مقالات

إرهاب ينخمص من إرهاب

تامارا كمال

كثيرة هي الأحداث التي تتصدر المشهد السوري الذي بات شأناً يهم العالم أجمع لِما له من أهمية في تحديد مسار أزمات الشرق الأوسط بعد أكثر من مئة عام على اتفاقية سايكس بيكو التي تسببت بأزمات بنيوية لمعظم دول الشرق الأوسط، وقسمت الكثير من بلدانها فتشتت الأمم والشعوب إثر ذلك، وبات ضحية للاستعمار الذي بدوره يسعى ليكون قوة استعمار فكرية حتى يصل لمسعاه، فبالفكر وحده تُستعمر الشعوب لأن التحرر منه يكون بنسب ضئيلة وعلى فترات طويلة، أما التحرر المادي الملموس يكون بشكل أسرع وأكبر.

بالعودة إلى المشهد السوري نجد أن مستجداته في غاية الأهمية والحساسية معاً، والبعض منها تعد مرحلة مفصلية، ولعل هزيمة داعش تندرج تحت المنحى الأخير، حيث أن كل ساعة تمر مهمة لأننا نقترب من الهزيمة الوشيكة لتنظيم داعش الإرهابي الذي دنس مناطق ومدن استراتيجية وغنية اقتصادياً، وقبل أن تكون كذلك فهي غنية ثقافياً وتاريخياً وفكرياً كالموصل والرقة كأحد أهم المدن السورية والعراقية.

الهزيمة الوشيكة لداعش، تعد أهم الإنجازات التي قدمتها قوات سوريا الديمقراطية للعالم، ونصر مؤزر.

إلا أن إلحاق الهزيمة بداعش وإنهاء وجوده جغرافياً لا يكفي، إنما يتوجب أن يتم التحضير للمرحلة الأهم، ألا وهي محاربة فكر داعش وبقاياه التي ستعمد إلى نشر هذا الفكر الإرهابي المتطرف سراً حتى يستجمع قواه ويظهر مجدداً، وباعتقادي؛ المهمة الأصعب هي القادمة، وأكبر تحدي أمام قوات سوريا الديمقراطية، ورائدي فكر الأمة الديمقراطية الذين دفعوا الغالي والنفيس لحماية مناطقهم وشيئاً فشيئاً وصلوا إلى درجة يحموا فيها العالم قاطبة، هي منع الفكر الإرهابي المتطرف لداعش من الانتشار ثانية، فإذا ما عدنا إلى الوراء قليلاً وجدنا أن هذا الفكر انتشر كالوباء بين الشرق والغرب على حد سواء وخاصة بين أولئك الذين يعانون ضغوطاً نفسية أو مَن هم في سن ما دون البلوغ، وغير الواعين ماهية قرارتهم، لذلك إذا ما تم نشر فلسفة أخوَّة الشعوب والتعايش السلمي المشترك وفكر الأمة الديمقراطية فأنه يحدُّ من الفكر الإرهابي المتطرف.

ونقطة أخرى تُعدُّ ذو أهمية كبيرة وعلينا تسليط الضوء عليها، ألا وهي استعادة تنظيم القاعدة الإرهابي نشاطه بعد هزيمة داعش، أو على وجه الدقة ظهور تنظيم داعشي آخر يحمل الأفكار المتطرفة ذاتها، لكن تحت مسمى آخر وهيكلية تنظيمية جديدة تختلف عن هيكلية داعش، حيث أن (18-20) ألفاً داعشياً لا زالوا أحراراً، ومن هنا يطرح السؤال نفسه، أين يختفي هؤلاء؟!

إن هذا الأمر يثير المخاوف لدى الكثير من الدول الأوروبية. بعض المراقبين يجدون أن هؤلاء الدواعش يقبعون في مناطق ما يسمى درع الفرات – أي المدن السورية التي تحتلها تركيا- وفي مدينة إدلب بالتحديد التي باتت مستنقعاً يتجمع فيه الإرهاب العالمي الذي تدعمه تركيا، مع هذا يبقى السؤال هل ستشهد سوريا جولة أخرى من الصراع بعد مضي ثماني سنوات على أزمتها؟!

زر الذهاب إلى الأعلى