مقالات

(بوبجي) انتصار الحداثة وهزيمة المجتمعات

في صغري كان يدفعني أخوتي بأن أتحايل على والدي الذي كان يجيد رواية القصص كي يروي لنا قصة قبل أن نخلد الى النوم، وهو بدوره لم يكن يبخل علينا في رواية قصص كنا نتخيل أنفسنا أبطالها.

 في ذلك الزمان كان معظم الناس يجتمعون في المضافة يقضون سهرتهم المتواضعة بالحديث عن المحاصيل والزراعة وإطلاق الفُكاهات والنُكت ,وفي أغلب الأحيان كانت تُروى حكاية في السهرة ليعود كل واحد منا إلى داره بطلاً لتلك الحكاية..

ربما يستغرب القارئ عن علاقة العنوان بالمقدمة!؛ سأقولها صراحة: قبل أيام شدَّني أحد الأصدقاء إلى زاوية وجميع فَرَائِصه ترتعد خوفاً وتنزف ألماً.. كيف يمكنك مساعدتي يا صديقي؟ فعائلتي على وشك التفكك والانهيار! إنها “البوبجي” يا صديقي اللعبة التي بدأت تتسلل إلى حياتنا وتنهشها أمام أعيننا ونعجز عن سد الطريق أمامها.. ابني الصغير يتأخر عن دوامه بشكل يومي وابني الآخر بدأت صحته تتدهور نتيجة السهر والتدخين والمنبهات وهو يتشارك مع رفاقه لعبة”البوبجي”. أرجوك لم أجد أحداً أبث له  لواعجي سواك فماذا عليَّ أن أفعل وكيف يجب أن أتصرف ؟ أجبته مبتسماً تسألني الدواء ومن تسألهُ عليلُ…

سألته: من الذي فعل هذا بنا, لنطلق الشجون والآهات ولتختنق أغانينا وحكاياتنا وتختفي قهقة الصغار …؟

ما هي “البوبجي “؟؟

منذ عام 2017انتشرت  لعبة الكترونية تحت هذا الاسم وهي عبارة عن ساحات معارك للاعبين مجهولين ومعروفين أحياناً، يقال أن عدد لاعبيها تجاوز أكثر من 400 مليون حول العالم، اللعبة سرقت عقول الشباب وتركيزهم واستولت على حياتهم الشخصية. وتحولت إلى نوع من الإدمان. فهي تعلمك فن القتل والاستمتاع به، وتطلعك على جميع أنواع الأسلحة والذخيرة وتجبرك على الهروب من عالم واقعي إلى آخر افتراضي خطير، تجعل الإنسان يهرب من واقعه ليعيش في عالم آخر بعيداً عن الحقيقة. فيندمج بها وتختفي مداركه عن الواقع .

هذه اللعبة توهم اللاعبين بأن نهج العنف هي الطريقة الوحيدة للدفاع عن النفس، وأن العنف هو السبيل للوصول الى الهدف المطلوب .

اللعبة هي إحدى منتجات الحداثة الرأسمالية التي تحاول فرض أخلاقياتها لتتم ترويجها خاصة لدى الشعوب المغلوبة على أمرها لتخدم الهدف الأساسي للحداثة الرأسمالية (سيطرة اقتصادية وتجارية وسياسية وثقافية) . مؤخراً بدأ الكثيرون يدركون هذا التهديد الأخلاقي وهذا الخطر القادم من الحداثة، وعن نوع الإنسان الذي يريدون إنتاجه وتحويل الطبيعة البشرية إلى كائنات أخطر ما تكون.وأنه ليست لأطماع الحداثة حدود، فهل يمكن لنا الحد من فعاليتها …؟

موضوع كهذا مع شديد الأسف لم يدخل بعد في حيز اهتمام أجهزة اعلامنا والتي لها دور كبير في توجيه المجتمع ، والقدرة على التأثير بما تملكه من سلطة معرفية ومعنوية .

بصراحة, تبقى الأسرة هي النواة الأولى والرئيسية في تشكيل هوية المجتمع، وغرس القيم والفضائل.

زر الذهاب إلى الأعلى