مقالات

ثورة ١٩ تموز… حلم تحول إلى حقيقة

سليمان جعفر

تحاول الحكومات السورية المتعاقبة كتم كل صوت كردي يطالب بأن يعيش كباقي البشر، ناهيك عن حرمانهم ومنعهم من حق المواطنة واعتبارهم مواطنين من درجة أدنى، وقد جرّد النظام السوري مئات آلاف الكرد، الذين وُلدوا هم وأجدادهم على هذه الأرض، من المواطنة، وسحبت منهم الهوية السورية، وباتوا غرباء على أرضهم، وتمنع عليهم التوظيف وشراء الآليات والمحلات التجارية.

هذا الأمر حمّل الكرد أعباء كبيرة اضطروا للعمل في كافة الأعمال القاسية لكسب قوتهم.

إزاء هذا الوضع المُزرٍ كان لابد للأحزاب الكردية أن تضع على رأس جدول أعمالها، الدفاع عن هذا الشعب ومحاولة زرع نوع من الطمأنينة لديه.

ولكن مع الأسف لم تكن تلك الأحزاب على قدر المسؤولية التاريخية المطلوبة، حيث تكاثرت أعدادها بشكل مخجل، واتجه عملها إلى ما يخدم المصالح الشخصية لقادتها، فبات الشعب الكردي يمقت السياسة والسياسيين والأحزاب.

بقي الوضع السياسي هكذا بين شدٍّ وجذب وتكاثر الأحزاب والحركات السياسية وما تبعها من ازدياد عددها، حتى انتشرت فكرة حركة حرية كردستان في روج آفا. احتضنها الكُرد ولامست شعاراتها وأهدافها شغاف قلوب الكرد، وخاصة عندما انطلقت الرصاصة الأولى من بندقية “عكيد”، فتقاطر الشبان والشابات زرافات زرافات (مجموعات) من كل مكان للانضمام إلى صفوف هذه الحركة، حتى وصل صدى صوتها إلى كل مكان، واستطاعت أن تقلب المخططات المعادية للشعب الكردستاني رأساً على عقب وتعيد البسمة لهذا الشعب الذي قال عنه المتغطرس التركي بأنهم قد دفنوا الكرد وقضيتهم الى الأبد، ولكن المارد الكردي بقيادة الشاب الثوري آبو (APO ) كسر الأصفاد وأيقظ الكرد من سُبات الموت، وانتفض يمتشق السلاح ليعيد البسمة على شفاه الشعب.

وفي أعقاب انتفاضة قامشلو ٢٠٠٤، وما تبعها من سقوط الشهداء والجرحى والاعتقالات التعسفية على يد قوات الأمن السوري، وجّه القائد تعليماته للكريلا لتكون مستعدة للدفاع عن كرد روج آفا، فارتفعت الروح المعنوية للشعب عندما وجد بأن هناك من يدافع عنه بشكل عملي وليس بالشعارات البرَّاقة كما كانت تفعل بقية الأحزاب على مدى سنوات طويلة من تخدير الشعب.

مع انطلاق الأزمة السورية عام ٢٠١١ وحدوث الفراغ الأمني والخدمي في روج آفا، كان لابد من العمل ودون إهدار دقيقة واحدة للدفاع عن الشعب، وكانت قمة العمل هي قيام ثورة التاسع عشر من تموز ٢٠١٢ التي زادت من ثقة الشعب بقواته العسكرية، فزاد من تلاحمه وتكاتفه حولها.

وكانت للمرأة الكردية في هذه الثورة كلمتها، ولم تخيّب ظن القائد بها، حيث كانت الرائدة في قيادة  الثورة والجماهير، وأصبحت روج آفا كخلية نحل، الكل يعمل أكثر من طاقته، والكل يحاول عدم هدر الفرصة المتاحة، وأقام الكومينات والمجالس والهيئات، وافتتح المدارس والمعاهد والجامعات باللغة الكردية يصدح فيها يومياً نشيد “أي رقيب” (Ey Reqîb) ونشطت الدبلوماسية من خلال افتتاح ممثليات للإدارة الذاتية في كبريات العواصم العالمية أوصلت معاناة ومطالب الشعب في روج آفا إلى المحافل الدولية، وتبعتها خطوات هامة في الداخل حيث احتضنت الإدارة الذاتية كافة المكونات كما تحضن الأم أولادها، وأعطت الحق لكل مكون بالتمتع بلغته الأم وبثقافته بكل حرية، وسار مشروع أخوة الشعوب المستند لمشروع الأمة الديمقراطية الذي أطلقه القائد أوجلان سنة ١٩٩٣ رداً على مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي  أطلقته الولايات المتحدة قبل عام، فكان ومازال مشروع الأمة الديمقراطية اللبنة الصلبة التي ستتكسر عليها كل المؤامرات التي تحاك ضد الادارة الذاتية.

ورغم تكاتف الغرب والشرق مع دولة الاحتلال التركي ومنحها الضوء الأخضر لاحتلال “عفرين” و”سرى كانية” و”كرى سبي” ومحاولة إفشال مشروع الادارة الذاتية وحرمان الشعب من المكتسبات التي حصل عليها بعد تقديم آلاف الضحايا والشهداء، لن يستكين شعبنا لغطرسة المحتل التركي وأعوانه وسيصّعد مقاومته حتى تحرير كل المناطق المحتلة، وتحرير القائد فيزيائياً، وبناء سوريا دولة ديمقراطية لامركزية، سوريا لكل السوريين.

زر الذهاب إلى الأعلى