مقالات

إن لم تجد ذريعة للفتح عليك أن تصنعها

في الدقائق التي تلي السادسة من الحلقة التاسعة لمسلسل <ممالك النار>، يدخل السلطان سليم الأول إلى خيمته فيتفاجأ بزعيم <الجهاردية> جالساً مكانه، يقول له الأول مرتين متتاليتين، كيف دخلت إلى هنا، فيرد الثاني، هل تذكر حلم جدك أم لا؟ في إشارة إلى (محمد الفاتح، فاتح القسطنطينية الذي يكون جد السلطان العثماني سليم الأول).

سليم لا يدري لماذا يسأله الجهاردي – الذي نصبه على الحكم- عن حلم جده، فيقول: <خرجت من صدره شجرة غطت الآماد حتى ظللت الأناضول وتدفقت أنهار عدة من جذعها ثم تحولت أوراقها إلى سيوف حملتها الريح إلى القسطنطينية>. ويلحق السلطان العثماني سرده للحلم بكلمة لماذا؟ الجهاردي يرد عليه قائلاً: <حكاية مهدت الطريق أمام جدك ليفتح القسطنطينية بعد عشرات السنين> ويضيف: <أثر الرؤى والأحلام على قلوب الرجال هو ما يصنع الممالك، وهذا ما على رجالك أن ينشروه، سنقول رأى شيخنا نور الدين صاري رؤية>.

سليم وكأنه حالم يقول: <بشأن الشرق.. دولة المماليك>، فيرد عليه الجهاردي: <بشأن أعظم ما في الشرق وأجلّ ما في دولة المماليك، يقول (في إشارة إلى الشيخ صاري) أن الرسول (ص) منحه رسالة فحواها (ليأتيْ مولاك إلى الحرمين الشريفين)>، سليم: <وهل هذا يكفي>؟

الجهاردي: <الرؤى تنشر بين الناس وتمهد الطريق، والناس لا يقاتلون ضد رؤى الرسول>

سليم: <تريدني أن أغزو بلاد المسلمين استناداً إلى خرافة>

الجهاردي: <وللخرافة أصل في الحقيقة، إن لم تجد ذريعة للفتح عليك أن تصنعها>، ويضيف: <فما التاريخ إلا أقوام تحكم وأقوام تُحكم، لا يملئ فراغها إلا الحكايات، ومن يملك الحكاية يملك الحقيقة>.

إن هذا الحوار من المسلسل العربي بإنتاج إماراتي (ممالك النار) والذي أثار حفيظة تركيا التي طالبت بعدم بثه، وقالت عنه “افتراءات على التاريخ العثماني”. يبين حقيقة الأطماع العثمانية في المنطقة، ولو لم تكن هذه حقيقتهم لما غضبت تركيا هذا الغضب من بث المسلسل بدليل المقولة الشعبية (الي فيه شوكة تنخزه).

ولطالما استند العثمانيون في غزواتهم على المقولة المذكورة آنفاً: (إن لم تجد ذريعة للفتح عليك أن تصنعها)، وقد وسعوا مناطق نفوذهم واحتلوا (الشام ومصر وبلاد ما بين النهرين والحجاز) منطلقين من خرافات نشروا أطماعهم عن طريقها، والعثمانيون الجدد (أردوغان ومن معه) يسيرون على ذات الخطى، وقد صنعوا ذرائعهم في احتلال سوريا والعراق وليبيا والسودان وبرعوا فيها. ففي سوريا وبحجتهم الواهية (الحفاظ على الأمن القومي التركي، وتطهير الحدود) شنوا عدة حملات وسخّروا جميع إمكاناتهم العسكرية في احتلال مناطق عديدة جاعلين منها بؤرة للإرهاب والإرهابيين، لدرجة أن العالم جميعاً يسكت عن جرائمهم الوحشية، ويبيحون لهم كل جريمة يرتكبونها وأعوانهم.

حججهم وذرائعهم لا تمثل الحقيقة لكنها توضح حبهم لإراقة الدماء، وتفضح طبائعهم الوحشية غير السامية بعكس شعوب المنطقة الأصليين الذين هم دعاة سلام ومحبة، حب الدم صفات الغزاة لا الحضارات والشعوب، وهذا ما يؤكد أن الأتراك مجرد غزاة في المنطقة ولا صلة لهم بالحضارة.

ملاحظة: الجهاردي قائد الجهاردية وهي حركة تعتنق فكرة الإمام المهدي المُنْتَظر المخلص – وأن الإله يحل في الأقطاب والعارفين-، ويؤمنون بالتأويل الباطني للنصوص القرآنية بتفاسير باطنية تخلط الحروف والأرقام وهي علوم الأوفاق والطلاسم والتنجيم (السيمياء)، وكلمة جهاردية من جهاردة وهو رقم 14 باللغة الفارسية – خاص بعلم السحر وطلاسم الكون وعلم السيمياء (أسرار الحروف).

زر الذهاب إلى الأعلى