مقالات

الإسلام السياسي … ومن يمتطيه ؟!

أمين محمد عليكو

معرفة الإنسان لانتمائه الذاتي سواء الحضاري أو الثقافي أو حتى الديني ومدى إيمانه بالعقيدة الدينية تجعله دائماً بحاجة للتعرف على جوهر حقيقة هذا الانتماء, الإيمان بالبحث عن الحقيقة يجلب المعرفة والبهجة والقوة، بالتزامن مع ايجاد جوهر الحقيقة لبعض الشعوب تكمن نقمة السلطات وتتسلسل الأحزان والتعاسة والصدمة في أغلب الأحيان لكون تلك الحقيقة تتناقض مع قوة مصالحهم وتهدف لضرب مكتسباتهم غير الإنسانية لذا يبدؤون بحياكة الخطط والمؤامرات وتمويل الإعلام بالمليارات للنيل من حقيقتنا التي نود من خلالها النهوض بالشعب للتعرف على حقيقته وحقيقة بلاده.

معرفة الحقيقة وحدها ليست كافية، والأجدر بنا بعد اكتشاف تلك الحقيقة أن نستمر في مطالبة الحقوق المنتهكة والمغتصبة لتصحيح المسار وإعطاء كل ذي حق حقه، الاكتفاء بالسكوت لا يقدم ولا يؤخر, المسارات الخاطئة تجعل من البناء حطاماً ومن التطور والتقدم تراجعاً وجهلاً, لذا لا بد لنا ككرد ذوي حقوق مشروعة الإصغاء جيداً لما يقوله المفكر عبدالله أوجلان في تحليل مقولته:

“الحقيقة هي العشق والعشق هي الحياة الحرة”.

حيث يوضح فيها (معرفة حقيقة الذات بحد ذاتها هو العشق) إذ لا يمكننا الوصول إلى معلومات الأزمة وإنشاء عالمنا الاجتماعي والقوة الريادية الجديدة له ما لم نتعقب الحياة الحرة بعشق وهيام, وما يلزم لذلك هو معرفة القيمة العلمية للطريق المسلوك والتحلي بالقوة والإرادة الحرة.

إن اطلاعنا على واقعنا والتغيرات المحيطة بنا وتحليلها والنظر في ما يصرح به  كل الأطراف المتصارعة ومحاولة كل طرف منهم إثبات الحقيقة التي يراها من منظوره, خاصة من الناحية الدينية التي أصبحت مادة أساسية لنُظم بعض الدول وستاراً لسياساتهم الشوفينية القومية المذهبية؛ فإن جميع الأديان السماوية ــ المسيحية واليهودية والإسلامية ــ تتمتع بخصوصيات أيديولوجية وثقافية واجتماعية لكنها انحرفت عن مسارها الحقيقي والجوهري الذي اُنزلت الديانات من أجله.

قبل كل شيء علينا البحث في هذه النقطة الجوهرية فكل الأديان اتخذت الأخلاقيات الاجتماعية طريقاً نحو التحرر والتقدم, لأن جميع الأديان في حقيقتها الجوهرية هي حالة اجتماعية أخلاقية قبل انجرافها خلف الدولة والسلطة، واستغلالها لغايات قومية وشوفينية.

الدين الإسلامي في ما سبق كان يهدف إلى بناء المجتمع الخالي من العبودية, لكن بعد وفاة الرسول محمد(ص) ودفنه, دفنت معه تلك المبادئ والأخلاق والقيم حيث أدت لظهور الكثير من العواقب والأفكار التي تميل إلى السلطة في الحكم، وإثبات ذلك التأثر بالسلطة والعبودية لها يظهر من خلال تصفية الخلفاء لبعضهم كما هو مذكور بالتاريخ الإسلامي وتصفية كل خليفة للخليفة الذي قبله للاستفراد بالسلطة وحكم الشعب وفرض ما يوازي مصلحته من خلال إعطاء الفتاوي وفرض الضرائب على الفقراء والقيام بالفتوحات التي تسمى في يومنا هذا بالاحتلال واغتصاب بلاد غير بلاده, هنا خرج الإسلام من حقيقته، ومن حالته الاجتماعية المناهضة للجهل والتطرف ومن القيمة الأخلاقية السامية الداعية للسلام والمحبة وبدأت مرحلة إخفاء وسرقة الحقيقة والدخول في حالة الانحراف عن المسار، تحول فيه الدين الإسلامي من ناشر للمحبة والتسامح وزرع الإنسانية إلى سلطة واستغلال الدين وجعله دين سياسي, أو بمعنى آخر دين الدولة الذي بدأ مع مرحلة العباسية و العثمانية، وإلى يومنا هذا تستمر الذهنية الإسلاموية التي تلعب دورها في السلطة الآن.

تركيا وإيران جعلتا من الإسلام شماعة وسلاحاً يحاربان به المجتمع بجميع فئاته، حوَّلتا الدين الإسلامي إلى دين قتل الهوية، وإنهاء الحضارات وتحريف تاريخ الأمم، كأكبر مثال إخفاء الحقائق التاريخية عن شعوب المنطقة, كان الشرق الأوسط هو الضحية الأكثر تأثراً, حيث يجمع كافة الأعراق, زادت الأمور تعقيداً بإخراج مفاهيم ومصطلحات أخرى للإسلام, وتسميتها “الإسلام المعتدل” هذا المفهوم الذي أخرجه الغرب ومثّلته تركيا باسم “حزب العدالة والتنمية” الذي يخفي حقيقته الإجرامية خلف الستار الإسلامي، الحزب الذي يستند إلى المذهب السني التركي واختراع طرق مختلفة في الإسلام الحقيقي.

هنا علينا أن نعرف جيداً حقيقة الإسلام التي تمارسها و تتبناها تركيا “الإسلام السياسي القومي التركي” ولم يعد خافياً على أحد شعاراته في أنه يمثل الإسلام الديمقراطي وتضامنه مع قضايا المجتمع الإسلامي مثل القضية الفلسطينية وقضايا أخرى مع العلم بأن الإسلام لا يعترف بالديمقراطية ويعتبره كفراً.

لكن في حقيقة الأمر هي محاولة لقلب الحقيقة الإسلامية وإخراجها عن جوهرها الذي قام عليه وصولاً إلى النموذج الأردوغاني ليرضي طموحاته وغاياته العثمانية

بِرضى وصمت أمريكي – أوروبي من خلال دعمهم للنموذج الإسلامي المتمثل بداعش وأخواته وإجرام الدولة التركية والايرانية بحق الشعب الكردي وشعوب المنطقة ( ليبيا، العراق، سوريا، لبنان، مصر، السودان، أرمينيا).

الآن يتطلب أن نعلم الحقيقة، وأن لا ننصاع للخُدع بل علينا البحث عن الحقيقة ومعرفة الدين الإسلامي المقاوم للظلم والعبودية، وأن لا نفسح المجال للدول التي باتت مكشوفة ومعروفة لدى الشعوب بمتاجرتها بالدين والمذهب لدمار منطقة الشرق الأوسط، وأن لا ننخدع بها وأن لا نكون طرفاً للدعاية السوداء التي روجتها الدول القومية التي تسعى بأي شكل من الأشكال لاستغلال الدين.

زر الذهاب إلى الأعلى