مقالات

الإعلام ووظيفته

كان للإعلام دور مهم في حياة المجتمعات عبر التاريخ على صعيد نشر الوعي والقيم وتعريف الفرد بمجتمعه وبالبشرية وأحوالها، وقد زاد هذا الدور مع تطور وسائله وأساليبه إلى أن أصبح الإعلام سلاحاً لا يقل أهمية عن الأسلحة الأخرى التي طورتها البشرية على مدى تاريخها من حيث الاستخدام الإيجابي أو السلبي؛ فقد تُستخدم الأسلحة وسيلة للدفاع المشروع عن الذات أو وسيلة للعدوان والاعتداء على الأفراد والمجتمعات.

في عصر هيمنة الحداثة الرأسمالية تحوَّل الإعلامُ إلى سلاحٍ فَتّاكٍ، شأنه شأن الميادين الأخرى، فالصناعة أصبحت صناعوية والعلم أصبح علموية، والإقتصاد إقتصادوية، والإعلام أيضاً أصبح إعلاموياً. فالصناعة التي اختُرعت لتلبيةِ حاجةِ البشرِ من أدوات ووسائل؛ تحولت إلى الصناعوية التي تُحقِّقُ الرَّيعَ الأعظمِيْ لاحتكارات الثروة ووسائل التدمير والإبادة لاحتكارات السلطة، وصناعة أسلحة الدمار وتجارتها هي الأكبر إدراراً للرِّبحِ، والعلمُ الّذي كانَ يَخدِمُ الإنسان من حيث المعرفة وتأمين الرَّفاه تحوّلَ إلى علموية في خدمة احتكارات السلطة والثروة ويُحقِّقُ سُبُلَ تطوير وسائل الاحتكار والتسلط، فبات العلم في خدمة تطوير قوانين ووسائل تحقيق الربح الأعظمي، وتطوير الأسلحة الفتاكة لتدمير البشر والحجر، فلولا العلموية لَمَا تم تطوير الأسلحة الكيميائية والنووية، والإقتصاد الذي كان مهمته تأمين عدالة توزيع الثروة تحول إلى الإقتصادوية التي تُؤَمِّنُ الريَّع الأعظمي لِمُضاعَفَةِ احتكاراتِ الثروة بشتى أساليب الخِداعِ والنَّهْبِ، وهكذا شأن الإعلام.

قبل تطور وسائل الإعلام كان هناك ما يسمى بالطابور الخامس الذي يَنشُرُ الدعايات المغرضة التي تعمل على وهن إرادة المجتمعات وتقويضها من الداخل، أي أشخاص أو جهات مرتبطة بالعدو تبث المعلومات المغلوطة بحيث يَفقدُ المجتمع ثقته بنفسه وبمنظومته الدفاعية وبطليعته وزعمائه، ويتحول الجندي الذي سيذهب للدفاع عن المجتمع مهزوماً في داخله قبل أن يتوجه إلى ساحة الحرب، ومع تطور التكنولوجيا تطور الإعلام بوسائله وأدواته وأساليبه أيضاً، وأصبح الإعلام “إعلاموية”.

الإعلاموية المستخدمة في عصر الحداثة الرأسمالية قادرةٌ على تغيير الأنظمةِ كما شاهدنا في الثورات الملونة. حيث تعمل أدوات الإعلاموية بشكل منسَّق ومُتكامِل؛ يوجهها أخصَّائيِّونَ في علمِ نَفس المجتمعات والأفراد بهدف خلقِ الأجواءِ المطلوبةِ وبحسبِ خريطةِ طريقٍ مرسومةٍ ومدروسةٍ يتمُّ تحشيد الجماهير نحو هدفٍ محددٍ ثم تَبدَأُ العملية المطلوبة إلى أن تتحقق النتائج المخطط لها.

أدوات الإعلاموية أيضاً باتت معروفة؛ التلفزة والإذاعة ثم وسائل التواصل الإجتماعي على أوسع نطاق.

عدة محطات تلفزيونية وإذاعات لديها مراسلون أكِفَّاءَ حسب الأجر، ثم ورشات عمل على الإنترنيت ومواقع أليكترونية بلغات متعددة ومتخصصون تقنية في وسائل التواصل الإجتماعي يتقاضون رواتب عالية مدفوعة من طرف عناصر الحداثة الرأسمالية، لدرجة أصبحت هناك إمبراطوريات إعلاموية تتحكم بالرأي العام في المجتمعات، وأي معلومة يُرادُ انتشارُها تنتشر كالنار في الهشيم لأن الطابور الخامس بات موجوداً في كل بيت بل وفي كل جيب.

تلك الإمبراطوريات قادرة على تهييج المجتمعات على قضية تافهة مثلما هي قادرة على التعتيم على أمر يتعلق بمصير المجتمع ذاته بإحداث مواضيع مصطنعة أو تحريف الحقائق والوقائع الصادقة بهدف التضليل والتحريف.

على صعيد ثورة روجافا وسوريا تم استخدام الإعلاموية على أوسع نطاق منذ بداية الثورة السورية، فقوى احتكار الثروة والسلطة الذين كانوا جزءاً من النظام أو القوى التي تطلعت إلى الإستحواز على السلطة والثروة ضللت وحرَّفت الحقائقَ بدرجةٍ كبيرةٍ واستطاعت توجيه الرأي العام السوري؛ مما أسفر عن الكارثة السورية التي نعاني منها إلى يومنا هذا، والسبيل الوحيد للتخلص من تأثير إعلاموية إحتكارات السلطة والثروة هو المجتمع الأخلاقي المُسيَّسُ بحيث يستطيع الفرد أن يحلل الأمور على حقيقتها، وأن يحكم عليها حسب ضوابط الأخلاق المجتمعية، وفي مقدمة كل ذلك أن يستقي معلوماته من المصادر التي يثق بها، ويقتدي بطليعته التي جربها ويأخذ أحكامه من مصادر طليعته الموثوق بها رغم ضآلة الإمكانيات المتوفرة لتلك الطليعة. فنحن أمام هجمات شرسة ومتوحشة تعمل على هدمِ ما تَمَّ تشييدُهُ بدماءِ الشهداء.

زر الذهاب إلى الأعلى