مقالات

التهديدات التركية والكعكة السورية

بالعودة إلى التاريخ الدامي للدولة التركية وأجدادها العثمانيين نكتشف أن السياسة المتَّبعة من قِبلهم في فرض هيمنتهم كان قائماً على أساس الاحتلال والقتل و طرد السكان الأصليين وارتكاب المجازر بحقهم و طمس الحضارات القديمة في المنطقة وإبادة الشعوب والتنوع الثقافي و هناك مئات الأمثلة يمكن ذكرها في هذا الصدد.

إن القضية الكردية لهي شوكة في حلق اردوغان ولكن الأمر الذي يقضُّ مضجعهُ أكثر و يجعله مذعوراً هو اتساع وتطور المشروع الديمقراطي الانساني الذي يتبناه و يتشارك في بنائه جميع مكونات الشمال السوري بجميع أطيافها، والذي يشكل مفتاح الحل للازمة السورية وأزمات الشرق الأوسط.

إن الدولة التركية التي تَغرَقُ في مشاكلها الداخلية وتَعصِفُ بها أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، ولها تاريخٌ أسودٌ في مسألة الحريات، ويكادُ الأمن و الأمان أن يكونا نادرين فيها؛ أطلقت قبل عدة أيام حملة دعائية واسعة على لسان رئيسها وتقوم بقرع طبول الحرب من جديد مهددة باجتياح مناطق شرق الفرات بحجج واهية وبذريعة تطهير المنطقة من الإرهاب الذي يهدد أمنها القومي.

في الحقيقة هذه ليست المرة الأولى التي تهدد فيها الدولة التركية باحتلال الدول المجاورة واقتطاع أجزاءٍ منها، وقد كانت آخرها عفرين الذي تم بمؤامرة دولية وصفقة بين الروس والدولة التركية منتهكين بذلك جميع العهود والمواثيق الدولية.

إن الاحتلالات التركية المتكررة واقتطاعها أجزاء من سوريا وكذلك تضارب مصالح القوى العظمى الدولية والإقليمية لم تساهم إلّا في إطالة عمر الأزمة السورية، وهذا الوضع يلائم و يناسب تركيا؛ فهي تمتلك مُنظّماتٍ إرهابيةٍ وتدعم فصائل مسلحة، وتقوم بتدريبهم وتجهيزهم لتنفذ بها مشاريعها التوسعية وتحقيق أحلامها في إعادة أمجاد السلطنة العثمانية وتمارس سياسات الابتزاز ضد الدول الأوربية لتغض الطّرف عن أفعالها الشنيعة وترفع صوتها من حين لآخر كي تضغط عليهم وتحصل على مكاسب جديدة.

الهجوم على شرق الفرات لن يتحقق رغم التهديدات التركية الأخيرة، فالوضع هنا مختلفٌ؛ وإن تمَّ فهو لن يصب إلّا في تعقيد الوضع وخلط الأوراق و سيشكل خطراً حقيقياً على الأمن والسلم في المنطقة برمتها.

يبدو أن صفقات جديدة بين الروس و الدولة التركية تحاك، ولكن هل سينجح اردوغان في تمرير نفس السيناريو في شرق الفرات كما نجح في عفرين؟روسيا

اردوغان احتل عفرين ولكنه لم ينتصر؛ فهناك خلافات جدية بين تركيا و بين الروس بشأن إدلب و مسألة شراء تركيا لمنظومة الصواريخ الروسية s 400.

تأتي التهديدات الأخيرة في مرحلة حساسة حيث يتم دك آخر معاقل و أوكار داعش في هجين على يد قوات سوريا الديمقراطية.

يحاول اردوغان إطالة عمر داعش، ويريد كَسبَ أصوات الفاشيين و القوميين في تركيا باعتبار الانتخابات المحلية اقتربت، وهي مصيرية بالنسبة لبقاء اردوغان وحزبه، فهذه هي الورقة الأخيرة لديه.

الاحتمالات كثيرة وواردة رغم التصريحات الأمريكية والأوربية بعدم شنِّ أي هجوم.

اردوغان لا يريد أن يخسر ويبحث عن حصته في الكعكة السورية و يستميت كي يكون له دورٌ في رسم خارطة سوريا المستقبلية، والهمُّ الأولُ والأخيرُ للدولة التركية هو القضاء على الإنجازات والمكتسبات في الشمال السوري.

من جانب آخر تم الاعلان عن النفير العام وعبر الشعب بجميع مكوناته عبر مسيرات حاشدة عن رفضهم لهذا العدوان، وعن استعدادهم للدفاع عن أراضيهم و مشروعهم.

لم يستطع اردوغان كسر إرادة الشعب في عفرين الذي قاوم 58 يوماً ولن يستطيع كسرها في شرق الفرات فالجبهة الديمقراطية تتوسع وباتت نهاية الإرهاب وشيكاً.

زر الذهاب إلى الأعلى