الأسلوب ونسق الحقيقة (7)
تكملة دراسة الكاتب والباحث السياسي يوسف خالدي الأسلوب ونسق الحقيقة
الحلقة السابعة والأخيرة :
مما تقدم ، يخلص أوجلان إلى إستنتاج يفيد ، بأن الميتافيزيقا تحتل مكانة مهمة في حياة البشر فرداً وجماعات ، هذا الإستنتاج يدفعه إلى تقييم الميتافيزيقا وتحديد قيمتها من خلال إعادة ذلك إلى سببين .
أولهما:
يتعلق بها ، أي ذاتية حين قدمها أصحابها على أنها الحقيقة المطلقة .
وأسباب موضوعية ، أتت معظمها من منتقديها وخصومها ، حين أظهروها على أنها ميدان للمكر والزيف ، والخداع ، بهدف تضليل الإنسان .
يرى أوجلان أن السبب في ذلك يعود إلى إنصراف أصحاب الموقفين عن ماهية وحقيقة الوعي الإجتماعي التاريخي ، أو المبالغة فيه . حين ألغى الطرفان ، حاجة الإنسان الإجتماعية إلى الميتافيزيقا ، لسد النقص في إحتياجات وعي البشر إليها ، فمن عظمها ورفع من شأنها ، أنكر إرتباطها بالعالم الطبيعي ، إما من خلال إنكارهم للروابط بين الروح والعالم المادي ، أو تحريفهم لتلك الأفكار , فإنقادوا إلى تصور وجود عالم أخر يعج بالآلهة المتعالية ، التي إنتهت إلى تصورات وقيم تؤله الإنسان ذاته ، وكان لها تأثير كبير على بروز نظام الهرمية والدولة كنتيجة لتلك المستجدات التي دخلت على الفكر .
أما الفريق الثاني وهم منتقدوها ، بتركيزهم على العقلانية والموضوعية ، قدموها كمرض وتشوه في الوعي وأسلوب مضلل لا يستند إلى براهين ، أدى إلى ظهور مفاهيم تستخدم في الثقافة ، من قبيل مفهوم الرعاع الفاشي لتصبح العلموية ذاتها في النهاية ، ضرب من الميتافيزيقا ونوع من المادية الصرفة الأكثر قدرة على إحتراف السلطة وممارسة الإستغلال .
أما الطرف الحيادي بين الموقفين ، فيصفه أوجلان بالقريبين من صفة الحيوان ، أو بالنهلستية العدمية ، ليس مع ، وليس ضد ، ممن يعبرون مواقفهم مستقلة ، رغم عيشهم في المجتمع وإعتمادهم على قيمه ومثله ، لكنهم يختارون موقف اللا إنتماء إلى المجتمع كما المتعصبين لكرة القدم (وليس محبي هذه الرياضة ) . هو المثال الأفضل لتمثيل هذه المجموعة . كون أصحاب كلا الموقفين في النهاية يصلان إلى نقاط مشتركة تلتقي في الوضعية العلموية للحداثة ، دين الحاثة الجديد ، إله الدولة القومية المقدس في كافة المجتمعات العصرية .
الميتافيزيقا كونها تكوين إجتماعي في أصلها ، كما تبين معنا سابقاً ، يتح لنا إمكانية الخوض في عملية تطويرها لتكون أكثر تمثيلاً للفضيلة والجمال والحرية في ميادين الأخلاق ، والفن ، والسياسة ، والفكر كمهمة أصيلة لا بد من تحقيقها . والشرط إلى تحقيق ذلك يكون :
بعدم إعتبار الميتافيزيقا ممثلة للحقيقة المطلقة ، ولا دحضها ونفي وجودها وتأثيرها بشكل مطلق . ولا الإعتقاد بإمكانية الحياد ، أو الإستقلالية الناجزة عنها .
يجب أن لا نرى الميتافيزيقا على أنها قدر مسلط علينا لايمكننا تجاوزه ، ولكن في الحين ذاته ، ليس أمامنا من درب نسلكه أفضل منها لتحقيق قدر من الحرية والجمال فالطرق إليها ليست مستحيلة للإبتعاد عن عالم القبح والرذيلة .
الحجج التي تم تقديمها ، كوسائل لتجاوز الحداثة الرأسمالية ونشر بديلها الديمقراطي ، إحتاج منا إلى (إنتقاد الأساليب ونظم المعرفة وأنساقها ) المؤدية إلى الحداثة الرسمية القائمة ستتطلب منا توجيهها إلى مفاهيم ما بعد الحداثة أيضا ، وكنا قد توصلنا إلى أسلوب إعتبار الإنسان كمفتاح إلى الحل كأسلوب مهم في هذا المجال .
فعلم الإجتماع والأنتروبولوجيا وعلم النفس لم تقدم جميعها حلولا تفيد الوصول إلى حل ، بسبب وقوعها جميعا في شرك ومصيدة الحداثة ، فما هو جهد فردي يحتاج إلى تنظيم لجهود الأفراد ، وما هو مؤسساتي وجماعي يتعرض للزيف المعرفي المسلط من السلطة .
ما هو مشاع اليوم من مساعي نحو الفكر ما بعد الحداثوي ، يسميه أوجلان بالحداثة الديمقراطية .
فرغم كل مساهمات المدرسة الفرانكفوتية . وفرناند بروديل وفوكو والرشتاين وقيمة جهود أصحابها ، فهي تبقى جهود فردية ومتناثرة ومجزأة .
فنيتشة رأى بأن الحداثة أنثت المجتمع وأخصته ونملته ، ونعت الألمان بالحيوان الأشقر الذي سيظهر بصفة الفاشية ، حين تنبأ بأن ، العصرنة والدولة القومية سيولدان الرعاع الفاشيين في المانيا .
ماكس فيبر اكد على الخصائص المادية للمدنية ونظر إلى العقلانية على أنها السبب وراء إفتقاد العالم لرونقه وساحريته .
فرناند بروديل في إنتقاده لعلوم الإجتماع المنفصلة عن أبعاد التاريخ والمكان حين وصف تلك الدراسات بأنها ( أكداس من الحوادث الفارغة ) .
ميشيل فوكو الذي أضاف موت الإنسان إلى موت الإله .
يرى أوجلان بأنها مساهمات بارزة ، على صعيد الإسلوب ، من خلال التركيز على مصطلحات ، مثل السلطة ، المعرفة ، المدرسة ، الثكنة ، العمل ، تشير بشكل رمزي إلى أسس وعوامل مطلوبة لتشكل منهاج معرفي حر ففوكو الذي رأى بأن الحداثة تقتل الإنسان الحر ، بسبب دوام حالة الحرب داخل وخارج المجتمع ، يدفعنا إلى إستنتاج يفيد ، بأن الحرية هي شكل من أشكال الحياة الإجتماعية الناجحة في البقاء خارج نطاق الحرب . والحال كذلك فلا يمكن الوصول إلى الحرية ما لم يتم إلغاء كل الصناعات الحربية ، والجيوش النظامية وقانون الربح الذي يشكل غاية ومنبع العسكريتاريا , وما لم نضع الإيكولوجيا ووسائل دفاع المجتمع الذاتية عوضاً عن ذلك .
فيما يتعلق بالإشتراكية المشيدة ، بقيت عاجزة عن تخطي دورها كمدرسة يسارية لليبرالية في قضايا الأسلوب والمعرفة (الإبستمولوجيا ) . حيث قوة الصهر للنظام وبنيته التكاملية المهيمنة و المتحكمة بالجتمع ، وهي السلطة ، الإسلوب وإحتكار ، المعرفة والتقنية وبقاؤها خارج دائرة التحليل ، وعدم إعتبارها عوامل مهمة ، وإقصار الأمر على العامل الإقتصادي رغم أهميته ، بتحليله خارج دائرة تلك العوامل المذكورة وبمعزل عن العامل الميتافيزيقي ، لن يثمر عن أي نتيجة مع ضرورة صياغة طرق الحل ، فالمدارس الفوضوية تتميز ، بأنها إستطاعت تقييم الرأسمالية ، عكس الماركسيين ، على أنها ليست مرحلة تقدمية على سابقاتها من المراحل ، كما ذهبت إليه تحليلات الماركيين ، لكنهم رغم كل نواياهم الطيبة ، إلا أنهم لم يستطيعهوا تجاوز حقيقة كونهم أطفال النظام المتمردين عليه .
يقيم أوجلان ، الحركات الإيكولوجية ، والفامينية ، والثقافية ، بوصفهم بفراخ الحجل الناجية من القفص ، والتي تنتظر دورها في الإصطياد ، لتعود إلى القفص مرة أخرى .
أما الحركات الإجتماعية الديمقراطية ، وحركات التحرر الوطني ، فقد ظهر واضحا ، انها باتت ملتحقة بالنظام الحداثوي منذ زمن وأصبحت اليوم إحدى القوى المدافعة عنه .
يرى اوجلان بأن إمتداد الحداثة وإمكانية هيمنتها على منطقة الشرق الإوسط ، تجابهها صعوبات جمة ، إكتشفها في نفسه خلال تقييمه لتلك التناقضات المتشابكة والتي وجد نفسه في داخلها على الدوام ويحددها :
تأثير الثقافة الشرق أوسطية التقليدية والمتميزة بتناقضاتها مع الحداثة والمتصفة بالحدية والتطرف في تقديم دور المجتمع على دور الفرد ، حيث تكاد تنعدم إمكانية نمو وإنتعاش الفردية في هذه المجتمعات ، فحينما تكون المعايير الإجتماعية ، هي الحكم في تقييمات الأفراد ، فسنرى للدين والعادات ، والتقاليد شبه الراسخة والمهيمة ، تأثير كبير للغاية على سلوك وتصرفات الفرد ، ناهيك عن إزدراء كل سلوك يستهدف تغيير الجماعة ، ومن يحاول المقاطعة ، يصبح محل إستهجان وتهكم وسخرية ، فالمكانة الرفيعة يستطيع الفرد وصولها والبقاء فيها ، مادام الفرد غير خارج عن الجماعة وتعليماتها الصارمة ، هذه الثقافة المجتمعية ، ومن ثم الدولتية والهرمية ، في الشرق الأوسط تأثير بارز في الوعي والذهنية السائدة ، مما يجعل إستسلام هذه الثقافة ، للثقافات الغربية الواردة أمراً عسيراً وصعباً للغاية .
السبب الثاني يرى أوجلان إنه ورغم إعترافه وإدراكه لتفوقها الصريح أي الحداثة إلا أنه لم يستطع الإستمرار في إعتناق أحد مذاهبها لفترة طويلة ، فالتحفظات ذاتها التي كانت تمنعه من الإستسلام للثقافة الشرق أوسطية تلك ، هي ذاتها التي كانت تدفعه إلى عدم الإنسياق إلى تبني تلك المذاهب الحداثوية وتبنيها لمدة طويلة ، رغم إفتقاده حينها إلى بحوث معمقة ومنهجية ، مع أنه كان ملما بتلك الأساليب ، التي قادت إلى الحداثة وعوامل تفوقها ورفعها إلى مصاف الهيمنة ، إلا أنه أدرك مؤخراً ، إن كلتيهما تنبعان من الينبوع ذاته ، وهو الحضارة المدنية المنحدرة من خمسة ألاف عام .
فالليبرالية في الحداثة , يشبهها بالفأر الذي الذي يجيد قضم المجتمع , وبرى ان أصولها تعود إلى الثقافة التجارية القديمة ، ومنبعها الشرق أوسطي ، والذي بدوره يعود إلى إنتقال السلع وتبادلها ، اللذان لعبا دوراً رئيسياً في تفسخ ومن ثم إنهيار التجمعات البشرية وكذلك للعديد من التقاليد القديمة في الشرق الأوسط ، فالذهنية التجارية الشرق أوسطية وطيدة ومتجذرة ولها تثير على ثبات الكثير من الهويات والمؤسسات والرموز والبنى الإجتماعية حيث ساحات الرياء والمخاتلة ، مساهمة أوروبا ودورها في ذلك ، يكمن في تمكنها من إقتباس هذا النظام من الشرق الأوسط ، وتطويره لأجل الإستغلال ، عبر النهضة والإصلاح والتنوير ، حتى أصبح نظاماً ذا قيمة ومكانة رفيعة أوروبياً بينما لا زال التاجر ينظر إليه بعين الشك والريبة في مناطق الشرق الأوسط ، وفقدان للثقة .
نجحت الحداثة من جعل نظام السلعة نظاماً مهيمناً ، وتم تسخير العلوم والأديان والفنون لخدمتها فالهامشي في الشرق الأوسط اصبح أولياً وفي المقدمة أوروبياً .
يرى أوجلان بأن إنتقاد الإسلام الراديكالي للحداثة الغربية ، مشيعاً بطابع العنف ، حتى أصبح عادة دارجة ، في الشرق الأوسط وبات يقدم نفسه في إعتماده على العنف والتطرف ، على أنه العدو اللدود للحداثة ، بينما هو في حقيقته ، بدءاً من إدوارد سعيد إلى حزب الله . تحولت رؤاهم وخطاباتهم إلى أنساق وكيانات مندرجة في إطار الحداثة كما حل بالماركسية ، ولن تنجو من تحولها إلى خادم ، يقدم لها الخدمات عن طيب خاطر وبمظاهر يلفها الهوان والذل ، كونها ظهرت وبرزت أساساً كحركات ، بفضل تلك الحداثة ، فطبيعتها ستقودها إلى الشحذ منها ، وسيكتفي أصحابها بحصر مقاومتهم لها باللباس ، والهيئة ، واللحى ، بينما ستظل نفوسهم وأذهانهم ، معبأة في مخلفات الحداثة الأكثر رجعية .
البنود الأولي للنفاذ من الفوضى البنيوية للحداثة كما يراه أوجلان ، مع التنويه إلى أمرين مهمين ، يجب إيضاحهما قبل الدخول إلى تعداد هذه البنود .
يشدد على أنها خطوط عريضة ومبادىء أولية للتعريف بالأسلوب وقضايا العلم ، اللذان قادا إلى الحداثة الرأسمالية . هذه الخطوط تحتاج إلى المزيد من البحوث والدراسات ، للخروج من مرحلة الفوضى البنيوية للحداثة . فأوجلان هنا يوضح بأنه لا يدعي إمتلاك الحقيقة ، أو الأسلوب البديل عن كل الأساليب الأخرى ، مع ذكره صراحة بأن ما يقوم به يأتي من باب ترجيح يراه ضرورة لا بد من الأخحذ بها ، ولكن ليس الذهاب بها بعيدا إلى حد اليقين النهائي ، فهو هنا يرفض الحتمية ونبذ الوثوقية .
ضرورة وضع الدعائم التي تأسست بموجبها المفاهيم التي تكونت ، وفق منهجية كل من روجر وبيكون وديكارت ، تحت مجهر النقد وتحليل الروابط بينها وبين الرأسمالية ، حول قضايا العلوم الوضعية والأسلوب .
معرفة إثار الفصل بين الذات والموضوع ، والإننتقال إلى تعميم القراءة على المفاهيم الأخرى التي أدت إلى تكاثر الثنائيات الأخرى كنيجة لذلك ، سيوصلنا إلى تحديد الكيفية التي بموجبها تحول المجتمع إلى موضوع للإستغلال والإضطهاد على يد الذات الفاعلة ( العاقلة ) .
مفهوم الفصل هذا أدى إلى تقسيم طبقي ، والتعامل مع البروليتاري كسلعة ( شيئ ) .
خلقت الحداثة مفاهيم ربطت بين العلم والقوة ، ووحدت بينهما ليتحول العلم إلى قوة فتاكة في إتحاده مع السلطة .
حولت الحداثة ما ظهر على السطح من إنحرافات في الميتافيزيقا والدين إلى وسيلة ، قدمت نفسها على أنها الدين الجديد . وإستخدمت اللبرالية أيديولوجية لها وسلاح ، لإسكات وصهر معارضيها .
عملت على الحط من قيمة ومكانة القوى المناهضة لها , وثابرت على صهرها في بوتقتها .
قللت من شأن الفلسفة والأخلاق ، بدعوى مضاء وإتقضاء دورهما ، بوجود العلم .
فرضها القيود والضوابط على العلوم ، أدى إلى تجزئته وإنقسامه ، بهدف الكسب والربح ، وليس تقديم ما تحتاجه البشرية . أو لأنها بحاجة إليه . فبدلاً من المنهج العلمي لأجل معاني الحياة ، بات الهدف هو ، العلم ، القوة ، المال .
سلعنت المرأة وإخصت الرجل بهدف تأنيثه . ليصبح المجتمع كما وصفه هتلر بالمرأة الخانعة .
تحولت السلطة إلى ساحة حرب دائمة في داخل المجتمع ، أو المجتمعات ضد بعضها كما عبر عنها هوبز بقوله ، إنها حالة حرب الكل فيها يحارب الكل في وصفه للمجتمع الرأسمالي القادم والذي لم يكن قد تبلور حينها بعد بفترة طويلة .
ظهور أزمة بنيوية حادة في كل المجالات وتوسع الهوة بين اطراف ومركز الحداثة وتعمق الفوارق بينهما ، والتشوه في البيئة ، والبطالة والفقر وإنخفاض الأجور التقاعدية والمعاشات الرسمية بسبب الضرائب وسيطرة الإستثمار المالي لأفراد من خارج دائرة الإقتصاد والإنتاج من دوائر الإستثمارات المالية الطفيلية ، ترافق مع تزايد رقع حالات المقاومة في كافة الميادين .
الأزمات البنيوية , تحمل في أحشائها تداخلاً كبيراً ، بين الإندفاعات الثورية ، وما يقابلها من ثورات مضادة ، وبين تلك الديمقراطية وما يقابلها من إنقلابات وردات فاشية وتوتاليتارية ، ستتيح المجال فقط لتلك القوى ، التي تتمكن من تطوير وتحديث أساليبها النضالية والديمقراطية والثورية وتمنحهم الحظ لإنشاء المجتمع الجديد .
في خضم وداخل الأزمات البنيوية والفوضى بين صراع الجميع ضد الجميع هذا . سيكون المجال واسعا أمام الحركات الديمقراطية والإيكولوجية والتحررية وطلاب الحرية والعدالة ، عبر حملات مكثفة وصغيرة في حجمها ، مع ضمان إستمراريتها ، أن تؤسس الكيانات المطلوبة ، والقادرة على تحديد ورسم معالم المستقبل للآجال الطويلة .
ولتحقق ذلك لابد من :
إعادة تقييم علم الإجتماع . في سياق تطوره التاريخي والمكاني ، ليكون دليلا للعمل .
البحث عن الحل وتطويره خارج نطاق الهيمنة الفكرية والمعرفية للنظام القائم وذلك ، بالإعلان والعمل على مناهضة الفقرات التي تم عرضها سابقا .
تجاوز كل الثنائيات التي تم بناؤها على الفصل بين الذات الموضوع . عدم رفض الميتافيزيقا أو إهمالها ، كون هذا الإهمال أدى وسيؤدي إلى تغييب الفضيلة ، والحرية والجمال وقيم أخرى كثيرة وفي المقدمة منها القيم الأخلاقية .
العمل بموجب مضامين ومعاني مصطلح السياسة الديمقراطية .
الدفع بإتجاه تحرك المجتمع صوب ، تشكيل الآلاف من منظمات المجتمع المدني ، في كافة الميادين .
العمل على تكوين أمة جديدة تمثل ذاك الموقف المناهض لتلك العوامل التي تم ذكرها . مع الإنتباه إلى جانب حيوي في هذه المجال ، وهو أن هذه الأمة التي يفضل أوجلان تسميتها بالديمقراطية . لا يشترط قيامها أن تكون منفصلة دائما ، لأنها قد تكون متلازمة مع الدولة القومية . أو متداخلة في التفاصيل مع حقيقة وجودها ، (وهذه قضية تحتاج من المنظرين في مجال مفهوم الأمة الديمقراطية الوقوف كثيرا أمام هذا المصطلح وتناول حقيقة إمكانية تشكل و نشوء هذا المصطلح واقعيا داخل الدولة القومية أو مواكبا لوجودههما معا ) .
تطوير المجتمع الديمقراطي ، بوصفه معارضاً أصيلاً للمجتمع الصناعوي ، أحد الإثافي والمرتكزات الثلاث ، التي تشكل عالم الحداثة الإساسية وهي : الإنتاج الرأسمالي ، الصناعوية ، الدولتية القومية .
ضمان توفر إلية لحماية المجتمع . مع العمل على التوجيه نحو إقامة نظم أسرية جديدة . تكون المرأة فيها متحررة من العبودية ، وقائم على المساواة بدلا عن النظام الهرمي الذكوري الدولتي .
يعتقد أوجلان بأن هذه البود كافية إلى حد ما للتعبير عن وجهة نظره ، وهي قابلة للزيادة والتوسع والإضافات والتطرق إلى التفاصيل بدقة ، وهي محاولة تستجيب لتطلعات البشر غير المنقطعة على الدوام من التطلع إلى تلك اليوتوبيات الطامحة إلى تحقيق الحرية والمساواة والعدالة والكرامة ، تلك التي رافقت نشوء الرأسمالية منذ أن وعى الإنسان نفسه ، فقد أريقت كثير من الدماء لأجلها وقدمت التضحيات الجسام في كل مرة أريد إحياؤها وتعرض أصحابها للتعذيب ومرارة العيش . الأمر الذي يدفعنا للقول بأن كل ذلك ، لم يذهب هباء ودون نتيجة . فالإنتقال من عالم يتسم بكل هذه المرارة ، إلى أشكال وأنماط حياة طوباوية مليئة ومفعمة بالآمال ، تتطلب منا جميعا بذل الجهود لأجل تحقيق ذلك دون هوادة أو إحساس بفقدان الأمل .
بالنتيجة يؤكد أوجلان مرة أخرى ، بأنه لا يزعم توصله إلى إكتشاف إسلوب جديد ، بديل عن الأساليب الأخرى ، مبتعداً عن الثوقية وحتمية القطع بالنتاىج . مؤكداً على نسبية معرفة الإنسان ، ويرى بأنه سعى ويسعى للإشارة إلى وجود أخطاء في بعض المسارات هنا ، أو هناك والسبب يعود ، إلى البراديغما ، أو المنظومة الفكرية ، وإلى ذهن الإنسان القابل لإستقبال الصح والخطأ بذات الوقت ، نتيجة لطبيعة عقل وذهن الإنسان المتصف بالمروتة والحيويةالعالية ، ويشدد في هذا المجال ، على عدم النظر إلى ما يسميه بالمحاولة ، على أنها تأسيس أو دعوة لنظام معرفي جديد ، ولا إعتبارها دعوة إلى العدمية من خلال تفسيرها برفضها ، للأساليب التي تم إنتقادها . وإنما ضرورة النظر إلى ما يقدمه ، على أنها محاولة تفسير ، أكثر قرباً وتمثيلاً للحقيقة ، لجميع المؤثرات والعوامل التي يجب أن ينظر إليها ، على أنها كانت هي المسؤولة الأولى عن المراحل الأكثر قتامة وسواداً في التاريخ وأشدها مأساوية ، تلك التي مرت بها شعوب المنطقة . وفي المقدمة منهم الشعب الكردي .
إنتهت الحلقة السابعة والأخيرة من الأسلوب ونسق الحقيقة .