مقالات

بين الباندول والمزحة … واقع الشمال السوري

لا يكادُ الكردُ وشركاءهم من شعوبِ الشمالِ السوريِّ أن ينسوا قصةَ الجعفري وحبةِ الباندول، حتى يخرجَ إليهم المقداد واصفاً كلَّ هذهِ الانجازاتِ التي تحققت على الأرضِ بفضلِ الكردِ وشركائهم والنموذج الديمقراطي في الإدارة الذاتية والفيدرالية الديمقراطية التي طُبِّقَتْ وأصبحتْ واقعاً ملموساً على الأرض، حتى أنها وضعتْ التقسيماتَ الجغرافية للأقاليم الفيدرالية، ووضعت قانوناً للانتخاب، فهل ينظر الجعفري والمقداد فيصل والسلطةُ في دمشق إلى كلِّ هذه الانتصاراتِ على الإرهاب وهذهِ الإدارةِ وهذهِ القوة التي لم تعد تستهانُ بها في سوريا، وهذهِ المساحةِ الواسعةِ المحررةِ من الإرهابِ بفضلِ جهودِ وتضحياتِ أبناءِ وبناتِ هذهِ المناطق، وإلى الانتخاباتِ التي ستجري في القريبِ العاجل بشأنِ تقريرِ الشعوبِ في منطقة روج آفا والشمالِ السوريِّ لمصيرهم في الديمقراطيةِ والعيشِ المشتركِ؛ على أنها مزحة.

هذهِ التصريحات التي لا يمكن وصفها إلا باللاسياسية واللاأخلاقية واللامسؤولة، وإن دلت فإنما تدل على شيئين أثنين لا ثالث لهما؛ إما أنك وأسيادك يا فيصل المقداد مازلتم لا ترون أبعد من أرنبةِ أنفكم، ومازلتم تعتقدون أو تحلمون أنكم تلك الدولة المركزية التي لا تهزم، ولها جيشها القوى، وتستطيعونَ استعادةَ السيطرةَ على كاملِ الأراضي السورية، وإعادةِ الحكمِ البعثيِّ المركزيِّ القمعيِّ المعتمدِ على التجويعِ وكمِّ الأفواه، أو أنكم وحكمكم وسيادتكم التي باتت مستباحة من القريب والبعيد؛ أصبحتم بالفعل مزحةً في يدِّ من يتلاعبُ بكم ويحرككم حسبَ رغبتهِ كأحجارِ الدومينو، وهذا أقربُ بكثير من الواقع، لأن شعوبَ منطقةِ روج آفا – الشمال السوري نادوا وينادون منذُ بداية الأزمةِ التي دخلت عامها السابع؛ بالفيدراليةِ الديمقراطيةِ والتعايش المشتركِ وأخوةِ الشعوبِ على مبداً اللامركزيةِ في الحكم، ضمن وحدة الأراضي السورية، والعيشِ ضمن سوريا تعددية ديمقراطية موحدة. وأنتم تتهمونهم بالانفصال وتصفونَ مشروعهم الديمقراطيَّ بالانفصالي، وتقولون عن الفيدرالية – الاتحادية بأنه مشروع انفصالي، فقط لتحافظوا على ما تبقى من حكمكم المركزيِّ في بعض المناطق، وعدم مشاركتكم في أيِّ حلٍ ديمقراطيٍّ يخدم ما تبقى من الشعب السوري، وينهي هذا الصراع المرير الذي دمَّر كل سوريا، وهجَّرَ وقتلَ الآلافَ، بل ومئات الآلافِ من المهجرينَ وملايين النازحينَ والفارين.

الحكمُ المركزيُّ في سوريا انتهى؛ ويجب أن يعلمَ الجعفري والمقداد هذا جيداً، ولا يمكنُ العودةَ إلى الماضي، كما لا يمكن لعجلةِ الزمنِ أن تعودَ إلى الوراء، الدولةُ المركزيةُ ذهبت دون رجعة، وشعوبُ روج آفا والشمال السوريّ قالوا كلمتهم دونما أدنى تردد، لأن سوريا بالفعل بحاجةٍ إلى هكذا مشروعٍ نوعيٍّ ديمقراطيٍّ فيدراليٍّ تعدديٍّ يضمنُ حقوقَ كافةِ المكوناتِ دون تمييز. مشروعٌ نابغٌ من الرغبةِ الشعبيةِ في هذه المنطقةِ التي تفادت الدمار وجَنَّبت شعوبها القتلَ والنهبَ والسلبَ على يد مرتزقةِ الاحتلالِ التركيِّ والفصائلِ الإسلاميةِ المتشددة، وتقوم بإدارة نفسِها بنفسها، واستطاعت نوعاً ما أن تؤمن للشعوب في الشمال نوعاً من الأمن والأمان والعيش بكرامة، وتنادي بإمكانية نشر هذا المشروع على كافةِ المناطقِ السوريةِ لترسي بالسفينة السورية التي تصدعتْ كافةُ سواريها من الأمواجِ العاتيةِ التي فتكت ومازالت تفتكُ بها.

في الخاتمة؛ وإن أراد النظام وأزلامه أن يحاربوا التقسيم واقتطاعَ الأراضي من سوريا فعليهم بمجابهة المحتلينَ وليسَ بأصحابِ الأرضِ والضامنين لوحدةِ إراضيها مع شركائهم، فالاحتلالُ التركيُّ وعملياتهُ وتصرفاتهُ وانتهاكاتهُ واعتداءاتهُ على حرائرِ سوريا، وتتريكهُ لمدينةِ جرابلسَ والباب واعزاز وبعض المناطق الأخرى، ورفع صور اتاتورك ورفع الأعلام التركية على مجمعاتها ومراكزها خير دليل على احتلالها وتقسيمها الفعلي لسوريا. وأنتم لم تجرأوا حتى على التعليقِ على هذا الاحتلالِ بأدنى وأخفِّ كلمةِ استنكارٍ تليقُ بما تبقي لكم منْ سلطة.

زر الذهاب إلى الأعلى