مقالات

المرأة الكردية في البطولة والسياسة (1-2)

آسيا عنتر
لمحة عن تاريخ السياسة ومعناها
كلمة السياسة تأتي من التسيس (تسيس الخيول بالعربية)؛ وفي اليونانية بولي تيكا، ومعناها (حُكم المُدن)، أما السياسة في الإدارة الذاتية الديمقراطية هي إدارة جميع أعمال المجتمع من جميع النواحي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها، أي تلبية الحاجات المادية والمعنوية للجميع.
أما السياسة بمعناها المجرد تعني الإدارة؛ فهي موجودة منذ الوجود، فما دامت المجموعة البشرية تحيا مع بعضها البعض، وتؤَمِّن غذاءها؛ وتحمي نفسها ضد الأخطار، وهناك تشارُك واقتسام للوظائف؛ فذلك يعني السياسة. تمكن تلك الجماعات من تكوين المجتمع وأخلاقياته، وذلك من خلال تربية الحيوان، واكتشاف الزراعة، وإنشاء القرى وجعل كل ذلك وسيلة لاستقرار الإنسان، وكان ذلك بريادة المرأة، وهذه السياسة الطبيعية التي كانت تخدم المجتمع بدأت تتحول إلى أحلام جنة الفردوس، فمع ظهور الرجل الماكر القوي في عهد الإمبراطورية السومرية التي ارتكزت سياستها حول المعابد وبناء الديكورات، وأصبحت هذه الوسائل إيديولوجية المعابد، وفتحت المجال للقوة ولرسوخ سياسة الهيمنة، وأخفت الشرعية على الطبقية القائمة في ذلك العهد.
فمن الراهب السومري اشتقت جنة الملك الإله أمثال (نمرود وفرعون) وترك ذلك مكانة للأسرة المقدسة أو السلالة المقدسة؛ ثم الخلافة؛ مع ظهور أشكال الحُكم الإقطاعي بالتزامن مع العصر الإسلامي والنبلاء المختصون بشؤون الحكم وإدارة المجتمع، وكانت سياسة هؤلاء بعيدة كل البعد عن القيم التي تُشَكل أسس البشرية في سبيل الحفاظ على السلطة.
أما إذا نظرنا إلى السياسة على أنها مساحة حرية المجتمع ومساحة الخُلق الذي يزداد فيه التطور والإرادة نرى بأنها أقرب إلى حقيقتها.
فما علاقة المرأة بالسياسة:
في المجتمع الطبيعي؛ ومنذ بداية البشرية كانت المرأة هي الرائدة في تكوين المجتمع، وقد لبست دوراً مؤثراً في ذلك، فهي أول من اكتشفت الزراعة، وروضت الحيوانات، ورعت الأطفال، واكتشفت النار واستخدمته في الأمور الحياتية…الخ، وسُمِّي عصرها بالثورة النيولوتية المتطورة في منطقة مزوبوتاميا، وهي طوَّرت العلاقات الاجتماعية والوعي الاجتماعي، وهذا بحد ذاته يعتبر سياسة، وما زالت هذه المرحلة تعيش في ذاكرة المجتمع، وتظهر نفسها ولو بشكل مخفي في الديانات الفلسفية والطوائف والمذاهب، وبعد ظهور النظام الأبوي قام بإخفاء تلك الحقائق ليحافظ على نفوذه التسلطي، وهذه السلطة الاستبدادية هي عكس ونقيض لجوهر المرأة.
فقد قام الرجل بكسر إرادة المرأة والقضاء على كافة مقدسات الإلهة الأنثى بسبب الإله الذكر (أنكي)، فعزلت المرأة عن السياسة؛ وتم تهميش دورها وعانت من السقوط من جميع النواحي، وقد اعتبر ذلك بمثابة سقوط للإنسانية وللشعوب.
وترسخت الهيمنة الذكورية أكثر فأكثر في المراحل المتتابعة من التاريخ؛ والمرتكزة على أسس إيديولوجية تسلطية؛ فقلبت التاريخ رأساً على عقب معتمدة في ذلك على الدولة المَلكيَّة والعسكرية، والويلات والحروب الدموية؛ وإنكار التاريخ الذي صنعته المرأة؛ ليحل محله تاريخٌ مشحون بقصص الخيانة والكذب والخداع، كان هناك بعض التيارات الإنسانية الفلسفية لزرادشت؛ والتي ناهضت النظام الذكوري الأبوي، واقتربت في جوهرها من الحقيقة الأنثوية؛ لتفصح عن القيم المستنبطة من الثورة النيوليتية في الشرق الأوسط، والتي ظهرت فيها شخصيات نسائية عظيمة عبر التاريخ من فترة لأخرى أمثال (زنوبيا ملكة تدمر) والتي كانت رمز حب الوطن والشعب، والتي رفضت الاستسلام وفضَّلت الموت على العيش في الذل والإهانة، و(نفرتيتي كردية الأصل) وزواجها من رمسيس الثاني في مصر والتي كانت لها دوراً بارزاً في توثيق العلاقات الدبلوماسية والسياسية ما بين الآراميين والميتانيين، وأيضاً كليوباترا في بلد الفراعنة (مصر) والتي دافعت عن وطنها، وجاهدت لتحقيق آمالها وطموحاتها.
وفي القرن التاسع عشر ظهرت (شجرة الدر كردية الأصل) وقد استطاعت أن تدير شؤون البلاد بكفاءة سياسية؛ ورغم أن الماضي والحاضر كان مليئاً بأسماء النساء المبدعات ممن حققن طموح النجاح والإبداع؛ إلا أنهن لم يخدمن قضية المرأة، ويُشار إلى أن نصيب المرأة في ممارسة حقها الطبيعي في التعلم والثقافة والعمل والمشاركة في الحياة العامة يختلف من دولة إلى أخرى، ومن مجتمع إلى آخر، لكن في العموم هو نصيب غير كافي؛ فالقيود التي تفرضها العادات والتقاليد المسيطرة على المجتمعات قد تحرمها مثل هكذا أمور، وفي البلدان الاشتراكية والحركات السياسية المدافعة عن حقوق الإنسان التي أدعت بأنها لعبت دوراً كبيراً في تطوير الوعي السياسي والاجتماعي للمرأة في جميع أنحاء العالم.
ونشأت الكثير من المنظمات النسائية، والتي شاركت في الكثير من المؤتمرات العالمية ولعبت دوراً بارزاً في توعية النسوة في بلادها ومكافحة الأمية ومساهمتها في النضال لمعارضتها الأنظمة المستبدة، وكانت مشاركة المرأة في الميدان السياسي نتيجة نضالها التحرري وسعيها لنيل حقوقها المشروعة، وفي الوقت نفسه مشاركة المرأة كانت مجرد مظاهر خدَّاعة وهي تخدم الرجل في النهاية نتيجة القوانين المترسخة بالذهنية الذكورية؛ وهذا يدل على أنها لعبة سياسية ماكرة بحق المرأة في الميدان السياسي واستغلالها في الوقت نفسه.

زر الذهاب إلى الأعلى