الثقافة؛ والنظافة التي تعكسها
آلدار خليل
تعتبر الثقافة نتاج تاريخي يمثل إرث المجتمعات والحضارات التي تواجدت منذ آلاف السنين. فإنها تتضمن بإطارها العام الكثير من الأمور التي تتعلق بحياة البشر وانماط عيشهم وسبل تطوير الذات وكذلك نوع الحماية وآليات التكيّف الذاتي بالإضافة إلى العلاقة مع المحيط وميكانيزمات التوافق، تبقى ثقافة المجتمعات دليل قوي وواجهة عامة لشكل ونمط تفكير الناس في مجتمعاتهم وكذلك رسالة عن مدى تطور المجتمع واساسياته في الحياة سواء الماضية أو الحاضرة بما في ذلك من توارث بالتالي بحالته الطبيعية يحدد ملامح المستقبل؛ أي أن الثقافة المجتمعية تتضمن في إحدى جوانبها العادات والتقاليد وتميِّز خاصية كل مجتمع على حدا. مجموع هذه الثقافات الخاصة تشكل الثقافة العامة. فبقدر ما يتحلى المجتمع الذي بثقافة ووعي وإدارك عميق يحظى أن يكون له نصيب من التطور دون شك.
وهذا بحد ذاته ما يعتبر مدخلاً مهماً لتفسير ما يتعرض له الكثير من المجتمعات كما حال المجتمع الكردي وتعرّضه لحالات إبادة من الناحية الثقافية والمحاولة القصيّة لصهر جميع ملامح الشعب الكردي وتفاصيل حضاراته في شكل معين بغية الفناء مع مرور الزمن. بالرغم من جميع تلك المحاولات التي اعاقت تطور المجتمع الكردي ومجتمعات أخرى مثل العربية والآشورية والسريانية لبلوغ اهدافهم في الحرية والديمقراطية إلا إن إرادة النهوض ذات البعد التاريخي لم تيأس وبقيت تقاوم حتى انبتت من عمق الصخور الجاثمة على الجغرافية الكردية وغيرها. اليوم وبعد تصاعد الأمور وحالة التغيير التي انهت كل المحاولات العدائية لطمس معالم حضارات الشعوب يظهر الشعب الكردي بحالة نشطة مواكبة لجملة المتغيرات ليكون بذلك مساهماً في تحديد المستقبل الجديد في المنطقة مع شركائه في الحضارة التي تعرضت للإبادة.
إلا أنه من الأمور التي لابد من مراعاتها في رحلة التطوير هذه هو العقل الطبيعي بما له التأثير المجدي بالثقافة المتعلقة في آليات الحفاظ على البيئة المجتمعية؛ بحيث بات الأمر مهماً في مختلف الجوانب المجتمعية ولعل من أهم الثقافات التي لابد من تطويرها ضمن هذا المفهوم الآن فيما يخص بآليات التنظيم الذاتي العمل على إيلاء الأهمية بالنظافة العامة وعكس ذلك في مجمل المؤسسات حيث يتبدى ذلك كعنصر مهم في إحداث نقلة نوعية من ثقافوية الاتكال إلى ثقافة الاعتماد على الذات فمثلاً عدا عن الجانب غير الحضاري في وجود القمامات أمام المنازل بما تجلب الأمراض، وأيضاً يعكس ثقافة أهل البيت حيث أن جمع القمامة ومنع تركها بشكل غير سوي، إلا أن وضعها أمام المنازل يؤكد على وجود الاتكالية على عامل البلديات بالرغم من أن هناك مراكز تجميع عامة يمكن من خلالها لأهالي الحي وضع القمامة فيها. الأمر الذي يوفِّر على عامل النظافة العناء وكذلك يعكس الثقافة الذاتية وتقدير مهنة العمال الأخلاقية والإنسانية، ويثبت جمالية الحي من خلال خلوه من مظاهر الأكياس المكتظة في مواقع متفرقة.
في روج آفاي كردستان وبعد سنوات صعاب تكللت في كل نهاياتها بالنجاح والتطور. لكن؛ نحتاج إلى التفكير بروح الجماعة والحس بالمسؤولية تجاه كل من يقوم بأداء مهامه من خلال الانطلاق من مبدأ الحاجة إلى تقدير الآخرين وخلق انطباع إيجابي لديهم يقتضي بالضرورة عكس ذلك في التصرفات ونمط التفكير. إننا نتقدم ونشكل نموذج مهم لكل من يريد إعادة بناء مستقبل حر على جثة الاستبداد المنهار وثقافته الزائفة، وحال اعتناءنا بالجانب الثقافي المتعلق بالنظافة العامة والخاصة وتطوير مشاريع الحدائق والحفاظ على جمالية العمران تعتبر بالجملة وبالمفرق رسالة مهمة في إننا متفوقون في كل الجوانب والتفاصيل؛ الأمر الذي يؤكد بأننا نعيش وفق ثقافتنا الكاملة والتي يكتمل كل جوانبها تحت عنوان المجتمع الايكولوجي الديمقراطي الحر، ونكون بذلك نرد على حالات الإبادة الماضية بنمو جديد نحو المستقبل الذي لنا منه النصيب الأكبر.
