مقالات

المرأة الكردية في البطولة والسياسة (2-2)

آسيا عنتر

عند تناول مشاركة المرأة في الميدان السياسي تظهر عدم اهتمام المرأة بالسياسة، ويتم إهمال الإرث التاريخي من النضال الوطني والإنساني والعالمي المتعلق بالمرأة؛ لأن الأنظمة الحاكمة لا تتيح لها المشاركة بالميدان السياسي ودورها في الأحزاب والتشكيلات السياسية، رغم دخول المرأة في القيادات الحزبية والمجالس والانتخابات والترشيح، ودخول الوزارات وغيرها، لأن هذه الأحزاب والمؤسسات السياسية تستخدم المرأة كعنصر للظهور بمظهر تقدمي وعنصري؛ ومن مظاهرها التوريث السياسي. فالنساء المشاركات في السياسة هنَّ على أحزاب آبائهن أو أزواجهن؛ وهذه الأحزاب والتشكيلات السياسية مختلطة بين الرجال والنساء، وكما هو معروف أن أي منظمة ملتفة حول الحزب لا يقدم لها خدمة ولا تقدم حل لقضيتها، فلم تكن المرأة تشارك في نشاط المجتمع المدني، واقتصر نشاطها على جمعيات البر والإحسان وأيضاً اتحادات النساء، لم ترفع من مستوى وعي المرأة أو توسع مداركها؛ بل أنها ضيقت حدود العمل بين صفوف المرأة.

أما بالنسبة للمرأة الكردية كانت أكثر انغماساً في الحياة الاجتماعية من المجتمعات الأخرى، وذلك بسبب عدم تعايش الكرد تمايزاً طبقياً عميقاً في مرحلة العبودية؛ رغم هيمنة السلطة الأبوية، وذلك لتأثير العشائر القاطنة في أحضان الجبال، والتي ساهمت في محافظة الكرد على ثقافاتهم وهويتهم وحريتهم، ولم يتقبلوا المدنية التي أثمرت العبودية.

كما كان للفلسفة الزرادشتية تأثيراً ملحوظاً، فهذا الوضع كان بمثابة ثورة ذهنية كردية، وقد امتازت هذه الفلسفة  بحب الأرض والحيوان وبالأخلاق الحرة والمساوة بين الجنسين، والمرأة الكردية في كردستان المجزَّأة والمستعمَرة؛ عاشت الاضطهاد وتعرَّضَت للممارسات التعسفية من قبل الأنظمة المهيمنة، وهي نفس المرأة من شقيقاتها من المكونات الأخرى في الشرق الأوسط؛ التي عانت الكثير على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والحقوقية؛ نتيجة السياسات الاستعمارية التي مارستها الدول المهيمنة على كردستان عامة، ومن هنا ظهرت العديد من الشخصيات النسائية في الانتفاضات والعصيان ضد الطغيان كـ (حليمة خانم) في عصيان مير بدرخان في باشقلا، كما قامت (فاطمة رش) بمحاربة الروس والعثمانيين وفي كوجكري (ظريفة) وفي آماد وفي ديرسم (بَسي) التي تميزت بفكر حُرٍّ ومبدأ عدم الاستسلام لأعداء الأمة الكردية، واستطاعت أن تكون ميراثاً إلى يومنا هذا.

وفي القرن التاسع عشر تطور النضال التحرري في كردستان من بعد الحرب العالمية الثانية، ولعبت المرأة فيها دوراً بارزاً كـ (ليلى قاسم) في جنوب كردستان عند محاولتها القيام بعملية فدائية ضد النظام البعثي الديكتاتوري في العراق، فكانت مثالاً للمرأة الوطنية المثقفة والمحبة للوطن والشعب، ومع تأسيس حزب العمال الكردستاني بقيادة القائد عبدالله أوجلان ظهرت شخصيات طليعية شجاعة في صفوف الحزب؛ كشخصية (ساكينة جانسيز) القيادية في الحزب؛ والمعروفة بنضالها الوطني ومقاومتها البطولية في سجون الاحتلال التركي؛ ورفيقاتها (مرال خضر وآنوشا وساريا) وفيما بعد بيريتان وزيلان وسما يوجا وشيلان وآرين ميركان.

وهذا يؤكد دعم واحتضان حزب العمال الكردستاني للمرأة ومساعدتها في تطوير ذاتها عبر تقديم الدعم المادي والمعنوي اللامحدود لها، وبفضل جهود القائد (آبو)، استطاعت الوصول لمستوى عالي من الوعي والتنظيم والالتحاق بحركة الحرية، وناضلت للحصول على العديد من الحقوق، والتي جعلتها ترتقي لنيل درجات أعلى من ناحية تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي؛ الذي يتجلى في أداء دورها ضمن المجالس وقياداتها، واتخاذ القرارات إلى جانب الرجل (الرئاسة المشتركة) في روج آفا على وجه الخصوص.

وأصبحت المرأة في روج آفا وشمال سوريا مثالاً للمرأة القيادية في جميع المؤسسات وأخذت مكانتها مع الرجل جنباً إلى جنب في جميع مؤسسات الإدارة الذاتية، وأصبحت تمارس دورها بشكل فعال في السياسة الديمقراطية في روج آفا وشمال سوريا.

زر الذهاب إلى الأعلى