مقالات

التراجع عن المواقف المتجمدة أمر عقلاني ورشيد

الأوجاع السورية شاملة واسعة تتمثل بعناوين سوداء داكنة توزعت مابين العوز والعجز والإعاقة والعقم والعطب وعمى بالأولويات وعبث بالاقتصاد والأمن والأمان.

تتمحور حاجة جميع السوريين اليوم حول مجتمع خال من الأوجاع, من أبرز صفاته, أن يكون مجتمعاً تكميلياً وبانياً لا هادماً.متمتعاً بثقافة التنوع لا أحادي الثقافة.حاملاً ثقافة التعايش لا المنابذة ويقبل أن يكون معارضاً كما يقبل بمن يعارضه. متمسكاً في التفكير والفعل بثقافة التشارك في إدارة الشأن العام.مجتمع متفاعل لا منفعل مع الآخر المختلف. ناظراً إلى مذهبه وقوميته ودينه من بوابة المجتمع ومكوناته وشعوبه ولا ينظر إلى الآخر من منطلق مذهبه أو قوميته أو دينه.

أما الجهات السياسية التي كانت متنفذة في وقت ما فإنها بحاجة إلى أن تخرج من مأزقها المتمثل بعدم قدرتها على التنصل من مسؤولياتها، وعليه فأن المطلوب منها اليوم, هو أن تدرك بأن المعطيات السابقة ليست كمعطيات اليوم وعليها أن لا تتوهم بأنه في الإمكان العودة إلى الصفر.

فحالة الاستبداد والحنق الداخلي والتململ الجماهيري من شأنه تعميق الشروخ داخل أي نظام سياسي، لذا فالتراجع النسبي عن المواقف الأولية المتجمدة أمر عقلاني ورشيد وفهم استراتيجي للمرحلة حتى لو جاءت هذه المواقف متأخرة.

الأكثر أهمية في مقابل هذه القطيعة بين الأنظمة وشعوبها, يسطر اليوم بخطوط من ذهب مشروع حضاري يلتقي فيه الجميع، لأول مرة يتحالف مشروع دولة (بسلبياتها وإيجابياتها) مع مشروع ينطلق من زوايا المجتمع (بسلبياته وإيجابياته) مع مشروع جمهور، مع مشروع أمة. ومع تعاطف جماهيري أممي. وهذا في حد ذاته فريد وجديد يخلط كل أوراق التغيير والإصلاح ومنهجياته وأطرافه، ويعطي مذاقا آخر وبعدا جديدا لكل المسارات السياسية القادمة، ويفتح المجال واسعاً نحو تحولات مصيرية واستراتيجية لاحقة.

إن أكبر انتصار تحققه المشاريع الديمقراطية التي نتبناها يبقى في ميدان البناء الفكري والأيديولوجي والتشكل العقلي والوجداني، ويشكل منعطفاً هاماً وكبيراً في علاقة الشعوب والمكونات ببعضها ونهاية لأكبر معضلة حلت بها وساهمت على مدى قرون في تفتيت بناها وتهديم وحدتها.

ختــاماً, إن بناء التوجهات الكبيرة للشعوب وتشكيل العقلية الفاعلة والمبدعة، بدأت فعلياً في شمال وشرق سوريا من خلال مرحلة حضارية وهامة، حيث انتهت فيها ثقافة وبدأت أخرى، وبدأ الولوج إلى معابر التاريخ من خلال الانتصار والبناء.

وما يجعلنا واثقين من خطواتنا هو أن هذه الجذوة المشتعلة والصلبة في بنائها وتشييدها هي ما قررته إرادة الحياة لدى الشعوب والمكونات، وهي مسؤولية تنبع من إرادة أساسها العمل للصالح العام والشأن العام والخير للجميع.

زر الذهاب إلى الأعلى