مقالات

الندم بعد الكارثة

وليد جولي

بعد إخماد ثورة الشيخ سعيد من قبل الفاشية التركية في حزيران 1925م  وتنفيذ حكم الإعدام بحق 47 من قادة الثورة وعلى رأسهم الشيخ سعيد، الذي قال:” إن الحياة الطبيعية بالنسبة لي اقتربت من نهايتها، ولا أندم أبداً لأنني أقدم نفسي قربانا لشعبي، ويكفينا أنَّ أحفادنا لن يشعروا بالخجل نحونا أمام أعدائنا”.

من الملاحظ أنَّه كان يوجد في مجلس الأمة التركي الكبير نواباً كرد عن الولايات الكردية بالو..أورفة..وأنَّ..بدليس..وملاطيا.. وديرسم التي تمثلت بـ حسن خيري الذي أيد حسين عوني النائب عن ولاية أرزروم والذي أعلن أثناء اجتماع استثنائي دعا إليه الفاشي مصطفى كمال، عام 1922م بناء على طلب الإنكليز،  بهدف تمييع وإفراغ مقررات اتفاقية “سيفر”، والتمهيد لاتفاقية لوزان التآمرية.

حيث أعلن النائب حسين عوني: “إن هذه البلاد هي للكرد والأتراك، ومن هذه المنصة أقول: تمتلك أمتان فقط حق الكلام هما الأمة الكردية والتركية، ونحن ككرد لا نريد الانفصال عن الأتراك أبداً”. ذلك الإعلان الذي لاقى تأييداً من النواب الآخرين منهم حسن خيري الذي أعدم فيما بعد مع ابن أخيه جلال محمد،  بأمر مباشر من مصطفى كمال.

حينها سأل حسن خيري  رئيس محكمة الاستقلال “علي صائب”، عن سبب اعتقاله موضحاً له عن مواقفه الإيجابية من الدولة التركية، من خلال إرساله رسائل كثيرة يدعو فيها، أهالي ديرسم الحفاظ على الهدوء والابتعاد عن ثورة الشيخ سعيد.

ورداً على سؤاله يقول رئيس المحكمة: كنتم تأتون إلى اجتماع المجلس في أنقره بالزي الكردي.

يقول حسن خيري: ولكن ذلك كان بأمر من مصطفى كمال نفسه، وكنت من الذين أرسلوا برقيات إلى مؤتمر لوزان نوهنا فيها إلى أنَّ الكرد لا يريدون الانفصال عن تركيا.

ولكن هذا لم يجدِ نفعاً أمام قرار المحكمة التي أمرت بإعدامهم.

للأسف، لقد أدرك حسن خيري مؤخراً سياسة الكماليين المعادية للشعب الكردي.

قبل تنفيذ حكم الإعدام به، أشاد بالثوار الكرد الذين ضحوا بحياتهم في سبيل حرية شعبهم، وهتف قائلاً: “عاش الشعب الكردي، يا ضحايا كردستان، الآن ينضم إليكم حسن خيري”.

على وجه المقارنة فقط، ما بين أفعال وأقوال حسن خيري، وغيرهم من الذين تواطئوا مع العدو، ترى هل ينضم حسن خيري إلى صفوف المقاومين حسب زعمه؟.

أعتقد أنَّنا نعاني كشعب كردي من هذه الآفة منذ مئات السنين، وهي آفة الندم بعد الكارثة.

ترى هل سينضم عزالدين شير “يزدان شير” إلى قافلة المقاومين، بعد خيانته لعمه بدرخان بيك، على الرغم من إعلانه الحرب على الأتراك فيما بعد؟

وهل سينضم.. حاجو آغا ..كامل بيك السوركجي..وحسين باشا الحيدري..وأمين أحمد رمي..وحجي نجيم الديركي..وجميل جتو..ورسول محمد الذين قاموا بحماية (سيرت وخرزة) لصالح الدولة التركية طعناً في ظهر الشيخ سعيد، والذين كان مصيرهم الفناء على أيدي الجندرمة التركية فيما بعد.

ترى هل سينفع ما قاله رسول محمد “على الأكراد أن يقتلوني دون  محاكمة”.

أظننا نعيش اليوم حالة شبيهة بتلك المراحل التاريخية التي مر بها شعبنا الكردي إن لم نقل مطابقة تماماً، فالتاريخ لا ينسى أسطره، والأسطر لا تخالف مدونها.

فعدو الأمس هو نفسه عدو اليوم، وأساليب وسياسة القمع بالنسبة للعدو هي ذاتها، باختلاف شكلية التوازنات الدولية ومصطلحات المرحلة.

فالكمالية التي أضحت عائقا أمام تطلعات الشعب الكردي وبنت أيديولوجيتها القومية وفق هذا الأساس، لا يمكن أن تكون صديقة لأي طرف من الأطراف الكردية في أي وقت كان، فهي تنظر للقضية الكردية بمنظورها الشمولي العنصري،  الذي لا يقبل ذكر اسم الكرد أو كردستان تحت أي ظرف من الظروف.

وهي مستمرة في حياكة المؤامرات والدسائس متمثلة في شخص أردوغان وحزبه الحاكم،  الذي استطاع أن يجمع ما بين الكمالية القوموية والعثمانية الإسلامية التوسعية، ليشكل نظاما أقرب إلى (العثموكمالية) بكل مضامينها الاستبدادية والقمعية.

إن “العثموكمالية” التي تجسدت في شخص أردوغان وحزبه لا يمكن إسناد الظهر عليها والوثوق بها، بخاصة وأنَّ كلاهما قد أذاقا الشعب الكردي وشعوب المنطقة الأمرين.

علينا أن ندرك تماماً هذه الحقيقة وهي: إذا رأينا اليوم قيادياً كردياً، ضيفاً مرحباً به في تركيا، سنجده غداً مكبلاً بالسلاسل في المكان نفسه.

وإذا رأينا اليوم مسؤولاً تركياً زائراً لأي طرف كردستاني يمد له يد العون على أخيه الكردي.

سنجده غداً غازياً ومحتلاً،  يمزق أحشاء الحوامل.

مهما يكون الاختلاف في الرؤى والأفكار لدى الكرد، فهم في نظر العدو جسد واحد، وسيكون التعامل معهم وفق هذا المبدأ، ألا وهو تقطيع ذاك الجسد وإذابته.

نقلا عن  روناهي 

زر الذهاب إلى الأعلى