء مناطق شمال وشرق سوريا الآمنة من حربٍ كبيرة, وطالبت بتفعيل هذا الاتفاق على كامل حدود الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مع تركيا, وقد نفذت المرحلة الأولى من الاتفاق على أكمل وجه وبشهادة التحالف الدولي, ويجب على النظام السوري أن يوجه الشكر إلى قوات سوريا الديمقراطية لأنها حافظت على جزء من الأراضي السورية وجنّبتها من الاحتلال, لا أن يوجه التهديدات والاتهامات, فقد تم احتلال مناطق  درع الفرات وعفرين على مرأى ومسمع النظام السوري وبمباركته أيضاً ولم يحرك ساكناً, وهو يحاول توصيف 6,5 مليون مواطن سوري في مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا بالإرهاب والانفصال, ليس لشيء سوى لأنهم يطالبون بتعميم تجربتهم الديمقراطية على كامل سوريا, ويرفضون نظام الحكم المركزي, ورغم أنهم قدّموا آلاف الشهداء والجرحى في سبيل تحرير أراضيهم السورية من الإرهاب العالمي والحفاظ على وحدة سوريا, ومعظم دول العالم عبَّرت عن شكرها وامتنانها لقوات سوريا الديمقراطية على هذا النصر العظيم ما عدا تركيا والنظام السوري, فهل كل هذه الدول إرهابية؟

بالمختصر فإن تجاوز قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية الديمقراطية وإبعادها عن أية مفاوضات لحل الأزمة السورية, وعدم إشراك ممثليها في اللجنة الدستورية سيفشل أية جهود للتسوية السورية وسيزيد الأزمة تفاقماً.

زر الذهاب إلى الأعلى