ثقافة

الفنون الجميلة تصنع جيلاً جديداً لتصحيح المفاهيم الخاطئة

تقرير: عامر طحلو

مجتمعنا يعتبر العِلم عبارةٌ عن المواد أساسيّة كالّلغة والرّياضيّات والفيزياء والفلسفة والعلوم, ويهمل الجّميل منها كالفنون والرّسم والرّياضة, وفي المدارس تُعتبر هذه المواد ترفيهيّة, ولكن الطّفل باعتباره لا يحمل الحقد وهموم المعيشة ولم يعي بعد مدى صعوبة الحياة, نجده يعشق هذه المواد التّرفيهيّة أكثر من الأساسيّة, ولذلك نجد المجتمعات المتقدّمة تُولي أهميّة كبيرة لهذه المواد, لأنّها أدركت مدى أهميّتها في الحياة.

ولكن مجتمعنا معذور, لأن الاستبداد وصعوبة تأمين لقمة العيش وبروز فروع معيّنةٍ تدرّ الاحترام والأموال كالطبّ والهندسة, جعله يتوجّه نحو الأفضل لتأمين المستقبل, ويقول البعض: الغناء والرّسم ولعب الرّياضة لا يجلبون لقمة العيش.

ولحلّ هذه الإشكاليّة وتصحيح هذا المبدأ المغلوط, وباعتمادٍ على الحداثة افتتحت الإدارة الذّاتيّة ضمن جامعة روج آفا كليّة الفنون الجّميلة لصنع جيلٍ جديد تتغيّر من خلاله هذه المفاهيم الخاطئة, وليدرك المجتمع في المستقبل أن كلّ الاختصاصات في الحياة تكمّل بعضها, وللتمحيص في هذا التّوجّه الجديد, قامت صحيفة الاتّحاد الدّيمقراطي بجولة على كليّة الفنون الجّميلة لإبراز أهميّة الفنّ في المجتمع الدّيمقراطي.

المتخرّج من كلّيتنا يكون خبيراً فنّياً

وعن الأمور التّقنيّة تحدّث منير شيخي الرّئيس المشترك لكليّة الفنون الجّميلة ورئيس قسم الديكور والعمارة الدّاخليّة قائلاً:

هذه هي السّنة الأولى من عمر هذه الكليّة, ويُقبل فيها حاملو كافّة الشهادات الثانويّة و بكلّ فروعها, على أن يكون المتقدّم من سكّان مدن ومناطق الشّمال السّوري, ويُطلب منه بعض الأوراق الرّسميّة.

أمّا الشّرط الأساسي هو النّجاح في اختبار القبول الّذي يتضمنّ رسم شيء ثابت على أن تكون نسبة التّشابه تتجاوز الـ50%.

وتابع شيخي: وهذه أوّل تجربةٍ في شمال سوريا لهذا الاختصاص الّذي يتألف من شقّين:

– شق عملي: يتضمن خمسة اختصاصات وهي) :التّصوير- الإعلان- الديكور- الحفر- النحت), وهي اختصاصات كلّيات الفنون الجّميلة في كافّة دول العالم.

– شق نظري: يتركّز على موادٍ نظريّةٍ ثقافيّةٍ تتعلّق بالجّانب الفنّي كتاريخ فنّ العمارة وتاريخ الأساطير وأساطير موزوبوتاميا, بالإضافة إلى موادّ ثقافيّة عامّة كالّلغة الكرديّة والعربيّة والسّريانيّة حسب لغة الطّلاب الأمّ, وموادنا النّظريّة معتمدة في كافّة كليّات الفنون الجّميلة في العالم, لأنّ تاريخ الفنّ موحّد ومشاريعنا مستمدّة من هذه الكليّات, وعلم الفنون الجّميلة لا يمكن تغييره, ولكنّنا في جامعة روج آفا أضفنا فنون منطقتنا التّاريخيّة  الّتي تمّ إقصاؤها عمداً من التّاريخ (التّاريخ الكردي) كفن العمارة الكردي, وأيضاً مادّة أسس ومبادئ الأمّة الدّيمقراطيّة, وهي مادّة أساسيّة وتُعتبر حقّاً لنا لأنّنا أصحاب هذا المشروع, والغاية من هذه المادّة هي تعريف الطّالب بمشروع الأمّة الدّيمقراطيّة.

وينقسم العام الدّراسي إلى ثلاثة فصول, كل فصل أربعة أشهر, وبالنّسبة لاختصاص الدّيكور الّذي أنا مسؤولٌ عنه, فالمشروع الأوّل كان مخطّط الشّقة السكنيّة, حيث نُعرّف الطّلاب بالرموز المعماريّة والتّحشيرات الضّروريّة وكيفيّة أخذ المقاسات الهندسيّة بدقّة, وعلم النّسب (الأرغومانيكس), كنسبة حجم الإنسان مع حجم الشّجرة أو البناء أو الطّاولة, وهذه النّسب ثابتة لأنّها عالميّة.

وعن نظام الكليّة أوضح شيخي: مدّة الدّراسة في هذه الكليّة ثلاث سنوات وأربعة أشهر, السّنة الأولى تُعتبر سنةً تحضيريّة يتلقّى الطّالب فيها المعلومات العامّة ومن كلّ الاختصاصات, وفي السّنة الثانية يختصّ الطالب بحسب رغبته ومعدّله على أن يكون مطّلعاً على باقي الاختصاصات, ويتخرّج بشكلٍ يكون فيه مؤهّلاً وفعّالاً للعمل في كافّة مؤسّسات الإدارة الذّاتيّة, لأنّ كافّة المشاريع الّتي تقوم بها المؤسّسات تحتاج إلى خبراء فنيّين, كالحدائق والعمارة وتنظيم المدن والمداخل والنّصب التّذكاريّة والنّمط المعماري للمُدن وغيرها.

الكوادر التّدريسيّة فنانون خبراء

ومن النّاحية الثّقافية والفنيّة أوضح لنا أمين عبدو نائب الرّئيس المشترك لكليّة الفنون الجّميلة ورئيس قسم التّصوير ما يلي:

الكوادر التّدريسيّة متوفّرة لكلّ الاختصاصات وهم من أبناء الشّمال السّوري, وهم أصحاب خبرةٍ عاليةٍ من 20 إلى 30 سنة في الاختصاص وخصوصاً مدرّسو العملي, وهناك خبرات مساهمة في الكليّة يتم التّشاور معها سواء كانت في الدّاخل السّوري أو الخارج, وهذه الخبرات تُكسب المناهج الّتي نعتمدها في الكليّة المزيد من الإغناء والإضافات.

مهمّة الفنّ هي تجميل الحياة

وتابع عبدو: للكليّة نشاطاتٌ خارجيّةٌ أيضاً, نذكر منها (السمبوزيومات) أي ورشات عمل, الّتي يشترك فيها مدرّسو وطلّاب الكليّة بالإضافة إلى الفنانين, وقد أقمنا سمبوزيوماً في مدينة الرّقة وبالتّحديد في دوّار النّعيم الّذي كان مكاناً لعمليّات الإعدام الّتي قام بها تنظيم داعش, وكان يعلّق رؤوس ضحاياه على هذا الدّوار, وقمنا بتحويل هذا المكان إلى معرضٍ فنّيٍ ووضعنا لوحةً فنيّةً في كلّ مكانٍ كان يُعلّق به رأسٌ مقطوعٌ, وطبعاً هذا العمل كان تحت رعاية الـ YPG واتّحاد مثّقفي الشّمال السّوري, والهدف منه كان تغيّير نفسيّة أهالي الرّقة وتخليصهم من المعاناة الّتي عاشوها, وكذلك تشجيع المجتمع على ممارسة الفنّ, وقد تمّ العمل على الّلوحات الفنيّة بشكلٍ مباشرٍ وباحتكاكٍ مع الجّمهور الّذي تابع كيفيّة عمل الفنّان على الّلوحة خطوةً بخطوةٍ, فالفنّ يُجمّل الحياة.

مبدأ الكليّة هو:  الفنّ لكلّ المجتمع

ونوّه عبدو: معظم الفنانين في مناطقنا ليست لديهم الإمكانيّات المّاديّة لإقامة المعارض أو السّفر, ولكن بافتتاح هذه الكليّة صار بإمكان الفنّان أن يطوّر نفسه ويمارس هوايته, وكذلك نحاول من خلال مشروعنا الدّيمقراطي وتطبيق مبادئه في كافّة مجالات الحياة أن نلغي ثقافة الإقصاء والمحسوبيّات, ونحاول هنا تطبيق مقولة (الفنّ لكلّ المجتمع), وبناء جيلٍ مثقّف وقوي.

الثقافة البصريّة

وشرح لنا عبدو مفهوم الثّقافة البصريّة الّتي تُعتبر الأساس في اختصاص الفنون الجّميلة قائلاً: معظمنا لا يعرف ماهي الثّقافة البصريّة, فمثلاً الموسيقا والشّعر لا تُعتبران ثقافتان بصريّتان, إذ يستطيع كلّ شخصٍ أن يتقنهما في بيته دون دراسةٍ نظراً لسهولتهما, ولأنّهما يعتمدان على حاسّة السّمع والنّطق, أمّا الثّقافة البصريّة فتعتمد على حاسّة الرؤية, وإذا نظر الشّخص العادي إلى لوحةٍ فنيّةٍ لا يميّزها ولا يعرف دلالاتها وشرحها من حيث الألوان والخطوط والتّاريخ.

وهناك من يتساءل عن أهميّة الفنّ والثّقافة البصريّة؟

تمّ إجراء اختبارٍ على النّحو التّالي:

تم إحضار عدة أشخاصٍ, وكلّ شخصٍ من قارّةٍ مختلفةٍ, وطلبنا منهم أن يختاروا حاسّة واحدةً من بين الحواس الثّلاث التّاليّة ويستغنوا عن الاثنتين الأُخريّين, والحواس هي: السّمع والرؤية والنّطق, رأينا أنّ الجميع اختاروا الرؤية وفضّلوها على السّمع والنّطق, ومن هنا تبرز أهميّة الثّقافة البصريّة.

تخلُّفنا في الثّقافة البصريّة يعود إلى استبداد الأنظمة الّتي حكمتنا, والظّلم والفقر, فكنّا لا نجد الوقت الكافي لكي نعبّر عن مواهبنا, وذلك لانشغالنا بلقمة العيش.

الغاية الثّقافيّة من افتتاح كليّة الفنون الجّميلة

بيّنها لنا أمين عبدو قائلاً: نحاول نشر الثّقافة البصريّة وتفجير المواهب الفنيّة من خلال هذه الكليّة, فجميع الأعمال في الحياة تكمّل بعضها, فنجد أشخاصاً يبدعون في العمل حينما يعملون على أنغام الموسيقا, وأشخاصٌ آخرون يخلّصون أنفسهم من ضغط العمل من خلال الرسم أو ممارسة الرّياضة أو الذّهاب غلى الحدائق والطّبيعة لرؤية المناظر المبهجة.

الفن يُظهر لنا النّاحية الجميلة من الحياة, واللوحات الفنيّة تُقرأ بالعين ولا تحتاج إلى لغةٍ معيّنةٍ ولا يلزمها من يترجمها.

الدّراسة في كلية الفنون تصقّل المواهب وتفجّرها

ثم تحدّثت لنا عايدة حسن وهي طالبة في كليّة الفنون الجّميلة قائلةً:

كان حلمي الدّراسة في كليّة الفنون الجّميلة في مدينتي, وأقسام الدّراسة هنا ممتعةٌ وتتناول كافّة مجالات الفنّ وتصقل المواهب وتفجّرها, تعلّمنا أشياءً كالدّيكور والتّصوير (الرّسم) وتصميم الأبنية كنّا نعتبرها صعبةً جدّاً, لقد تطوّرنا كثيراً هنا, ونحن هنا كطلّاب وكادر تدريسي عائلةٌ واحدةٌ, وتُقدّم لنا التّسهيلات الّلازمة من أدوات وليونة في التّعامل, وهذه الكليّة ستُخرّج مجموعةً من الفنانين المحترفين في شمال سوريا.

كلمة المحرّر

وهكذا ألقينا بعض الإضاءات على كليّة الفنون الجّميلة في جامعة روج آفا, وبيّنا أهمية الفن في الحياة, وأنّ كلّ عملٍ يتطلّب فنّاً, وكل شيءٍ يحتاج إلى الإبداع لكي ينجح, وأنّ علم الفنون الجّميلة لا يقلّ أهميّة عن باقي العلوم, فهو يظهر خفايا القلوب ويروِّحُ عن النّفوس ويبيّن الجّانب الجّميل من الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى