مقالات

إدلب بين تركيا وروسيا: عدٌ تنازلي

دوست ميرخان

من الواضح أن القمة الثلاثية في طهران، بمشاركة رؤساء إيران وروسيا وتركيا، لم تُقدِّم أية إجابات حاسمة حول السيناريو المحتمل لإدلب، وكما كان متوقعًا منها تركياً على الأقل في أن تكسب المزيد من الوقت حتى يعمل أردوغان على الدفع بفصائله ومجموعاته الإرهابية القبول بحلٍ يجنب خسارة النظام التركي لعمقه الجيواستراتيجي في سوريا.

وكما يبدو من التمهيد العسكري للنظام السوري وغارات الطيران الروسي على عدة مواقع في جنوب وشرق إدلب وشمال مدينة حماة بأنها متوجهة لحسم عسكري بالتوازي مع فرض روسيا النموذج الذي بات معروفاً “المصالحات” خاصة وأن عدداً من الفصائل المسلحة أبدت موافقتها ضمنياً.

تحتل إدلب موقعًا متميزًا لجميع الأطراف المتصارعة خاصة بالنسبة لتركيا ولجبهة فتح الشام الإرهابية” النصرة” فهي من جهة تمثل القاعدة الكبرى للفصائل الإرهابية وهي امتداد للمناطق التي احتلتها تركيا في الشمال السوري وبالتالي فهي تشكل عمقاً استراتيجياً لها وامتداداً لمشروعها الاستعماري.

 لكن الفشل التركي في التفاهم مع بعض الفصائل الاسلامية الراديكالية الكبرى والترابط  المعقد فيما بينها ومحاولة تركيا إعطاء الأولوية لمصالحها ومشاريعها في الداخل السوري والمنطقة عموماً قد حال في النهاية دون إعطاء بنك واضح من المعلومات حول الفصائل والمواقع التي على إثرها يمكن لموسكو أن تشن ضربات عسكرية انتقائية وتجنب المدينة عمليات عسكرية واسعة النطاق وبالتالي المحافظة على المشروع التركي في الداخل السوري.

وطالما الأمر كذلك، فإن العملية الواسعة النطاق ضد المجموعات الإرهابية على ما يبدو؛ قد حُسمت من قبل موسكو لكن التوقيت لازال قيد النقاش ومرتبط بالتطورات على الساحة الدولية، وبالتالي فإن العلاقات التركية الروسية ستشهد خلخلة كبيرة على إثر ذلك وفي حال شنت روسيا والنظام السوري حملة واسعة النطاق.

 من هنا فأن التفاهُمات بين روسيا وتركيا حول الأزمة السورية عامة ستواجه تحدّيات كبيرة مع أن كلاً منهما يعلم مدى الحاجة للآخر؛ لكن عدم التكافؤ بينهما سيلقي بظلاله على حجم هذه العلاقة ومدى ترابطها في المنظور القريب والبعيد، ومن الواضح أن موسكو اليوم أكثر قدرة على التحرّك في المشهد السوري على حساب التركي، وبقْدر أقل من الارتباط مع أنقرة، وهي أقدر على تحديد إيقاع العلاقات معها.

والتواطؤ بين تركيا وحركة أحرار الشام وجبهة النصرة والفصائل الارهابية الأخرى التي ترفض الرضوخ للحلول الروسية، ستؤثر حتماً على طبيعة تلك العلاقات والتي كانت في ذروة التناغم والانسجام مؤخراً.

 فالنظام التركي وكضامن أساسي لآستانا وكراعٍ وممثلٍ عن الجماعات الإرهابية في سوريا  حاول مراراً “تأهيل” جبهة النصرة لأن تكون القوَّة الرئيسة المعوّل عليها بعد فشل داعش في سوريا لكنها وكما يبدو قد فشلت في تمرير احجيتها هذه المرة.

تركيا حاولت العمل على مسارات متوازية على الصعيد الإقليمي والدولي، من أجل الضغط والمساومة لترتيبات وجودها في شمال سوريا لكنها وكما تشير الوقائع أيضاً لم تفلح في ذلك؛  فمن جهة فشلت في القضاء على النموذج الإداري والسياسي الديمقراطي في شمال سوريا وبالتالي لم تتمكن عبر أدواتها وتدخلها المباشر في قلب الموازين لخدمة مشاريعها الإرهابية  الفوضوية والاستعمارية، ومن جهة ثانية لم تسطع الاستثمار في السياسة الإقليمية والدولية على العكس تماماً فقد كانت سياستها التخريبية والمعادية لجميع الدول وبالاً عليها وانعكست بشكلٍ سلبي على  الداخل التركي حيث تشهد البلاد أزمات مختلفة.

من هنا فأن الرهان التركي في العمل على تغيير قواعد اللعبة في سوريا باللعب على أوراق عدة،  لم يعد يتناسب مع الوقائع على الأرض.

بالنسبة لروسيا، قاعدة التفاهُم مع تركيا لا تزال قائمة، وأساسها هو استجابة الأخيرة لأولوية الابتعاد عن المحور الأمريكي الغربي، والعمل بما يتوافق والاستراتيجية الروسية السياسية والاقتصادية واستمرار العمل معها ومع أطراف أخرى على الفصل بين الجماعات المسلّحة التي تقبل بها وتنضوي في إطارها، وتلك الرافِضة لها، بحيث تكون الجماعات خارج اتفاقات التهدئة جماعات إرهابية يجب محاربتها وبذلك تكون روسيا قد نجحت في استخدام تركيا لخدمة مصالحها في سوريا وعموم المنطقة.

 وبذلك فأن فشل تركيا المبدئي في دمج النصرة أو فصل أكبر قدر ممكن من الفصائل عن النصرة وضمها للقوى الإرهابية التي تخضع مباشرة للقيادة التركية، سيضع تركيا أمام

 مراقبة وترقب روسي على المدى القريب في مدى استعداد تركيا لمواجهة “جبهة النصرة” في إدلب.

 ويبقى السؤال الذي سيتكفل الأسابيع القليلة المقبلة  بالإجابة عنه، هل ستقوم تركيا وروسيا معاً بالقضاء على الجماعات الإرهابية في إدلب والمناطق التي ترى روسيا ضرورية للسيطرة عليها وإبعاد المجموعات المسلحة  الإسلامية عنها والتي ستعمل تركيا على فرزها وفي مقدمتها النصرة وأحرار الشام في إطار عملية عسكرية محدودة؟؟. بينما تتكفل تركيا ببقايا المجموعات الخاضعة لها وبالتالي فإن روسيا لن تبتعد عن تركيا، وهي بحاجة لوساطة تركيا وتعاونها مع روسيا في هذا الأمر وهذا ما سينجم عن الاجتماع المزمع عقده بين الأطراف الثلاثة ضامني آستانا+ المبعوث الدولي ديمستورا في وقت قريب.

زر الذهاب إلى الأعلى