مقالات

الحكمة في السياسة

محمد ايبش

لو انطلقنا من مفهوم دولتي للسياسة وتعريفها السطحي بانها فن ومراوغة تدار بها شؤون المجتمعات حينها لايمكن الحديث عن الحكمة في السياسة طالما اسلوبها يعتمد على فن المراوغة والخديعة في تحقيق استقرار السلطة في اي دولة كانت ومهما كانت تسمية نظامها، وذلك حسب التسميات الشائعة عبر التاريخ وحتى وقتنا الراهن ولكن لو عدنا الى التعريف الصحيح بان السياسة علم يساهم في ايجاد الحلول واتاحة الفرص للانسان بممارسة دوره في المجتمع ليكون عنصراً فاعلا يدرك فيها أهمية الحياة التشاركية المبنية على أسس أخلاقية وسَوية في الممارسة العملية، وهنا لابد لنا من أن نذكر ما وصفه القائد والمفكر عبد الله أوجلان للسياسة بانها “الذاكرة الاخلاقية للشعوب”، وهنا يمكن للمرء الحديث عن الحكمة في السياسة كونها تعتمد على مقاييس أخلاقية في معالجة الأمور وحل الأزمات. فالسياسة هي الممارسة العملية لايجاد الحلول للمسائل المستعصية على الحل بعيداً عن العنف والعنف المضاد، وبالتالي يوصف القادة الذين يطرحون السلام بأنهم حكماء، ومن هنا يمكننا الحديث عن أزمة افتقار منطقة الشرق الأوسط الى قادة حكماء وما نشهده من حروب وصدامات دموية وازهاق أرواح الآلاف من الأبرياء والأطفال ليظهر بعض من المعتوهين فكرياً وأخلاقياً والبعيدين كل البعد عن سمات الشخصيات الحكيمة، بينما نجدهم يرفعون شعارات جوفاء لاتغني شعوبهم من الجوع ولا تحميهم من البرد، بل على العكس تماماً فما يقومون به هو تقويض دور مجتمعاتهم ونخبهم الثقافية، وانما يهدفون لبسط سلطتهم على شعوبهم وخاصة الدول القومية، فالسلطات فيها باتت كمرض السرطان تتغذى على مقدرات أبناءها لتنعدم الحياة وفي النهاية يصفونها بالسياسة، فهل نستطيع القول بانها حكمة؟؟؟.
فالأمر يحتاج الى سلسلة من الأجوبة التي لاتقبل هذا الواقع مهما كانت مبررات أصحاب السلطة لممارسة سياساتهم وتحت أي ذريعة كانت لايمكن أن نسميها بالحكمة السياسية، بل يمكن تسميتها بالنفاق والخداع والمراوغة واللعب على الالفاظ كما يفعل المثال الحي الماثل أمامنا الرئيس التركي أردوغان وتباكيه على الشعب الفلسطيني في غزة بينما يقوم بدعم اسرائيل عملياً وذلك من خلال ارسال ما يلزم لاسرائيل من المساعدات فمن جهة يرسل مليون برميل نفط اذربيجاني بالاضافة لـ 4500 طن من الخضروات الى اسرائيل ومن جهة أخرى يعلن عن ادانته القصف الاسرائيلي على غزة، وبنفس التوقيت يعطي الأوامر لقواته الجوية والبرية لقصف مناطق الادارة الذاتية مستهدفة البشر والحجر وكل سبل العيش وهنا نترك الجواب لكل من يمتلك ذرة من الضمير.
فأين الحكمة في هكذا سياسة اذا ما قارناه بالسياسة التي تدعو الي السلام والعيش المشترك على مبدأ اخوة الشعوب، مع العلم أن طريق السلام شاق وصعب لأنه طريق البناء والاستقرار على عكس من يمارس السياسة لخوض الحروب وتدمير الحياة، فالحكمة في السلام والبناء وليس في الدمار والقتل والتهجير. الحكمة في السياسة عندما تكون هدفها البناء وترسيخ الاستقرار في العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى