مقالات

اردوغان وسياسة الكيل بمكيالين

رياض يوسف

لطالما عُرِفَ العثمانيونَ بالطَمَعِ والرَّغبة بالتوسعِ والاستعمار، وخيانةِ الحُلفاء؛ بعد الحصولِ على مبتغاهم؛ وتسييرِ أمورهم، وتحقيقِ مآربهم، والعملِ لصالحِ أجنداتٍ ومطامعَ دونَ الالتفاتِ إلى أيِّ مبدأ أو قانون أو عُرف.

ربما القارئُ ( المؤيد لفكر اردوغان طبعاً ) لهذه الأسطر سيقول بأنها سياسةٌ تعتمدها الدول لتسيير أمورها الحياتية والاقتصادية، وكذلك السياسية والدبلوماسية. نعم؛ وهذا حقٌّ طبيعيٌّ لكلِّ الدول؛ عندما تكون هناكَ صفقاتٌ أو اتفاقياتُ تبادلٍ تجاريٍّ تساعد على بناءِ اقتصادِ تللك الدولة، وتحسين مستواها الاقتصادي والاجتماعي والعسكري، ولكن عندما تتعلق هذه السياسة بحياةِ أناسٍ يُقتلون ويُذبحون ويُشرَّد منهم الملايين؛ ومنهم من يُصبحُ لاجئاً في الشتات؛ ومنهم من يُقضي نحبهُ في رحلةِ البحثِ عن الحياة الآمنة، والعيش كما يعيشُ البشر؛! وقتها يجبُ مراعاة هذه الحياة؛ لأنها تخرجُ من كونها سياسة تهدف إلى تحسين وتطوير تلك الدولة، بل تتعداها وتتجاوز كل القيم والمواثيق؛ لذا على ذلكَ الطرفِ وقتها عدمُ إلقاء هذه المحاضرات، وإصدارِ تلكَ البيانات التي تكونُ بمثابةِ الضوءِ الأخضرَ للقصفِ والقتلِ وارتكابِ المجازرِ بحقِّ الطفولةِ والمرأةِ والإنسانيّة جمعاء.

اردوغان الدولة التركية؛ كانَ يتظاهرُ بصفة المُدافع عن الشعب السوريِّ ضد حكم النظام البعثيِّ؛ منذُ إن حملت الثورة السورية الطابع العسكري والمسلح (لأنه وجد فيها ضالته)؛ ولتلميعِ صورتهِ أمامَ المجتمعِ السوريِّ تظاهر بالمطالبةِ بأسقاط هذا النظام، وفتح الباب أمام اللاجئين السوريين ليُسْكِنَهُم في مخيَّماتٍ تركيةٍ تنقصها أبسط مقومات العيش، ليُدْرِكَ البعض من السوريين ممن عاش هذا الواقع المرير؛ إن تركيا لم تكن يوماً تبحث عن مصلحة الشعب السوريِّ اللاجئ والفار، وكذلك المقاتل في جبهات القتال ضد نظام الأسد، وخاصة عندما باع المقاتلين لروسيا والنظام في حلب مقابل حصولهِ على جرابلس والباب من خلال (الصفقة التي تمت عن طريق الباصات الخضراء، وعُرِفَتْ باسمها)، وكذلك التهديدات التي أرسلها اردوغان للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وغيرها من قادةِ الاتحادِ الأوربي، وتهديدها بإرسال الآلافِ من اللاجئين؛ وإغراقِ أوربا بالفوضى، وذلك لكي يحصل على ملايين الدولارات ليضعها في حسابه وحساب عائلته المصرفي وزيادةِ رأس ماله، وللحصول على بعض التنازلات من الاتحاد الأوربيّ؛ لتغضَ النظر عن الحرب الشعواء التي دَمَّرَ من خلالها مدن وقرى الجنوب والجنوب الشرقي التي يسكنها غالبية كردية، وكذلك الاعتقالات التي طالت حتى سلكَ التدريسِ بحجةِ الانقلاب (المفتعل) الذي جرى في تركيا في الـسادس عشر من شهر تموز 2016.

سبعُ سنواتٍ مضت على الأزمة السورية؛ ومطالبة الشعب السوري بإسقاط رأس النظام السوري في دمشق؛ واردوغان مستمرٌ في كَذِبِهِ ونفاقهِ في رغبتهِ بسقوط الأسد ونظامه. وما يُكْشِفُ كذبهُ وزيفَ ادعائِه هو دعمهُ من خلالِ بيانٍ رسميٍّ اُصْدِرَتْ من وزارة الخارجية التركية في انقرة؛ تُعَبِّرُ فيها عن ” قلقها “، ومحذرةً في الوقتِ نفسهِ من مغبةِ التصعيدِ والتدخلاتِ الخارجيةِ التي تحرضُ عليه في انتفاضةِ مدينة (مشهد) الإيرانية؛ والتي توسعت وشملت ما يقارب الـ 40 مدينة بينهم العاصمة طهران؛ داعية المتظاهرينَ إلى تجنبِ الفوضى وعدم الانجرار إلى الاستفزازات (طبعاً حسب زعم الخارجية التركية ). فيما عَمَدَ اردوغان إلى تسليح المعارضة التي تعمل لصالحِ الأجندة التركية في سوريا، ودعا إلى الاستمرارِ بالمطالبةِ بسقوطِ النظامِ البعثيِّ في سوريا؛ الذي لا يقل اجراماً عن نظام الملالي في إيران؛ وذلك لزرعِ الفتنةِ بينَ أبناءِ الوطنِ الواحد، ولاستمرار الدمار والقتل في سوريا؛ هذا لإتمام مصالحهِ وسيطرتهِ على المناطق الحدودية كما فعلت تركيا بلواء اسكندرون، واستكمال مطامعها التاريخية بأرض الشام.

بينما إيران لا يوجد فيها مطامع عثمانية توسعية؛ هذه من جهة؛ ومن جهة أخرى؛ هي اليوم تساعد الدولة التركية في ضرب مصالح الكُرد في المناطق داخل الحدود الإيرانية، وكذلك في باشور كردستان. وهنا بدأت سياسة الكيل حسب ثقافة (طوران) التي كانت تضع المكيال حسب رغبتها ومصالحها.

الكلُّ يعلم أنَّ إيران وحكومة روحاني اليوم تدعم رأس الهرم في سوريا (بشار الأسد) والنظام السوري ككل، وتدعمهُ بالقوى العسكرية عبر عناصرَ من الحرس الثوري الإيراني، وما يقارب المئات من الفصائل الشيعية من إيرانَ نفسها ومن العراقِ أيضاً؛ كما تدعم اقتصادها مالياً، وتعمل المستحيل كي تبقيه في منصبه، لأن سقوط النظام السوري يعني بالضرورة سقوط مشروعه التوسعي (الهلال الشيعي) الذي يصل إيران بالبحر المتوسط عبر العراق – سوريا – لبنان.

وانطلاقاً من مبدأ عدوُ الصديقِ هو عدوٌ بالضرورة، فإن إيران بنظامه وكل قواه العسكرية تعملُ كعدوٍ على الأرض وفي الساحات السياسية؛ للشعب السوري ولمى تسمى نفسها بالمعارضة السورية بشقيها العسكري والسياسي، وتعملُ قدرَ الإمكانِ في القضاء عليها ومحوها، من هنا ومن هذهِ النقطةِ بالذات؛ هناك عدة أسئلة؛ تطرح نفسها بقوة، وبرسمِ كلِّ من يحملُ في عروقهِ الدمَ السوريَّ بمختلف القومية والانتماء، ويجب الإجابة على واحدةٍ منها على أقلِّ تقدير… وهي

كيف لحكومة اردوغان أن تدعم قاتلاً ضد انتفاضة شعبه الذي ذاق الويلات على يد النظام وحاشيته؛ والذي كان ومازال يفتك بأصدقاء تركيا (حسب زعم اردوغان) في سوريا؛ ضدَّ من تتظاهر الحكومة التركية أنها تعمل على حمايتهم، وتحقيق آمالهم، وتأمين العيش الرغيد لهم، وأسقاط النظام الذي أبادهم وشرَّدَ ما بقي حيٌ مِنهُم. كيف له أن يكون صديقاً يدعم عدواً، أم أنه يستخف بعقول السوريين بمختلف انتماءاتهم؟ أم أنه ومن يعمل لصالح أجنداته يعلمون جيداً ما يفعلون؟ أولم يحن الوقت ليدرك السورييون بأنَّ حكومة اردوغان ستبيع الشعوب في سوريا ما إن وصلت إلى أهدافها ومبتغاها؟ أولم تأخذ الشعوب في سوريا العِبَرَ من تجربة الباصات الخضراء وبيع حلب؟ أولم يرى أو يسمع السوريونَ ماذا يحصلُ في الباب وجرابلس، وكيفَ أنَّ سياسة التتريكِ باتت واضحةً فيها، وعودة السيطرة العثمانية قد تجاوزت حدوداً لا تُطاق، وباتت رموزُ الطورانية على الأراضي السورية دون أيةِ رادع، وأن تركيا باعت السوريين، ولعبت على أطلالِ مدنها وأشلاءِ أبنائها منذ اليوم الأول من تدخلها في سوريا، وأنَّ مصلحتها مع إيران أهمُّ من كل ما تبقى من السوريين (من لم يُقْتَل على يد الفصائل التركية المتشددة في سوريا).

وعلى الشعوب في سوريا؛ أن تعيَّ جيداً بأن اردوغان لم يتدخل في سوريا يوماً من أجل حرقةِ قلبهِ على الشعب وما ينتهك من حرياتٍ بحق النساء والأطفال، ولا لما يتعرض له المسلمون في سوريا من قتلٍ وتشريدٍ ومجاعات؛ هو فقط تدخلَ لمصالحهِ … لمصالحهِ لا أكثر، وسيترك النظام نهائياً؛ بل وسيدعمهُ كما كانت آخر تصريحاته فور تحقيق بعض المآرب والمكاسب التوسعية الاضافية التي لطالما حلم اردوغان في استعادة أمجاد من عاث فساداً لأربعة قرون في بلاد الشام.

زر الذهاب إلى الأعلى