ثقافةمانشيت

أقلام معاصرة ..الكاتب والقاص محمد بيري

بين ربوع طبيعة القرى الجميلة وحكايات التراث القديمة عاش وترعرع محمد بيري، وُلد محمد بيري سنة 1950 في قرية “كُردو”، وتربى في قرية حاج ناصر، درس الابتدائية في مدرسة “طوبس” وهي قرية مجاورة لمسقط رأسه، أما الإعدادية والثانوية فدرسها في مدرسة العروبة بمدينة قامشلو، تخرج من جامعة بيروت العربية اختصاص “جغرافية” بين سنة -1979، 1980

منذ السبعينات تعيَّن (وكيل معلم) في القرى، هكذا عرَّف لنا الكاتب والقاص محمد بيري عن نفسه، وذلك خلال حوار أجرته صحيفة الاتحاد الديمقراطي معه.

وتابع حديثه بالقول: كنت محباً للغة الكردية من “أقاويل، أغاني، قصص، وحكايات ليلية”، فوالدتي كانت تروي لنا في الليل حكايات تراثية كردية، لذا أحببت اللغة الكردية وتعلقت بها وسعيت إلى تعلمها بالأحرف اللاتينية بجهودي الذاتية باعتباري كنت ملماً باللغة الفرنسية وهذا ما ساعدني على تعلمها، ومنذ سنة 1975 بدأت الكتابة باللغة الكردية، وبدأت بجمع الكلمات الكردية القديمة والحكايات الليلية القصيرة التي كانت تعرف بـ ” “Çîrok وكذلك ألعاب الأطفال التي كنا نلعب بها في ذلك الوقت.

وحول سؤال عن أهم كتبه أجاب قائلاً: من أهم الكتب، هو قاموس اللغة الكردية، ” Ferhenga zimanê kurdî” وقد بلغت عدد الكلمات التي تم شرحها في القاموس أكثر من 70 ألف كلمة وهو باللهجة الكرمانجية الموجودة في المنطقة، وكتاب الحكايات الكردية القديمة، وهما قيد الطبع، والفلكلور الكردي وكتاب “ Dînê bîrwir – Xoce simayîl”، و” Filiklora kurdî- Lîstikê zaroka”، فهذه من نتاج الأعمال أو الرؤى الموجودة في المنطقة، فمثلاً خوجة إسماعيل كان يتردد على قرية حاج ناصر وطوبس والمنطقة كثيراً، وكان يزور بيتنا حيث كان لنا معرفة به منذ بداية مجيئه إلى المنطقة، فأخذت منه الكثير من الكلمات والعِبَر التي كان يتحدث عنها، وتم نقل الكثير من أخباره وأحاديثه عن طريق العديد من أهالي قريتي حاج ناصر وكُردو ومنهم على قيد الحياة إلى الآن، أما كتاب الألعاب الكردية فكنت على معرفة بالكثير منها، فقد كنا نلعب بها، والبعض الآخر أخذته من ذاكرة كبار السن مثل حليم حوج الذي كان يزورني كثيراً فاستفدت من الحكم والأمثال التي كان يقولها ويرويها.

وعن تأثير بيئته الاجتماعية عليه من الناحية الأدبية، قال محمد بيري:

أحببت الأدب الكردي من المجالس الجماعية في القرية، حيث كان يجتمع فيها الكثيرون، وكان يُذكر فيها “الأغاني، القصص، الحكايات، والأخبار القديمة”، فاستفدت منها وتأثرت بها وشجعتني على كتابة العادات الكردية والقصص التراثية وألعاب الأطفال القديمة، للحفاظ على تراثنا وثقافتنا من الضياع ولتبقى للأجيال القادمة ليستفيدوا منها.

وحول كتابه ألعاب الاطفال “ Filiklora kurdî- Lîstikê zaroka” قال:

المجتمع الكردي منفتح على نفسه فلم يكن هناك فرق بين الذكر والأنثى، وكانوا يلعبون سويَّة، وفي كتابي هذا كتبت عن أكثر من مئة لعبة كردية، خاصة بالكبار والصغار، فتيات وشبان، فقديماً كان للشابات ألعاب مختلفة مثل “الحفتوك”، وللشباب “الكاب، والكلل”، وكان الكبار أيضاً يلعبون بألعاب في المضافات ومجامع الرجال في ظل عدم وجود راديو أو تلفزيونات.

وكان هذا الكتاب لترسيخ ودعم الثقافة الكردية، وليعلم الجميع أن لهذه الأمة حضارة قوية، فقد نسب الكثيرون هذه الألعاب إليهم وهي بالأصل كردية، مثل لعبة الهوكي، فهي بالأساس لعبة “كوك”، إضافة إلى الكثير من الألعاب الأخرى، كونها غير مكتوبة كان يتم أخذها وإلحاقها بلغات أو قوميات أخرى.

ومن الجميل أن يتم توزيع هذا الكتاب على المدارس ليتعلمها كافة الطلاب ليكونوا على علم بألعابهم الكردية التراثية.

وخلال حديثه عن الواقع الثقافي الكردي ورأيه بهذا الواقع، قال محمد بيري:

الواقع الثقافي الكردي جيد، وأنا طلبت من المسؤولين أن يكون هناك مجمع اللغة الكردية وأن يحضر إليه المثقفين والكتّاب من كل أجزاء كردستان لنجمع من خلاله الكلمات والأحرف والمعاني الكردية الأصيلة المنتشرة بلهجات مختلفة ونوحدها ونستبعد عنها الكلمات العربية او التركية أو غيرها والتي اندمجت مع لغتنا خلال آلاف السنين.

فالواقع الثقافي جيد بشكل عام واللغة الكردية حافظت على نقائها بنسبة ٨٠%، وكانت لغة غير مكتوبة أي لغة شفاهية متنقلة من جيل إلى جيل فرغم ذلك بقيت محافظة على كلماتها ومعانيها.

وأضاف: على المثقفين والكتّاب أن يتوجهوا بنتاجاتهم الأدبية إلى المعنيين والدوائر الثقافية في روج آفا كهيئة الثقافة والفن، فهناك الكثير من الشبان والمثقفين مطّلعون على اللغة الكردية الأصيلة ويجب الاستفادة من طاقاتهم وتسخيرها في خدمة اللغة الكردية وتطوير الواقع الثقافي الكردي.

وعن رأيه كمثقف بالسياسة المتبعة في روج آفا قال:

السياسة المتبعة في روج آفا جيدة جداً لأن الظروف المحيطة بنا هي ظروف عدائية من كافة الأطراف فهم يعادون النهج الكردي، واللغة الكردية تستفز جميع هؤلاء الأعداء ويعتبرون الكرد عدواً لهم، إلا أن الكرد برهنوا من خلال ما قدموه من بطولات أن الشعب الكردي شعب قوي ومتطور، فدفاع المرأة إلى جانب الرجل في ساحات القتال وبخندق واحد أكبر دليل على أنه شعب مثقف وله حضارة عريقة وعظيمة على مر التاريخ وشعب إنساني لا يفرق بين المكونات ويحترم جميع الأقوام والثقافات الموجودة في المنطقة، وإلى يومنا هذا الشعب الكردي ينادي بالأخوة والعيش المشترك بين كافة المكونات.

وعن أبرز توصياته للمثقف الكردي، قال محمد بيري:

على المثقف الكردي أن يكتب باللغة الكردية، لغته الأم، وأن يبتعد عن اللغات الغريبة، ليست  عنصرية لكن علينا أن نحافظ على تاريخنا ولغتنا وثقافتنا الكردية ونساهم في نشرها وترسيخها للأجيال القادمة والحفاظ عليها من الضياع لتصبح لغتنا الأم لغة معروفة لدى الجميع.

وأضاف قائلاً: نعم؛ إنه لمن الجيد أن يكون الشخص ملماً بلغاتٍ كثيرة لكن عليه في البداية أن يكون على دراية وعلمٍ بلغته الأم للحفاظ على تاريخه وثقافته الكردية.

وفي ختام حديثه، تمنى من كافة المثقفين الكتابة باللغة الأم، وإن لم يستطيعوا فليكتبوا عن الحضارة الكردية أو مواضيع وحكايات كردية قديمة، فالشيء المهم والواجب علينا جميعاً فعله هو الحفاظ على ثقافتنا وتاريخنا الكردي، لأن لنا حضارة وتاريخ عريق، وقليل من الناس تابعوا التاريخ الكردي وتفاصيله في القديم، لذا أدعو جميع الشبان المثقفين أن يساهموا في تدوين تاريخهم وثقافتهم الكردية بأي لغة كانت لإيصالها إلى الجميع.

إعداد: دلناز دلي

زر الذهاب إلى الأعلى